يعتبر شارع غازي من الشوارع التراثية و التجارية بل هو المركز الرئيسي لتجارة العراق ، وحيث ان احد فروع هذا الشارع المطل على سوق شورجة الكبير .. هذا السوق الذي كان يدار من قبل تجار الكورد الفيليين حتى مجيء الطاغية ” صدام حسين ” الذي قام باكبر جريمة بشرية و انسانية بشعة ” حملة تسفيرات الكورد الفيليين ” ، وقد جمع تجار هذا المكون العراقي الاصيل وامر سحب وثائقهم الرسمية ونقلهم ورميهم على الحدود العراقية والى ايران ، وتم الاستيلاء على متاجرهم و محلاتهم و بضائعهم وبيوتهم واموالهم .. وبدا التهميش و التخريب لهذا الشارع حتى يومنا هذا ، وعلى الرغم من كل المحاولات الاجرامية المستمرة ، بقي شارع غازي ولايزال موقعا تاريخيا ومهما للكورد الفيليين في العاصمة بغداد .. ويعتبر شارع غازي من المعالم الحضارية التي تزين تاريخ بغداد على ما يضم من اثار دينية و ثقافية و نضالية وقد سمي هذا الشارع بهذا الاسم تيمننا باسم الملك غازي ثاني الملوك الذين حكموا العراق بعد تشكيل الدولة العراقية في عام 1921 والذي هو والد الملك فيصل الثاني الذي قتل خلال اندلاع ثورة 14 تموز 1958 حيث تغير الاسم الى شارع ” الكفاح ” الا انه اعيد الى الاسم القديم اي ” شارع غازي ” في تسعينيات القرن الماضي بقرار من وزارة الثقافة و الاعلام .. ويبدا هذا الشارع من ساحة باب الاعظم وينتهي في ساحة التحرير او الباب الشرقي ويضم على جانبيه محلات الفضل وقنبرعلي و البوشبل وابوسيفين و ابو دودو والكولات و عكد الاكراد وباب الشيخ وفضوة عرب و القشل والفناهره التي سكنتها العوائل الكورد الفيلية و البغدادية ، ومنذ اقدم العصور ومن شخصياتها العلامة مصطفى جواد و عبد الكريم قاسم اضافة الى العديد من الكتاب و الفنانين و الرياضين و الممثلين ، كما يضم الشارع التاريخي مراقد متعددة للاولياء والصحابة و الصالحين مثل مرقد ” الشيخ عبد القادر الكيلاني ” والذي يكتظ بجموع الزائرين ليل نهار ليس من داخل العراق فحسب وانما من جميع الدول الاسلامية مثل الهند و الباكستان ومليزيا واندنوسيا لا بل ان هناك الكثير من الباحثين في شؤون الدين وقواعد وادب اللغة العربية و التاريخ يزورون ضريح هذا الصحابي الجليل للاطلاع و الاستفادة من الوثائق و الكتب النادرة في تفسير القران و السنه النبوية وفقه علوم اللغة العربية اللازمة لمصادر الشريعة ، وقد كان هذا الضريح ولا يزال وسيبقى رمزا لوحدة ابناء البلد ومن جميع المشارب و الالوان كما يضم هذا الشارع مرقد العبد الصالح ” قنبر ” وكذلك المساجد و الحسينيات التي بنيت بطراز معماري جميل مثل ” جامع الفضل و جامع الفقاني و جامع المصلوب ” و حسينية الحاج احمدي الذي تبرع بداره السكنية ، كما شهد هذا الشارع بناء اقدم المدارس مثل مدرسة المهدية التي بنيت في عام 1921 والتي درس فيها الزعيم الخالد ” عبد الكريم قاسم ” و كذلك مدرسة الكورد الفيلية الابتدائية في منطقة باب الشيخ والتي كانت دار سكنية كبيرة تعود الى الحاج ” نوخاس مراد – ملك شاهي ” حيث تبرع بها لتكون مدرسة ابتدائية تخرج منها الكثير من اصحاب المواهب العلمية .. والجدير بالذكر ان الحاج نوخاس مراد من كبار الشخصيات الفيلية المعروفة الذي ساهم في الكثير من المشاريع الخيرية وتقديم العون و المساعدة الى الفقراء و المعوزين رحمه الله و رحم كل الاخيار الذين عرفوا بتقديم الخدمة و المساعدة في بغداد وكل المدن العراقية.. كما اشتهر هذا الشارع بوجود مقاهي شعبية قديمة كانت تفتح ابوابها حتى ساعات متاخرة ن الليل مثل مقهى ” الحاج خداداد ” وهو ايضا من الشخصيات الفيلية المعروفة بالمساعدة و تقديم العون الى المحتاجين ومقهى ” ابو حرب ” ومقهى ” الطليعة ” حيث كانت هذه المقاهي اشبه بمنتديات ثقافية تشهد باستمرار مناقشات مختلفة حول القضايا السياسية التي كانت تدور رحاها في البلاد .. كما كانت تلك المقاهي مقرات لفرق رياضية شعبية كان لها الدور الكبير في رفد المنتخب الوطني لكرة القدم الذي كان يضم نجوم بارزين امثال جلال عبد الرحمن الفيليى – حامي الهدف – و المدافع علي كاظم و انور مراد ومحمود اسد و اخرون كثيرون من نجوم الكرة الفيليين وكانت تقيم مبارياتها على ملعب العوينه الشعبي .. واما من الجانب الوطني فان لهذا الشارع تراثه النضالي الخالد اذ لا زال التاريخ يحتفظ بالمواقف الوطنية التي انطلقت من هذا الشارع في مقاومة الانظمة الارهابية وفي مقدمتها الوقفة البطولية لابناء المكون الفيلي عندما تصدوا لدبابات الانقلابيين في الثامن من شباط وتحديدا في منطقة باب الشيخ هذا الموقف الذي جعل النظام القمعي ان يصب جام غصبه على ابناء المكون ويبدا بحملات ابعادهم من العراق منذ عام 1963 وحتى نهاية ثمانينيات القرن الماضي و الاستيلاء على اموالهم المنقولة وغير المنقولة بذريعة انهم ليسوا عراقيين ولا يملكون وثائق عراقية وهو مجرد كذبة ليس الا ، ومما يؤكد حقدهم على هذا المكون المسالم هو انه يوجد في العراق الكثير يعودون باصولهم الى دول اجنبية فلماذا لم يطرد منهم حتى ولو فردا واحدا ، وهذا دليل ثابت على على النهج العنصري و الطائفي للنظام … واما على الصعيد الاجتماعي فان المناطق السكنية لهذا الشارع ستبقى رمزا للتعايش القائم على المحبة وسلام و طمانينة والسبب يعود الى حسن الجوار و التمسك بالعادات و التقاليد الموروثة منذ اقدم الازمان . .
Related Posts
2 Comments on “شارع غازي مركزالكورد الفيليين ببغداد المهمش و المنسي – عبد الرسول علي المندلاوي ”
Comments are closed.
الاستاذ عبد الرسول المندلاوي
تحية واحترام ، موضوعك راقي وجميل جداً ، وفيه معلومات مهمة تخص تأريخ وجغرافية الكورد الفيلية ، بوركت جهودكم الخيرة وكل الحب والتقدير لهذا الطرح الثقافي الرائع ، تحياتي
الاستاذ العزيز كامل سلمان المحترم … شكرا على مرورك الرائع و العطر وشعوركم النبيل الذي يؤكد ايمانكم الصادق و المخلص لقضية شعبنا العادلة .. لكم خالص محبتي و تقديري .