* نوروز ورمزية الطقس والنار  والاسطورة *-  ( النسقين الشعبي والطقسي )- وليد حاج عبدالقادر / دبي

تقدمة أ

في الجدل المستمر منذ زمن طويل حول نوروز كمعنى ومصطلح ، وببعده الجماهيري المتدرج في معانيه الحبلى بكثير من المفاهيم المتداخلة ، والتي ارتقت في غالبيتها الى سويات أسطورية ، هذه السويات هي التي نعني بها و بالتحديد بعدها الأسطوري وماهيتها التعريفية إن بصيغها او إصطلاحاتها العلمية ، والتي كانت تتمظهر بصيغ ما ، وبالأخص هالتها القدسية التي تراكبت عبر السنين والأجيال ، وحوطتها بترانيم قدسية استمرت تتراكب حول أساسياتها ، وعليها بدت جميع الظواهر الخارقة اصطلاحا ، مجرد خرافات أشبه بعظات لآلهة – ابطال يملكون قوة او يمارسون افعالا خارقة ، والتي لم تكن سوى مجرد انعكاس لتلك القدرات الخارقة ذاتها سواء كان من جهد أوقوة ، والتي أنتجت – أرفقت معها تلك الرمزيات المكثفة – وأيضا – كفزاعة او نتاج لخوف و رعب ، هذه الظواهر التي كانت تتجلى في عمليات التحول الكبرى للبشرية ككل ، والتي طرحت إرثها وبدورها تقاطعت مع بعضها ، وإن طغى الخاص الفئوي وسعى بكل موروثاته يتشبث بخصوصيته ، والتراث الكردي حبلى بكثير من هذه النمطيات المتدرجة ، وكل منها تشي بمضمونها الإرثي تعطي وببساطة ، لابل تنعكس فيها ، وبكل وضوح مراحل التطور البنيوي وتحولات المجتمعات البشرية ككل ، وهنا وفي قضية نوروز ، وبعيدا عن البعد الخرافي وبالتقاطع مع العمق الأسطوري ، سنرى وببساطة شديدة خاصة فيما يتعلق  بالتحولات المجتمعية من جهة ، وانعكاساتها الواضحة في التأسيس لخلق آفاق ووعي مجتمعي ، وبالترابط العميق مع التجليات الملموسة التي انكشفت عن السابق من جهة ، او التي تجرأت واستقوت وبالتالي تحولت الى انماط من قداسات أخرى ، واستمرت – في تلك القداسات ورهابها المعنوية منها والمنكشفة ربطا بها ، او كانعكاس سايكولوجي على أنها عقاب محدد منها ، وهنا وبمقارباتها وفق منطق المقارنة وتداعيات تراكم الوعي التجريبي ، خاصة في تلك البيئات البكر ، والتي وشت او نقشت خبراتها المتراكمة وكإرث اصبح مطروحا للتداول ، وعليه وبالإستنادا على الجذر الأساس في وعي وثقافة البيئة المحيطة ككل ، واعني بها في هذه الفسحة : ثقافة ميزوبوتاميا الطقسي المستند أصلا على ثقافة الموه – الماء كعنصر رئيس في الجدب والخصب – الحياة والموت – وذلك الربط الأزلي في علاقة الماء والحياة وما قيل ويقال فيها بلغتنا الكردية ( jiyan û Av ) ، هذه الإشكالية التي ساهمت و ترسخت كعنصر أهم في عملية الصراع الوجودي للبشرية ، ومع اكتشاف واستخدام النار الذي أحدث ثورة حقيقية في كل انماط وأشكال الحياة على الأرض ، هذا النار الذي أسس لتطويعات عديدة لم تبتدئ بتغيير نمط حياة المجتمعات البشرية فقط ، بل ساهمت جذريا في تغيير الأدوات وقضايا كثيرة ، ومعها دخول البشرية عصر المعدن وتطويعه واستخدامه ، الأمر الذي شكل انقلابا جذريا وهو لازال مستمرا حتى عصرنا الحالي ، هذه الحالة التي استدامت كركيزة سلطت عليها الذهنية الأسطورية للبشرية بتوزيعاتها الجغرافية المختلفة ، وأبرزت نمطا ثقافيا وطرزا  عباديا استند على الحرف – المهن وماهياتها ، فظهرت وتعددت آلهة الحرف بأجناسها ، وكمثال برز هيبستوس كواحد من كبار آلهة المعدن في مجمع بانثيون الإغريق ، وباختصار وفي هذه العجالة ، يتوجب علينا التذكير بأن السرد الشفاهي ومعها متواليات التناقل لقصة نوروز وكاواي هسنكر ، تتجاوز في ابعادها العميقة سرديات الإحتفالات على نمطية – الإينوماليش – والتجذير الطقسي عبر مسرحيات رمزية عتيقة ومشبعة بألغاز تماست صراعا في العمل الجدي لتاسيس نمط وعي جذري ومتدرج لربما استهلك عصورا زمنية طويلة جدا ، واستخدمت فيها الرمزية القاسية حتى استطاع نمط الوعي الجديد المكتسب ان يفرض ذاته فيصبح حينها هو الخير الكلي ويقابله السابق القديم كنقيض وازى الشر الكلي ، ومن جديد على ارضية صراع المتضادات . نوروز وتجلياته من القضايا الحيوية في جذرية انماط الوعي – الكردي خاصة – وبالتأكيد هي تحتاج لإهتمام وابحاث علمية متعددة ، وككلمة اخيرة استطاع ان يترسخ وكقاعدة انقلاب طقسي ان يبقى الركيزة الأساس يحاكي دائما جدلية الصراع إن بالتشبث بالبقاع او الإتقاد بشعلة النار تقمصا لمفهوم الإنعتاق والحرية

إذن لفهم إشكالية تطوّر الوعي الميثولوجي في – ميزوبوتاميا – لابد من العودة الى بدايات تشكّلها ، ومن ثمّ مسألة الخلق والتكوين ، إلى الظلمات ولحظات الهيولى كما العماء حيث ـ آبسو ـ و ـ تامات ـ والتي أخذت مفاهيمها تتدرّج لتوصلنا الى بداياتها الأولى ، لحظة إكتشاف الكتابة فتتالت الرؤى بدءا من أسطورة الخلق السومرية والتي أضحت الأساس / الركيزة التي تمأسست عليها الملاحم والأساطير اللاحقة ، وهذا ما نلحظه أيضا في نمط الإحتفالات الرمزية / الطقسية والتي كانت ملازمة للإنقلابات الفصلية وخاصة احتفالات الربيع منذ فجر التاريخ / حضارة أريدو 5400 ق . م / حيث تعدّدت الأسماء ـ أكيتو ـ بالسومرية والأدق ـ أكيتو سنونم ـ وبالأكادية ـ ويش شاتين ـ وهو عيد رأس السنة لدى الأكاديين والبابليين والآشوريين من بعدهم حيث يبدأ في اليوم الأول من شهر نيسان لمدة 12 يوما ولم يكن الإحتفال يتمّ لمرّة واحدة في السنة أي رأس السنة فقط وإنما في الإعتدال الخريفي أيضا ، إلا أنّه وفي مطلع الألف الثاني ق .م / 1894 – 1535 ق . م  / زمن سلالة ـ حمو رابي ـ السادس من ملوكها ـ تمّ إلغاء الإحتفال بعيد ـ زاكموك ـ الخريفي وأبقي فقط على ال ـ أكيتو ـ وتم التوزيع الطقسي / الفصلي الملازم لدورة المناخ والمطر وتبدّلات درجة الحرارة ، ولعل المهرجانات التي كانت تقام ، تعود ببداياتها الى أوائل الألف الثالث قبل الميلاد حسب ما ورد في بعض من المدونات السومرية ، ومن أهمّ موجبات عيد أل ـ أكيتو ـ وتقاطعها مع ميثولوجيا نوروز والمتتاليات الرافدية هو الترحيب والإحتفال بالطبيعة وعودة الحياة واليناعة كما الخضار تجسيدا لعودة ـ دوموزي ـ الى الحياة ، ولتدرّج بانتصار الإله – مردوخ – أو ـ كاوى يي هسن كر – الكوردي على الآلهة أو الملوك التنينية – تيامات وأبسو وقيامهما بخلق وتنظيم الكون وهو رمز رائع لمقاومة أزلية لقوى العدمية يقابلها كاوى وقتله لإزدهاك وأفعييه كرمز ل ـ ديو ـ المتكررة في ثنايا مئات من القصص والأساطير الكوردية وبالتالي إعادة صياغة كما وتتويج الملك الأرضي وتحديد صلاحياته وسلطته كما فعل ـ كاوى ـ في تقويم السلطة والقضاء على الظلم والإستبداد ، وقد تجسّد يوم الإعتدال الربيعي عند قدماء السومريين الذين كانوا من أوائل الشعوب المحتفلة به حيث تقول الأساطير السومرية : بأنّ – إينانا – السومرية إلهة الجمال المقابلة لعشتار البابلية إلهة الشهوة والحب لديهم قد اغترّت بنفسها وبقوّتها فذهبت للعالم السفلي – عالم الموت – الذي تحكمه اختها ـ أرشكيجال – أو – أونو نيننجال – للتغلب على الموت وعند ذهابها الى هناك فقدت جميع خصائصها وأسلحتها الإلهية ولم تعد قادرة على العودة ، حيث تغلّبت عليها أختها فانعدمت الشهوة عند الإنسان والحيوان ووقف التناسل وحسب الأسطورة البابلية بهت الشباب والجمال في العالم وحسب النسخة السومرية نرى تقاطعها مع هيبستوس القبيح ، وفي مدينة الوركاء تحديدا ابتهل الناس الى الإله ـ أنكي ـ السومري لإعادتها الى الحياة ، وحسب الأسطورة كانت عشتار مخطوبة ل ـ دوموزي ـ إله الخضرة ، قبل أنكي تضرّع الناس شريطة أن يكون هناك بديلا يموت عنها و .. يذهب الى العالم السفلي بدلا عنها ، فصعدت الى الأرض مع حرس من العالم السفلي لتختار واحدا فوجدت ـ تموز ـ بين الفتيات الجميلات لا يفتقدها لهذا اختارته ، وبموت ـ تموز ـ ماتت الخضرة على وجه الأرض فاستاء الناس وابتهلوا الى ـ أنكي ـ مع أم وأخت ـ تموز ـ التي تبرعت للنزول بدلا عنه الى العالم السفلي ، وبدأت عملية المبادلة ستة أشهر بستة أشهر ، وهو عملية الإنقلابين ، أو بداية السنة حسب التقويم السومري ، ولتتوضح رمزية الطقس والأسطورة السومريتين وركيزتها هذه ، فتصبح بذلك الفاتحة / النموذج وعلى هديها وبطرائقها تتم آليات الإحتفالات المتعددة والتي ـ طريقة هذه الإحتفالات ـ كانت تتم بأن يقوم الكاهن الأعظم بالصلاة الى إله النور / مردوخ / ويستمر العيد لعشرة أيام تتلى خلالها أسطورة ال ـ إينو ماليش ـ ويقدّم الملك تقدريرا عن انجازاته في السنة السابقة ، ومن ثمّ يذبح ثورا أبيضا رمزا للفحولة ويسيل دمه على الأرض ، ولعلنا نتلمس عدّة عادات منها مازالت تتقاطع مع هذه الحالة في العادات والتقاليد الكوردية وأولها ـ مثلا ـ ذبح الذبائح كقرابين وأضاحي وسيل دماءها ـ تحت قدمي العروسين أو الحجاج أو من تخطى أمرا صعبا ولربما فترة غياب طويلة ـ وثانيهما ليلة الحنة وتزيين إناءها بشموع مضاءة وبعدد يساوي واحدا وعشرين ، والأهم ـ برأيي ـ هي احتفالية الصباحية ـ خاصة في أعراس بوطان ـ وعندما يكون العريس قد فشل في ليلة الدخلة فيتوجه مع علية القوم والأصدقاء و ـ براظافا ـ الى البرية حيث تتم محاكمة الضيوف وعلية القوم وتفرض الجزية وغيرها من الممارسات التي تحاكي وبقايا الإينوماليش ، اما حالة التقاطع الأبرز مع آلية الرمز الطقسي وانقلاب المناخ ما تقوله الرواية الكوردية ـ بأن بيري أي العجوز تقوم في الصباح الباكر ومع شروق الشمس بتحضير ثورها ، ومن ثمّ تذبحه وتبدا بسلخه ومع ارتفاع الشمس تبدأ بالتعرق فتزحف بذبيحتها الى الفيء وهي تقول في سرّها لقد رحل البرد وحلّ الدفء ومعها حرارة مياه الآبار والينابيع وقد حان موعد ايقاظ ولدي ، فتهرع الى الداخل توقظه ، وتتلخص الحكاية بالمثل الدالّ على الإنقلاب الفصلي مقولة ـ بيري لاوكي خوه زه خو راكر .. ـ . وبعد هذا الإيجاز وآلية تشكّل وتطوّر الوعي الميثولوجي ، من الضروري جدا المقاربة الزمنية للحدث ، اي التاريخ الكوردي ـ وهنا مجازا سأساير الإتجاه القائل بأنه يبدأ من أول سنة نوروز ـ بالمفهوم القومي والذي لا يزال يتدرّج في منحاه ـ أقول ـ لابد من التطرّق الى تلك الحقبة والبعد التاريخي والآفاق التي كانت سائدة وبخارطتها الواقعية  آنذاك ، وهذه ستقودنا ببساطة الى مرحلة المدّ الآشوري القوي وصولا الى مرحلة الإمبراطورية بامتياز ، والذي واكب نموّه واتساعه كما وإخضاعه للشعوب فظائع كبيرة سواء في القتل أو التعذيب حتى الموت وكروايات كان بعض ملوكهم المشهورين يتباهون بها ، وقد أورد الدكتور أحمد خليل بعض الفقرات في واحدة من مقالاته القيمة وتتبعه لهذه المرحلة وذلك عن كتاب ـ … للباحث ألبرت كيرك كريسون بعنوان / الكتابات الملكية لآشور ناصر بال الثاني / / 884 – 859 قزم والذي يعدّ واحدا من أقوى ملوك آشور .. من الألقاب الملكية التي خصّبها نفسه : / أنا آشور ناصر بال الأمير المطيع الذي يعبد الآلهة العظيمة ، أنا التنين الضاري ، غازي المدن والجبال كلّها ، ملك الملوك وفارض الحصار على المتعنت ، المتوّج بالبهاء ، والباسل في المعركة ، البطل الشامخ ، عديم الرحمة ، المثير للصراع .. / ويتابع في وصف ما يفعله بخصومه وهو في كلّ هذا يستند على المرجعية الإلهية ويؤكد عليها ، حينما دعاه آشور ربه باسمه و .. / .. جعل سيادتي مطلقة على ملوك الجهات الأربعة وجعل اسمي هو الأعلى ، وضع سلاحه الذي لا يعرف الرحمة في ذراعي الملكتين وأمرني بحزم بأن أحكم وأخضع وأدير المرتفعات الشامخة .. / ويستطرد في وصف غزواته المتكررة ومدى التقتيل والفظائع التي مارسها وكأنموذج ودائما مما أورده أ . د . أحمد خليل من الصفحة 27 من كتاب / الكتابات الملكية وتصويره لواحدة من غزواته الى منطقة نهر الخابور .. يقول .. / .. وبتأييد من آشور والإله أور ، الإلهين العظيمين اللذين جعلا سيادتي مطلقة ، حشدت عجلاتي وجندي وانطلقت الى نهر الخابور ..وجعلت أزي – ايلي حاكما يمثلني عليهم وجعلت كومة من الرؤوس أمام بوابته ، وسلخت جلود النبلاء الذين تمردوا علي ، ثمّ نشرت جلودهم على الكومة ، فبعضها في داخل الكومة ، وبعضها علقتها على أعواد مغروسة في الكومة ، وبعضها وضعته على أعمدة حول الكومة ، وأتيت بالعديد منهم الى بلادي فسلخت جلودهم هناك ونشرتها على الأسوار … / … وأمام هذه الوحشية الممارسة كان لابد من وجود سعي حثيث    للخلاص الجماعي من هيجان القتل والتعذيب الوحشي  هذه ، وأن تكون الأقاليم التابعة والمحيطة بنينوى   بالرغم من رعبها ولكنها أيضا تبحث وبجهود مضنية للتخلّص من هذا الكابوس ، ولعلها هي الفرصة التي أتيحت مع مقدم عصر الملك الميدي ـ كي خسرو 633 / 584 ق . م ـ ومن البديهي ان يختلف منطوق الإسم من لغة إلى أخرى مثلما سيتوضح معنا لاحقا ، ولعله من أهم مآثر هذا الملك وتقاطعات سماته الشخصية مع البطل الأسطوري كاوا هي التي رشحته أن يكون من أكثر الشخصيات الواقعية التي توسمت فيه صفات منجذ التغيير في نوروز وببعده القومي التحرري ، وأهم المنجزات التي قام بها في تحضيره لوثبته الموفقة في التخلص من امبراطورية السلخ والقتل الممنهجين ـ آنذاك ـ ودائما حسب رأي الدكتور أحمد خليل والذي أوجزها في عوامل ثلاثة كان أولها توحيد القبائل الميدية تحت لواء واحد وتنظيم الجيش والدفع باستقرار القبائل المرتحلةواختياره مدينة ـ إكباتانا ـ عاصمة له والخطوة الثانية كانت بوضعه حدّا للقبائل غير الجادة والتي قد تخون وتطعن من الخلف مثل قبيلة ـ السكيث ـ ومن أرضية الوفاق الميدي انطلق لمنجز لايقل أهميته عن ترتيب البي الداخلي ألا وهو تحالفه مع عيلام في الجنوب وبابل في الغرب وعزز تحالفه ـ ومن جديد استنادا الى أ . د . أحمد خليل ـ مع البابليين بالمصاهرة حيث زوج ابنته لإبن ـ نبو بولاصر ـ وزحف الحليفان الميدي والبابلي على نينوى حيث سقطت سنة 612 ق زم وانسحب الملك الآشوري الى حران حيث طاردوه وانزلت به الهزيمة الكاملة سنة 610 ق . م ولتتغير معها خارطة المنطقة وانقسمت حسب توصيف د . خليل / .. أصبح غربي آسيا مقسّما بين أربع دول كبرى ، هي الدولة الميدية والدولة البابلية الحديثة ودولة ليديا في آسية الصغرى والدولة المصرية زز ويقول هيرودوت في تاريخه مشيدا بانتصار الميد على الآشوريين ـ شقّ الميديون عليهم عصا الطاعة ، فحملوا السلاح في وجههم وقاتلوهم ونزعوا عن أعناقهم نير العبودية ، وباتوا أحرارا ، وكانت تلك مأثرة اقتدت منهم فيها أمم أخرى قيّض لها أن تستعيد استقلالها .. ـ / . ومن هنا ساد الرأي عند غالبية من بحثوا في هذا المجال والتقاطع الكبير في حالتي كي خسرو وكاوا ، فهاهو الكاتب سيامند ابراهيم وقد اتفق مع السياق الذي ذهب إليه الدكتور عبدالباسط سيدا / ..  بين سقوط نينوى الآشورية وعيد نوروز عندما انتصر عليهم الميديين والبابليين بقيادة الملك الميدي كي خسرو وحرق نينوى ..  . أما السيد مازن حداد فقد كان واضحا ، لابل ، وملخّصا لكلّ هذه الأفكار ففي مقدمة مقاله المنشور في موقع /  LEBANONDEBATE.COM / حيث يقول : .. / .. لأن الموضوع يهمني فأنا حداد ابن حداد ومهنة أجدادي الحدادة فقد بحثت عن أصل قصة نوروز وكاوا الحداد لغايتين .. إشباع فضولي وتعريف الأصدقاء بالمعاني الجميلة للنوروز .. / .. والتي يعتبرها .. / .. نوروز في ثقافة الأكراد هي مأثرة قومية ومعلم إنساني يجسّد شموخهم في وجه الظلم .. فزرادشت حين وحّد إلهي الخير والشر في شخصية الإله الواحد عبّر عن ذلك بإشعال النيران والميديين هم أوّل من استخدموا السهام النارية في حروبهم ضد الأعداء .. ويرمز للنار في اللغة الكوردية الى النشاط والحركة .. / .. وقد توفّق الكاتب قاسم مرزا الجندي أيضا في دراسته بمقارنته وحالة التقاطع التاريخوي الزمني او الإنقلاب الطقسي / المناخوي وبالتالي جدلية الزراعة والمطر والخصوبة إن للمزارع الفلاح أو الراعي وتلك العلاقة المناخوية والتشكّل الطبيعي منذ ان كانت الكرة الأرضية ككتلة منصهرة وبدايات انخفاض درجات الحرارة ومعها الحمم والمنصهرات التي توجّهت نحو التصلّب وبالتالي بداية نبوغ أو تشكّل عناصر المياه / .. الماء والهواء والنور والتراب .. / ـ سفر التكوين أيضا ـ وآلية تشكّل الهيولى في الظلمات ومن بعدها الحياة التي كانت في البدء في الماء ومنها انطلقت في عودة ذكية الى أسطورة الخلق أو التكوين الرافدية .. وقد توفّق السيد قاسم بربطه أيضا مسألة التقدم وتلك العلاقة الجدلية بين التحوّل الطقسي / المناخي ومعه الإنقلاب الفصلي لمجتمع زراعي / رعوي فكان تقاطع ـ سر صال ـ الإيزيدي مع نوروز ورأس السنة البابلية ت الإينوماليش ـ فتتقاطع كلّها ومفهوم أن يوم نوروز وكواحدة من تجلّياتها أيضا بأنّها تعتبر رأس السنة الشمسية والتي تتكوّن في الأصل من اثنتي عشر شهرا تبدأ من نيسان أو ـ نيشاني ـ . وقد قارب كتّاب آخرون في كتاباتهم عن نوروز والبعد الميثولوجي لها أو أقلّه بعض منها ولعل مقالة السيد أحمد زه ردشت في جريدة الإتحاد الصحيفة المركزية لحزب الإتحاد الوطني الكوردستاني قد صار في هذا المنحى أيضا وإن كان على استحياء حيث أوضح سياقية أحداث الأسطورة ومرحلتها التاريخية ومن ثمّ اكتشاف المعدن واعتمادهوبروز الحديد لتنتشر معها الحرف والمانفكتورات الصغيرة بدليل أن أحد شخوص الأسطورة هو هو ـ كاوا الحداد ـ . وفي مقالته المنشورة في الحوار المتمدن العدد 3853 تاريخ 13 – 9 – 2012 كان الكاتب السيد جمشيد ابراهيم أيضا موفقا في المطابقات اللغوية والمقترنة بالوقائع والحيثيات التي توحي وحقيقة انتماء كاوا وجذوره الكورديتين …

وفي عودة سريعة الى السيرة الشعبية لأسطورة كاوا الحداد بدءا من شاهنامة الفردوسي والذي يعتبر ـ كاوه آهنكر ـ من أهم شخصياتها حيث قتل ضحاك أولاده جميعا إلا واحدا ، وأخذ كاوا الحداد يدعو الناس الى الثورة وتبعه أناس كثيرون واتخذ كاوا الحداد قطعة جلد ورفعه على رأس عصا شبه علم فاجتمع الناي تحت رايته ونادوا بشعار فريدون واتبع الحداد فريدون حتى أسر فريدون الضحاك وقيده في مغارة على جبل دماوند ودفن كاوا في ايران ، أما السيرة الشعبية الكردية فتحكي عن ملك كان اسمه ـ أزدهاك ـ وكان شديد الظلم والعسف ، أصيب بمرض عضال عالجه ساحر حكيم وشفي منه وليبتلي بعدها بنمو ثعبانين ضخمين في جسده وأخذ الثعبانان ينموان فتقدّم الحكيم الشرير لمعالجته وأوصاه أن يقدّم للثعبانين ضحيتين آدميتين يوميا وتتعدّد الروايات بعدها لتتقاطع في أن الجلاّد كان يذبح واحدا ويطلق الآخر الى الجبال الى أن التحق بهم كاوا وهناك بدأ بتنظيم صفوفهم وتجهيز القوى خاصة وهو الحداد البارع ـ هناك مسرحية أعددتها في الثمانينات وهي تعالج هذا الجانب تحديدا وقد قدمتها كل من فرقة كاوا في نوروز دمشق 1983 باللغة العربية وفرقة خلات باللغة الكردية وترجمة وإخراج السيد المهندس احمد خليل ـ وأخذت الصفوف تتنظّم وتنضبط وكانت القوة على أهبة الإستعداد لتطيح بالملك الظالم أزدهاك وهذا ما تمّ في ليلة 20 – 21 – 3 من آذار مع تباشير الإنقلاب الطقسي المناخي أو ما يعرف بالإعتدال الربيعي ..

– 2

إذن لفهم إشكالية تطوّر الوعي الميثولوجي في – ميزوبوتاميا – لابد من العودة الى بدايات تشكّلها ، ومن ثمّ مسألة الخلق والتكوين ، إلى الظلمات ولحظات الهيولى كما العماء حيث ـ آبسو ـ و ـ تامات ـ والتي أخذت مفاهيمها تتدرّج لتوصلنا الى بداياتها الأولى ، لحظة إكتشاف الكتابة فتتالت الرؤى بدءا من أسطورة الخلق السومرية والتي أضحت الأساس / الركيزة التي تمأسست عليها الملاحم والأساطير اللاحقة ، وهذا ما نلحظه أيضا في نمط الإحتفالات الرمزية / الطقسية والتي كانت ملازمة للإنقلابات الفصلية وخاصة احتفالات الربيع منذ فجر التاريخ / حضارة أريدو 5400 ق . م / حيث تعدّدت الأسماء ـ أكيتو ـ بالسومرية والأدق ـ أكيتو سنونم ـ وبالأكادية ـ ويش شاتين ـ وهو عيد رأس السنة لدى الأكاديين والبابليين والآشوريين من بعدهم حيث يبدأ في اليوم الأول من شهر نيسان لمدة 12 يوما ولم يكن الإحتفال يتمّ لمرّة واحدة في السنة أي رأس السنة فقط وإنما في الإعتدال الخريفي أيضا ، إلا أنّه وفي مطلع الألف الثاني ق .م / 1894 – 1535 ق . م  / زمن سلالة ـ حمو رابي ـ السادس من ملوكها ـ تمّ إلغاء الإحتفال بعيد ـ زاكموك ـ الخريفي وأبقي فقط على ال ـ أكيتو ـ وتم التوزيع الطقسي / الفصلي الملازم لدورة المناخ والمطر وتبدّلات درجة الحرارة ، ولعل المهرجانات التي كانت تقام ، تعود ببداياتها الى أوائل الألف الثالث قبل الميلاد حسب ما ورد في بعض من المدونات السومرية ، ومن أهمّ موجبات عيد أل ـ أكيتو ـ وتقاطعها مع ميثولوجيا نوروز والمتتاليات الرافدية هو الترحيب والإحتفال بالطبيعة وعودة الحياة واليناعة كما الخضار تجسيدا لعودة ـ دوموزي ـ الى الحياة ، ولتدرّج بانتصار الإله – مردوخ – أو ـ كاوى يي هسن كر – الكوردي على الآلهة أو الملوك التنينية – تيامات وأبسو وقيامهما بخلق وتنظيم الكون وهو رمز رائع لمقاومة أزلية مستدامة لقوى العدمية يقابلها كاوى وقتله لإزدهاك وأفعييه كرمز ل ـ ديو ـ المتكررة في متن مئات من القصص والأساطير الكردية وبالتالي إعادة صياغة كما وتتويج الملك الأرضي وتحديد صلاحياته وسلطته كما فعل ـ كاوى ـ في تقويم السلطة والقضاء على الظلم والإستبداد ، وقد تجسّد يوم الإعتدال الربيعي عند قدماء السومريين أيضا الذين كانوا من أوائل الشعوب المحتفلة به حيث تقول الأساطير السومرية : بأنّ – إينانا – السومرية إلهة الجمال المقابلة لعشتار البابلية إلهة الشهوة والحب لديهم قد اغترّت بنفسها وبقوّتها فذهبت للعالم السفلي – عالم الموت – الذي تحكمه اختها ـ أرشكيجال – أو – أونو نيننجال – للتغلب على الموت وعند ذهابها الى هناك فقدت جميع خصائصها وأسلحتها الإلهية ولم تعد قادرة على العودة ، حيث تغلّبت عليها أختها فانعدمت الشهوة عند الإنسان والحيوان ووقف التناسل وحسب الأسطورة البابلية بهت الشباب والجمال في العالم وحسب النسخة السومرية نرى تقاطعها مع هيبستوس القبيح ، وفي مدينة الوركاء تحديدا ابتهل الناس الى الإله ـ أنكي ـ السومري لإعادتها الى الحياة ، وحسب الأسطورة كانت عشتار مخطوبة ل ـ دوموزي ـ إله الخضرة ، قبل أنكي تضرّع الناس شريطة أن يكون هناك بديلا يموت عنها و .. يذهب الى العالم السفلي بدلا عنها ، فصعدت الى الأرض مع حرس من العالم السفلي لتختار واحدا فوجدت ـ تموز ـ بين الفتيات الجميلات لا يفتقدها لهذا اختارته ، وبموت ـ تموز ـ ماتت الخضرة على وجه الأرض فاستاء الناس وابتهلوا الى ـ أنكي ـ مع أم وأخت ـ تموز ـ التي تبرعت للنزول بدلا عنه الى العالم السفلي ، وبدأت عملية المبادلة ستة أشهر بستة أشهر ، وهو عملية الإنقلابين ، أو بداية السنة حسب التقويم السومري ، ولتتوضح رمزية الطقس والأسطورة السومريتين وركيزتها هذه ، فتصبح بذلك الفاتحة / النموذج وعلى هديها وبطرائقها تتم آليات الإحتفالات المتعددة والتي ـ طريقة هذه الإحتفالات ـ كانت تتم بأن يقوم الكاهن الأعظم بالصلاة الى إله النور / مردوخ / ويستمر العيد لعشرة أيام تتلى خلالها أسطورة ال ـ إينو ماليش ـ ويقدّم الملك تقدريرا عن انجازاته في السنة السابقة ، ومن ثمّ يذبح ثورا أبيضا رمزا للفحولة ويسيل دمه على الأرض ، ولعلنا نتلمس عدّة عادات منها مازالت تتقاطع مع هذه الحالة في العادات والتقاليد الكوردية وأولها ـ مثلا ـ ذبح الذبائح كقرابين وأضاحي وسيل دماءها ـ تحت قدمي العروسين أو الحجاج أو من تخطى أمرا صعبا ولربما فترة غياب طويلة ـ وثانيهما ليلة الحنة وتزيين إناءها بشموع مضاءة وبعدد يساوي واحدا وعشرين ، والأهم ـ برأيي ـ هي احتفالية الصباحية ـ خاصة في أعراس بوطان ـ وعندما يكون العريس قد فشل في ليلة الدخلة فيتوجه مع علية القوم والأصدقاء و ـ براظافا ـ الى البرية حيث تتم محاكمة الضيوف وعلية القوم وتفرض الجزية وغيرها من الممارسات التي تحاكي وبقايا الإينوماليش ، اما حالة التقاطع الأبرز مع آلية الرمز الطقسي وانقلاب المناخ ما تقوله الرواية الكردية ـ بأن – pîrê – اي العجوز تقوم في الصباح الباكر ومع شروق الشمس بتحضير ثورها ، ومن ثمّ تذبحه وتبدا بسلخه ومع ارتفاع الشمس تبدأ بالتعرق فتزحف بذبيحتها الى الفيء وهي تقول في سرّها لقد رحل البرد وحلّ الدفء ومعها حرارة مياه الآبار والينابيع وقد حان موعد ايقاظ ولدي ، فتهرع الى الداخل توقظه ، وتتلخص الحكاية بالمثل الدالّ على الإنقلاب الفصلي مقولة ـ بيري لاوكي خوه زه خو راكر ..pîrê lawkê xwe ji xewyê rakire  ـ . وبعد هذا الإيجاز وآلية تشكّل وتطوّر الوعي الميثولوجي ، من الضروري جدا المقاربة الزمنية للحدث ، اي التاريخ الكردي ـ وهنا مجازا سأساير الإتجاه القائل بأنه يبدأ من أول سنة نوروز ـ بالمفهوم القومي والذي لا يزال يتدرّج في منحاه ـ أقول ـ لابد من التطرّق الى تلك الحقبة في بعده التاريخي والآفاق التي كانت سائدة حبنها وبخارطتها الواقعية  آنذاك ، وهذه ستقودنا ببساطة الى مرحلة المدّ الآشوري القوي وصولا الى مرحلة الإمبراطورية بامتياز ، والذي واكب نموّه واتساعه كما وإخضاعه للشعوب فظائع كبيرة سواء في القتل أو التعذيب حتى الموت وكروايات كان بعض ملوكهم المشهورين يتباهون بها ، وقد أورد الدكتور أحمد خليل بعض الفقرات في واحدة من مقالاته القيمة وتتبعه لهذه المرحلة وذلك عن كتاب ـ … للباحث ألبرت كيرك كريسون بعنوان / الكتابات الملكية لآشور ناصر بال الثاني / ، / 884 – 859 قزم والذي يعدّ واحدا من أقوى ملوك آشور .. من الألقاب الملكية التي خصّ بها نفسه : / أنا آشور ناصر بال الأمير المطيع الذي يعبد الآلهة العظيمة ، أنا التنين الضاري ، غازي المدن والجبال كلّها ، ملك الملوك وفارض الحصار على المتعنت ، المتوّج بالبهاء ، والباسل في المعركة ، البطل الشامخ ، عديم الرحمة ، المثير للصراع .. / ويتابع في وصف ما يفعله بخصومه وهو في كلّ هذا يستند على المرجعية الإلهية ويؤكد عليها ، حينما دعاه آشور ربه باسمه و .. / .. جعل سيادتي مطلقة على ملوك الجهات الأربعة وجعل اسمي هو الأعلى ، وضع سلاحه الذي لا يعرف الرحمة في ذراعي الملكتين وأمرني بحزم بأن أحكم وأخضع وأدير المرتفعات الشامخة .. / ويستطرد في وصف غزواته المتكررة ومدى التقتيل والفظائع التي مارسها وكأنموذج ودائما مما أورده أ . د . أحمد خليل من الصفحة 27 من كتاب / الكتابات الملكية وتصويره لواحدة من غزواته الى منطقة نهر الخابور .. يقول .. / .. وبتأييد من آشور والإله أور ، الإلهين العظيمين اللذين جعلا سيادتي مطلقة ، حشدت عجلاتي وجندي وانطلقت الى نهر الخابور ..وجعلت أزي – ايلي حاكما يمثلني عليهم وجعلت كومة من الرؤوس أمام بوابته ، وسلخت جلود النبلاء الذين تمردوا علي ، ثمّ نشرت جلودهم على الكومة ، فبعضها في داخل الكومة ، وبعضها علقتها على أعواد مغروسة في الكومة ، وبعضها وضعته على أعمدة حول الكومة ، وأتيت بالعديد منهم الى بلادي فسلخت جلودهم هناك ونشرتها على الأسوار … / … وأمام هذه الوحشية الممارسة كان لابد من وجود سعي حثيث    للخلاص الجماعي من هيجان القتل والتعذيب الوحشي  هذه ، وأن تكون الأقاليم التابعة والمحيطة بنينوى   بالرغم من رعبها ولكنها أيضا تبحث وبجهود مضنية للتخلّص من هذا الكابوس ، ولعلها هي الفرصة التي أتيحت مع مقدم عصر الملك الميدي ـ كي خسرو 633 / 584 ق . م ـ ومن البديهي ان يختلف منطوق الإسم من لغة إلى أخرى مثلما سيتوضح معنا لاحقا ، ولعله من أهم مآثر هذا الملك وتقاطعات سماته الشخصية مع البطل الأسطوري كاوا هي التي رشحته أن يكون من أكثر الشخصيات الواقعية التي توسمت فيه صفات منجذ التغيير في نوروز وببعده القومي التحرري ، وأهم المنجزات التي قام بها في تحضيره لوثبته الموفقة في التخلص من امبراطورية السلخ والقتل الممنهجين ـ آنذاك ـ ودائما حسب رأي الدكتور أحمد خليل والذي أوجزها في عوامل ثلاثة كان أولها توحيد القبائل الميدية تحت لواء واحد وتنظيم الجيش والدفع باستقرار القبائل المرتحلةواختياره مدينة ـ إكباتانا ـ عاصمة له والخطوة الثانية كانت بوضعه حدّا للقبائل غير الجادة والتي قد تخون وتطعن من الخلف مثل قبيلة ـ السكيث ـ ومن أرضية الوفاق الميدي انطلق لمنجز لايقل أهميته عن ترتيب البي الداخلي ألا وهو تحالفه مع عيلام في الجنوب وبابل في الغرب وعزز تحالفه ـ ومن جديد استنادا الى أ . د . أحمد خليل ـ مع البابليين بالمصاهرة حيث زوج ابنته لإبن ـ نبو بولاصر ـ وزحف الحليفان الميدي والبابلي على نينوى حيث سقطت سنة 612 ق زم وانسحب الملك الآشوري الى حران حيث طاردوه وانزلت به الهزيمة الكاملة سنة 610 ق . م ولتتغير معها خارطة المنطقة وانقسمت حسب توصيف د . خليل / .. أصبح غربي آسيا مقسّما بين أربع دول كبرى ، هي الدولة الميدية والدولة البابلية الحديثة ودولة ليديا في آسية الصغرى والدولة المصرية زز ويقول هيرودوت في تاريخه مشيدا بانتصار الميد على الآشوريين ـ شقّ الميديون عليهم عصا الطاعة ، فحملوا السلاح في وجههم وقاتلوهم ونزعوا عن أعناقهم نير العبودية ، وباتوا أحرارا ، وكانت تلك مأثرة اقتدت منهم فيها أمم أخرى قيّض لها أن تستعيد استقلالها .. ـ / . ومن هنا ساد الرأي عند غالبية من بحثوا في هذا المجال والتقاطع الكبير في حالتي كي خسرو وكاوا ، فهاهو الكاتب سيامند ابراهيم وقد اتفق مع السياق الذي ذهب إليه الدكتور عبدالباسط سيدا / ..  بين سقوط نينوى الآشورية وعيد نوروز عندما انتصر عليهم الميديون والبابليون بقيادة الملك الميدي كي خسرو وحرق نينوى ..  . أما السيد مازن حداد فقد كان واضحا ، لابل ، وملخّصا لكلّ هذه الأفكار ففي مقدمة مقاله المنشور في موقع /  LEBANONDEBATE.COM / حيث يقول : .. / .. لأن الموضوع يهمني فأنا حداد ابن حداد ومهنة أجدادي الحدادة فقد بحثت عن أصل قصة نوروز وكاوا الحداد لغايتين .. إشباع فضولي وتعريف الأصدقاء بالمعاني الجميلة للنوروز .. / .. والتي يعتبرها .. / .. نوروز في ثقافة الأكراد هي مأثرة قومية ومعلم إنساني يجسّد شموخهم في وجه الظلم .. فزرادشت حين وحّد إلهي الخير والشر في شخصية الإله الواحد عبّر عن ذلك بإشعال النيران والميديين هم أوّل من استخدموا السهام النارية في حروبهم ضد الأعداء .. ويرمز للنار في اللغة الكوردية الى النشاط والحركة .. / .. وقد توفّق الكاتب قاسم مرزا الجندي أيضا في دراسته بمقارنته وحالة التقاطع التاريخوي الزمني او الإنقلاب الطقسي / المناخوي وبالتالي جدلية الزراعة والمطر والخصوبة إن للمزارع الفلاح أو الراعي وتلك العلاقة المناخوية والتشكّل الطبيعي منذ ان كانت الكرة الأرضية ككتلة منصهرة وبدايات انخفاض درجات الحرارة ومعها الحمم والمنصهرات التي توجّهت نحو التصلّب وبالتالي بداية نبوغ أو تشكّل عناصر المياه / .. الماء والهواء والنور والتراب .. / ـ سفر التكوين أيضا ـ وآلية تشكّل الهيولى في الظلمات ومن بعدها الحياة التي كانت في البدء في الماء ومنها انطلقت في عودة ذكية الى أسطورة الخلق أو التكوين الرافدية .. وقد توفّق السيد قاسم بربطه أيضا مسألة التقدم وتلك العلاقة الجدلية بين التحوّل الطقسي / المناخي ومعه الإنقلاب الفصلي لمجتمع زراعي / رعوي فكان تقاطع ـ سر صال ـ الإيزيدي مع نوروز ورأس السنة البابلية ت الإينوماليش ـ فتتقاطع كلّها ومفهوم أن يوم نوروز وكواحدة من تجلّياتها أيضا بأنّها تعتبر رأس السنة الشمسية والتي تتكوّن في الأصل من اثنتي عشر شهرا تبدأ من نيسان أو ـ نيشاني ـ . وقد قارب كتّاب آخرون في كتاباتهم عن نوروز والبعد الميثولوجي لها أو أقلّه بعض منها ولعل مقالة السيد أحمد زه ردشت في جريدة الإتحاد الصحيفة المركزية لحزب الإتحاد الوطني الكوردستاني قد صار في هذا المنحى أيضا وإن كان على استحياء حيث أوضح سياقية أحداث الأسطورة ومرحلتها التاريخية ومن ثمّ اكتشاف المعدن واعتمادهوبروز الحديد لتنتشر معها الحرف والمانفكتورات الصغيرة بدليل أن أحد شخوص الأسطورة هو هو ـ كاوا الحداد ـ . وفي مقالته المنشورة في الحوار المتمدن العدد 3853 تاريخ 13 – 9 – 2012 كان الكاتب السيد جمشيد ابراهيم أيضا موفقا في المطابقات اللغوية والمقترنة بالوقائع والحيثيات التي توحي وحقيقة انتماء كاوا وجذوره الكورديتين …

وفي عودة سريعة الى السيرة الشعبية لأسطورة كاوا الحداد بدءا من شاهنامة الفردوسي والذي يعتبر ـ كاوه آهنكر ـ من أهم شخصياتها حيث قتل ضحاك أولاده جميعا إلا واحدا ، وأخذ كاوا الحداد يدعو الناس الى الثورة وتبعه أناس كثيرون واتخذ كاوا الحداد قطعة جلد ورفعه على رأس عصا شبه علم فاجتمع الناي تحت رايته ونادوا بشعار فريدون واتبع الحداد فريدون حتى أسر فريدون الضحاك وقيده في مغارة على جبل دماوند ودفن كاوا في ايران ، أما السيرة الشعبية الكردية فتحكي عن ملك كان اسمه ـ أزدهاك ـ وكان شديد الظلم والعسف ، أصيب بمرض عضال عالجه ساحر حكيم وشفي منه وليبتلي بعدها بنمو ثعبانين ضخمين في جسده وأخذ الثعبانان ينموان فتقدّم الحكيم الشرير لمعالجته وأوصاه أن يقدّم للثعبانين ضحيتين آدميتين يوميا وتتعدّد الروايات بعدها لتتقاطع في أن الجلاّد كان يذبح واحدا ويطلق الآخر الى الجبال الى أن التحق بهم كاوا وهناك بدأ بتنظيم صفوفهم وتجهيز القوى خاصة وهو الحداد البارع ـ هناك مسرحية أعددتها في الثمانينات وهي تعالج هذا الجانب تحديدا وقد قدمتها كل من فرقة كاوا في نوروز دمشق 1983 باللغة العربية وفرقة خلات باللغة الكردية وترجمة وإخراج السيد المهندس احمد خليل ـ وأخذت الصفوف تتنظّم وتنضبط وكانت القوة على أهبة الإستعداد لتطيح بالملك الظالم أزدهاك وهذا ما تمّ في ليلة 20 – 21 – 3 من آذار مع تباشير الإنقلاب الطقسي المناخي أو ما يعرف بالإعتدال الربيعي ..

والسؤال الآن وماذا بعد هذا التكثيف المركّز ؟ .. وهنا وبالجواب على هذا السؤال وضمن سياقية المرحلة التاريخية وتطورات الجغرافية السياسية في المنطقة وبالتالي ظهور الحثيين لا كدولة / مملكة فحسب بقدر التحول الهائل الذي حدث في بنية المجتمع والدولة بطفرتها الكبيرة ، وذلك باكتشاف الحديد ودخوله بقوة في غالبية مجالات الحياة وبات المعدن الأهم ، ونظرا لما احدثته من طفرة داخل الإمبراطورية الحثية فقد ضمت الى أسرار المعبد وواحدة من اهم الأسرار المقدسة وحرمت دينيا بنقل أسرارها إلى الاغراب وحوطت بتعاويز ولعنات كثيرة وبهذه السياسة استطاعت ولأمد لابأس بها الحفاظ والإيتحواذ على سر المهنة ، ولعل هذا العامل كان من اهم اسباب طفرة القوة الحثية وبالتالي تمددها شرقا وغربا وجنوبا وباتت امبراطورية قوية وكذلك الإمبراطورية الاولى التي استحوذت على اسرار الصنعة ومن ثم امتلاك اسرار التحكم بالسلاح المعدني الجديد .. اجل ان غالبية المؤرخين يؤكدون على ريادة الحثيين كما وتطويبهم لمعدن الحديد ، وكذلك هناك سير واحاديث كما اقاصيص غنائية ارتبطت ب ( لاوكي متيني وكما غيرها من انماط للاوك فقد وجدت مراقد او رموز ودلالات لاتزال توحي الى ما أصبو إليه أي لاوكي مادني كما ذاته تلك الأغنية من مقام – لاوك – وقصة او سيرة ( لاوكي معدني ) الغنائية والتي تركز وفي صميميتها وتؤشر على المعدن وتحديدا الحديد ( hesin ) هذا من جهة وفي بقعة جغرافية كان المبتكرة إن في استخراج او استخدام فلزات الحديد وتطويبها ومن ثم طغيان اسمها على بقعة جغرافية واسعة – دشتا هسنا – ولتشمل بقعة جغرافية كبيرة من كردستان وفي الختام والأهم في هذه المسألة تقاطع امربن هامين في الحدث والبقعة الجغرافية وإن اختلفت الإسماء هيفستوس الإله الإبن لأبسو وتامات واللذين غضبا عليه فرموه من السماء الى الأرض ونظرا لسرعة الهبوط وارتطامه بقوة كبيرة على الارض وحيث ان جسمه كان من الحديد ومع اصطدامه العنيف وبقدم واحدة على الأرض فقد انحنت واحدة من قدميه والتوت وعليه فقد اخذ بعرج قليلا وتقول الأساطير بانه هبط في سهول كيليكية والتي لاتزال تحمل اسم ( دشتا هسنا لقسم كبير من بقاعها ..)