قد تكون البعض من الحكومات الغربية وقوى سياسية اجتمعت في الشارع كي تتحرك غاضبةً في عديد من العواصم الغربية والأوروبية رافضة للجرائم الكبيرة التي تقع في غزة ، مثلما فعلت حكومات إسبانيا والنرويج والبرازيل وبلجيكا، والأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غويتريس، وعديد من المنظمّات الدولية المحايدة، لكن ذلك لم يكن ليؤثّر أو يحول دون استمرار بينامين نتنياهو وفريقه النازي بقتل الأطفال وتجويعهم حتى الموت، وقصف المستشفيات والمساجد وتدمير كل معاني الحياة في غزّة، وتهجير الناس جميعاً، وإعدام المدنيين بدمٍ بارد! لم يقف “العالم الحرّ” وقفةً حاسمة مع قيمة الحرية التي جعلها عنواناً للحضارة الغربية، بل سارعت الدول الكبرى، أميركا وبريطانيا وفرنسا (التي شهدت ارتباكاً في مواقفها) لدعم إسرائيل، منذ البداية، بكل أنواع الأسلحة والمعدّات لقتل أطفالٍ صغار، فظهر وراء قناع الديمقراطية والحضارة وجه آخر مختلف وفوقي في تعامله مع الحضارات والشعوب الأخرى.
وهناك من قال إنّ الحداثة والرأسمالية الغربية بُنيتا بصورة بريئة وموضوعية على قيم وأخلاق الحرية والتحرّر والحضارة والمدنية تجاه العالم، هي فقط تجاه الشعوب الغربية، لكنها (تلك الروح) لم تتخلّ في أيّ وقتٍ عن النظرة العدائية للآخرين، ولم يكن صموئيل هانتنغتون، أحد أبرز الأكاديميين الغربيين اللامعين في الغرب، ليخترع مصطلحاً جديداً عندما تنبّأ بـ”صدام الحضارات” في مرحلة مبكّرة، بعد انهيار الاتحاد السوفييتي. ولم يكن المفكّر الفلسطيني إدوارد سعيد بعيداً عن التوصيف والتفيكك الحقيقي لهذه الأفكار في كتابه المرجعي “الاستشراق”. وليس سرّاً أن كثيرين من زعماء الغرب وسياسية أخذوا أفكارهم وتصوّراتهم عن المنطقة العربية والإسلامية من المستشرق المعروف، برنارد لويس، بنظرته السلبية تجاه التاريخ والتراث والواقع العربي والإسلامي بالحقيقة
عبد الخالق الفلاح- باحث واعلامي