١٦/٣/٢٠٢٤
حياة الإنسان مراحل ولكل مرحلة طبيعة مختلفة عن غيرها، حياة البرزخ إحدى هذه المراحل.
لا أتصور أن انساناً لم يرَ المقبرة أو زارها او سار بجوارها، لأنها المكان الذى يدفن فيها من يفارق الحياة إكراماً له لما يتعرض له من تحلل وتعفن ورائحة كريهة.
تختلف طرق الدفن من مكانٍ لآخر ومن زمان لزمان حسب الاعتقاد السائد وإيمان الإنسان بربه، لكن الشائع فيه هو حفر حفرة بشكل مستطيل بطول مترين تقريباً وعمق حوالي متر ونصف وعرض متر و وضع الميت على جنبه او على ظهره حسب الاعتقاد السائد ايضاً وبعدها ملئها بالتراب ووضع حجرة او حجرتين عند رأس المتوفي وأخرى عند القدمين كاشارة او علامة على ان المكان قبر لانسان.
في القديم لم يكن بناء القبور مشروعاً او كتابة الأسماء عليها او زخرفتها محموداً وسرعان ما كان يستوي القبر مع الأرض وينسى صاحبه، وينسى ذكراه، فقد كانت المقابر ذات هيبة و وِقار يخاف من يقترب منها وكثيفة الأشجار ولكنّها بسيطة كبساطة حياة الآباء والأجداد.
اليس من الواجب ان نسأل انفسنا يوماً ما إن الذين دفنوا في المقابر كانوا مثلنا أحياء يُرزقون ويعملون ويجتهدون ولكنهم سبقونا إلى دار الخلد بأجل مسمى وسنلحق بهم يوماً ما ونكون مثلهم تحت التراب وننتظر صدقة أو دعوة صادقة من احد.
إن المقبرة فعلاً مملكةً مليئة بالأفكار التي دُفنت مع أصحابها وأحلامًا لا حدود لها ومخططات لا تنتهي ولكن كان للموت كلمته الفصل وحدّتها من دون استأذان.
إنها المملكة التي جميع أفرادها سواسية، لكلّ منهم نفس المساحة واللباس إلا إذا تدخل الاحياء في شؤونها وبنوا القبور وميّزوا بينهم وكتبوا وزخرفوا عليها، الذي يميّزهم هو ما قدموه من عمل صالح بين روضة من رياض الجنة أو حفرة من النار.
نعم إنها المملكة الصامتة والسكون يغطّي عليها من كل جانب وكأن على رؤوسهم الطير، كل منهم مشغول بحاله ولا يفكّر إلا بنفسه وكيف ينقذها ولا يهتم بأمر غيره.
أيا تراب المقبرة هنيئاً لك وقد احتضنت الأعزاء منّا وهم أمانة عندك ونحن على يقينٍ انك لن تؤذيهم بل تمنحهم راحة تامة والسلامة والسعادة، لأنهم أرواح كرمهم الله عز وجل وفضلهم على كثير ممن خلق تفضيلاً وأحبهم لذا عجّل في اللقاء بهم.
إنها مملكة لا حقد فيها ولا حسد او كراهية، لا شقاق ولا كذب ونفاق ولا جدال ولا فسوق على الرغم من قربهم والكل يلتزم بحدوده دون تجاوز لذا فلا شكاوي ولا محامين وقضاة إلا قضاء الله تعالى على ما قدموه في الدنيا.
انها المملكة التي تسكن فيها روح الأحياء وتشعر بالأمان وراحة البال لأنه بين أعزاءها الذين كانوا معاً إلى وقت قريب ولكنه بقرار الهيٍ اخذها خلسة واختطف من بين يديه وبات ذكر مواقفه وكلماته صعباً ورؤيته في الأحلام حلماً، فكيف لا تكون السكينة مع ترابٍ إستقبل عزيزنا وحبيبنا الذي ترك فينا بفراقه الحزن والألم والهموم.
القبر أفزع صورة في الحياة، لأن المتوفي يبقى وحيداً بين ظهرانيه في وحشة ينتظر من يؤنسه.
كتابة هذه السطور تعدّ وفاءاً منا لكل من فقدناهم ونشتاق إليهم وهم لا يزالون يعيشون في القلب ولا نستطيع أن ننساهم ولكننا راضون بقضاء الله وقدره وهم السابقون ونحن اللاحقون بهم بأذن الله تعالى ونحن على ثقة تامة بأن الله سيجمعنا في الجنات.
القبر أول منازل الآخرة والطريق الوحيد الى الله سبحانه، لذا فإن الوفاة حلوة رغم مرارتها لمن كان الله غايته ومحل حبه.
زيارة القبور واجب لأخذ الدروس والاعتبار وأن الرحيل أمر محتوم، والعاقل من يبنيه بالعمل الصالح قبل الممات.
من المؤكد أن موضوع مقالنا هذا بعيد عن المألوف الذي نكتب عنه، لكن نرى من الضروري أن نستغل كل فكرة تشغّل بالنا ونستفيد منها ونحولها إلى كتابة أو حقيقة ملموسة.
رحم الله الجميع وجعل قبورهم رياض الجنة حتى نلحق بهم في جنات الفردوس الأعلى ان شاءالله…
رحم الله والديك ، تذكرة جميلة والذكرى تنفع المؤمنين ……صحيح مقال غير مألوف ، بدل الكلام الكثير في المقالات الأخرى والذي يبتغي الكل في سبيله المادة لاغير …….