منذ عقود عديدة، وأنا أطالع وأستغرب واتأمل كيفية حدوث الصدمة الكبرى للمملكة الساسانية(لشعوبنا الإيرانية الآرية) في النصف الأول من القرن السابع الميلادي!
حيث شككت دوما عملية الفتح العربي الإسلامي عن طريق عرب شبه الجزيرة العربية للمملكتين الساسانية والبيزنطية وفق الرواية الاسلامية التقليدية
” فيبدو أن العامل الحاسم المؤدي لبناء وتسمية النظام الاسلامي في رد على المسيحية المؤلهة البيزنطية كان انطلق من إيران وليس من شبه الجزيرة العربية”، لكن بداية، من المهم جدا توضيح بعض الأمور التالية:
– إن ناس الشرق الأوسط على الأقل حتى القرن التاسع الميلادي كانوا يعيشون في شبه الظلمات والبدواة من حيث شحة وسائل الانتاج والمواصلات والاتصالات والمأوى والملبس والتكنيك ومن قلة عدد السكان وكذلك من ضعف وبدائية وسائل التدوين والترجمة والتخزين للمعلومات وحمايتها، وهكذا حال الناس في القارات الأخرى ايضا ولو بنسب مختلفة وحتى الوصول الى عصر النهضة الأوربية ابتداءا من القرن السادس عشر بانطلاقة الإصلاح الديني البروتستانتي الجريء والذكي النسبي في ألمانيا وانتشار تأثيره في العديد من البلدان الاوروبية والأمريكية الأخرى وليبدأ التسارع التدريجي للتطور العلمي والاختراعي والتكنيكي والصناعي الكبير ومن ثم الانتقال وإنارة القارات الأخرى ايضا وبشكل هائل إلى الآن.
– في هذا الصدد، وبخصوص موضوعنا، يمكن القول بأنه حتى المملكتين الشهيرتين آنذاك الساسانية الزردشتية/لاحقا المانوية والمزدكية/ والرومانية-الاغريقية الهيلينية/قبل أن تصبح مسيحية في القرن الرابع الميلاد/ المتصارعتين حول مناطق النفوذ والضرائب والغنائم/ لم يكن صراعا دينيا بل اقتصاديا سياسيا/كانتا تعاني ايضا من ذلك التخلف المذكور ولو بدرجات متباينة طفيفة بالنسبة للمجتمعات الأخرى ولم تهتمان كثيرا بالعقائد السماوية في بلاد الشام كقلب تصورات تلك العقائد طيلة قرون عديدة بل ولم تهتم ادراتهما السياسية والعسكرية كثيرا حتى بعقائدهما الروحية، فهي كانت سلسة وبسيطة غير مؤدلجة سماويا إلاهيا وكذلك كانتا تتحاشيا الانتشار والاهتمام في وبالاقاليم الصحراوية القاحلة الرملية الجافة. إن صراعهما كان يدور بأسلحة وأدوات متقاربة بدائية وبغياب أسلحة نارية تطلق من بعد وقتها، فكان العامل الارادي والعددي هو الحاسم في المعركة والمبارزة. هاتان المملكتان المتناميتا الاطراف، الأولى، كامتداد للممالك الميدية الفارسية البارثية السابقة، كانت تمتد من حاجزي الهند والصين شرقا ومن الاقاليم التورانية شمال-شرقا وتتعرض حدودها هناك مرات عديدة خاصة لغزوات أولئك التورانيين ولكنهم كانو يفشلون/سميت وقتها بالحروب الايرانية-التورانية/ والى خطوط المواجهة مع الرومان في آسيا الصغرى وبلاد الشام غربا، وكذلك الثانية كانت تمتد على سواحل حوض البحر الأبيض المتوسط كاملة مع توغلها نسبيا في بعض الاقاليم الأوربية الأخرى شمالا وغربا ايضا ومع خط المواجهة مع الأولى شرقا، كانتا تعانيان كثيرا من قلة المقاتلين لتغطية حماية تلك الحدود والمساحات الشاسعة ولمستلزمات المواجهة مع بعضهما البعض، وهنا يبالغ كثيرا من يزعم بأنه كان هناك عشرات او مئات الآلاف من المقاتلين في ساحات معاركهما.
– في هذا الاطار ولكون الرومان كانوا متواجدين منذ أكثر من ثلاثة قرون في بلاد الشام ومصر وشمال أفريقيا ولكون الديانة المسيحية النصرانية السماوية تعززت وتوسعت على حساب اليهودية السماوية الاولى هناك بين سكان الأصليين والذين كانوا مشحونيين ومتحمسين للجهاد /منه جاء لاحقا إلى الاسلام ايضا/ والتضحية الوفيرة من أجل عقائدهم وتصوراتهم الالهية السماوية ضد الغير، وجدت الإدارة الرومانية/عهد قسطينطين/ في بحر القرن الرابع الميلادي من الحنكة والدهاء أن تتقرب إلى تلك العقيدة بل وتعلنها ديانة رسمية لمجتمعها على مبدأ الناس على دين ملوكهم وقتها، وذلك لتحميس شعبها الروماني ضد الاوربيين شمالا وغربا من جهة وكذلك لكسب سكان مناطق نفوذها الشرق أوسطيين المتحمسين للجهاد وزجهم في خطوط المواجهة مع الساسانيين شرقا، هكذا فقد تهيئ لهم عاملي العدد والإرادة معا وبالتالي نجحو كثيرا في توسيع الفتوحات شمالا وغربا داخل أوربا وكذلك قهقروا الساسانيين إلى ما وراء نهري الدجلة والفرات شرقا من جهة ثانية. يجدر الإشارة هنا، بأن الإدارة الرومانية، ولجني هذا الناتج المثمر اكثر، أججت وعززت لاحقا المذهب المسيحي الداعي إلى ألوهية عيسى/عليه السلام/ والثالوث المقدس بشكل مفرط، وذلك لتحميس وتجهيد المقاتلين بدرجة أكثر وأكثر وكذلك إلى زيادة نشره بشكل أوسع وغالبا بالعنف والحرب ضد الغير وحتى ملاحقة النصارى المنتقدين لتلك الألوهية وهروبهم إلى الساسانيين. هنا بدأ الصراع النصراني-الروماني المسيحي ثانية، أي هي كانت المسحنة، مثلها كمثل اليهودية العنفية(الهودنة) ضد الغير ما قبل السلوقية والمسيحية، وكالإسلام العنيف(الأسلمة) ضد الغير منذ اوخر القرن الثامن الميلادي.
– في النصف الثاني من القرن الخامس تقسمت الإمبراطورية الرومانية الى الغربية والى الشرقية البيزنطية وذلك لأسباب مذهبية واقتصادية وسياسية سلطوية وفي هذا السياق يمكن ملاحظة اتساع مذهب ألوهية المسيح وقتها في المناطق ألأوروبية الرومانية أكثر بكثير منها في الشرق الأوسط وذلك لأن دور اليهود النصرانيين هنا والذين قدروا عيسى(وليس بقية اليهود الربانيون الذين نبذوه مع أنهم كانو بدورهم ايضا وبشكل أشد ضد البيزنطيين) في الشرق الأوسط كان كبيرا في توعية نصارى بلاد الشام وغرب بلاد الرافدين تدريجيا في المراحل اللاحقة ضد ذلك المذهب الألوهي الشركي المفرط، وقد أعادو نشر مقتطفات توراتية ومانوية مع إضافة سور كتابية عبرية- سريانية مختصرة جديدة ومترجمة للعربية هذه المرة ايضا تدعو عرب الغساسنة والانباط والمناذرة هناك إلى اعتبار عيسى ابن مريم عبد ورسول الله وليس مشاركا ألوهويا، وكذلك لحضهم على تحرير القدس من نفوذ مسيحية بيزنطى المؤلهة ومن احتلالها.
– بدءا من أواخر القرن السادس الميلادي أصبحت بيزنطى تتعرض بشكل متزايد إلى اغارات الآفاريين والسلافيين من الشمال وبدا الاهتمام والقوى البيزنطية تتوزع وكذلك أزدادت الصراعات الداخلية وتتفاقم لديها أيضا …وباختصار شديد لتبدأ وقتها مرحلة مثيرة للغاية في بداية القرن السابع الميلادي وذلك بعودة الساسانيين لانتهاز الفرصة الموآتية في عهد الملك خسرو برويز الثاني للإغارة على مناطق نفوذ بيزنطى في آسيا الصغرى وبلاد الشام وليتوغلوا حتى إلى القدس الحالية وبمباركة اليهود ايضا ومن ثم يقال قد جلبوا حتى صليب المصلب من هناك إلى بلادهم.
– بعد حوالي عقد من الزمن لهذا الحدث الكبير يتم لاحقا تقليد القائد البيزنطي هرقل للسلطة هناك وليبدأ من جديد بدغدغة وتحميس مشاعر المسيحيين والنصارى بشكل عام وأكثر في المنطقة ضد الساسانيين الزردشتيين( الوثنيين حسب وصفهم) المحتلين لأورشليم مهد عيسى ومقدساتهم. فقد استطاعوا خلال سنوات معدودة بحشد الكثير من سكان النصارى في بلاد الشام وغرب الرافدين وضمنهم الانباط والغساسنة والمناذرة العرب النسطوريين معهم ضد الساسانيين المحتلين للمقدسات النصرانية المسيحية هناك/ بعد أن أستمالوا في المرحلة الأولى بعض الارمن والتورانيين هذه المرة من مناطق قفقاس إلى جانبهم ضد الساسانيين وتخليصها منهم ومن ثم يقال بأن أولئك التورانيين قد أجبرو بعد ذلك على الرحيل من هناك والرجوع إلى ديارهم/ ولتتمكن القوات البيزنطية في المرحلة الثانية وتحت أمرتها نصارى بلاد الشام وعرب الغساسنة وقسم كبير من المناذزة النسطوريين القيام بهجوم واسع وشديد على القوات الساسانية وليبدأ الحدث الدرامي الهائل والذي سييؤدي لاحقا إلى قلب الموازين والأنظمة التقليدية الطويلة وذلك انطلاقا من عام الانتصار ٦٢٢ على الساسانيين والتوغل بشكل متتالي داخل أرجاء مناطقهم وأقاليمهم وليرحب بهم ايضا وقتها النصارى النسطوريين الملتجئين او المسبين مسبقا في إيران، هكذا ولتبدأ مرحلة مثيرة جدا في المنطقة:
“أيد المؤرخ عالم الأديان الالماني كارل هاينتس اوهليغ الفرضية القائلة بأن التقويم الإسلامي، الذي تم إثباته في أواخر القرن السابع، لم يكن مبنيًا على الهجرة، بل يشير إلى بداية الحملة التي قام بها الإمبراطور الروماني الشرقي هرقل ضد الإمبراطورية الساسانية عام 622. في هذه المعركة لعبت القوات المساعدة العربية المسيحية إلى جانب هرقل دورًا مهمًا في الانتصار على المملكة الساسانية، وكشكر لذلك، سمحت للعرب المسيحيين بتأسيس دولة فيدرالية وقتها. فالتقويم الإسلامي يشير في الواقع إلى بداية تأسيس إمبراطوريتهم من قبل العرب المسيحيين، الذين حققوا بعد ذلك الاستقلال الكامل”.
هنا يبدو واضحا بأن هذا العالم والمؤرخ الديني يذكر اسم المسيحيين العرب تحت ادارة القوات البيزنطية وليس المسلمين العرب!
– في ذلك الوضع الجديد وحتى موت هرقل حوالي ٦٤٠ تكاثرت إغارات الافاريين والسلاف من الشمال على بلاد البيزنطيين مما حدا بهم أن يخففوا من عدد جنودهم في بلاد الشام وبلاد الرافدين ومصر وبعض مناطق شمال أفريقيا مع الابقاء على بعض الحاميات والادارات المحدودة لتحصيل الجباية والإمدادت اللوجستية اللازمة من هناك إلى الدولة البيزنطية المركزية، أي وخلال تلك المرحلة نشأ فراغ بشبه غياب بيزنطي ولينشب بداية بعض صراعات قبلية مناطقية بين نصارى بلاد الشام والعراق وايران إلى أن تمكنت قوات مؤلفة من النصارى النسطوريين والساسانيين الذين تنصروا ايضا هذه المرة قادمة من ايران بالسيطرة على زمام الأمور وإجبار تلك الحاميات البيزنطية على الانسحاب وبسط سلطتهم من إيران والى مصر وشمال أفريقيا خلال سنوات معدودة بسهولة، وذلك لأن أغلبية سكان هذه البلدان رحبوا بخروج البيزنطيين وقدوم السلطات الجديدة فهم كانوا نصارى نسطوريين ويعاقبة وآريوسيين ويهود نصرانيين المناههضين للمذهب البيزنطي المسيحي المؤله لعيسى بن مريم وللاحتلال البيزنطي، هنا بدأ الساسانيون ايضا باستغلال العامل الديني النصراني ضد بقايا بيزنطى في المنطقة.
– في تلك المرحلة سادت النصرانية الشرق أوسطية حتى اواسط وأواخر القرن الثامن في تلك المنطقة الشاسعة/حيث يرجح العديد من الباحثين والمؤ رخين الموضوعيين المعاصرين وفق دلائل مخطوطاتية ونقوش وآثار… بذلك/ مع بروز خلافات مذهبية وسلطوية متنوعة أنتجت قوى غالبة بقيادة ابو مسلم الخورساني وغيره لتنطلق من إيران مجددا ولتبسط بالعنف سلطتها تدريجيا إلى كامل المنطقة ولكن هذه المرة باسم المعتقد الاسلامي(الأقرب إلى التصورات اليهودية النصرانية والمانوية) وذلك لتزايد تعقيدات الفرق والمذاهب النصرانية وبالتالي للتخلص من تلك التسمية المسببة منذ عقود لتلك التعقيدات الايديولوجية الدينية، هكذا وليتم اختيار منطقة محايدة للتسمية الجديدة وللتقديس/مكة بوجود كعبتها/ ولابعاد شبهات الخدعة عنها وليتم تقبل الناس بشكل متزايد بها. هنا يذكر العلامة الشهير المرحوم د. سعيد رمضان البوطي في كتابه ربما للسنة الثانية في الجامعة-قسم الشريعة بما معناه أحد الأسباب الرئيسية لاختيار مناطق مكة والمدينة كمناطق محايدة بعيدة عن صراعات الإمبراطوريات التوسعية المصلحية.
هكذا باختصار شديد وليتم بناء النظام الاسلامي وليمر المسلمون في مراحل متتالية لاحقا، ولا أرغب هنا في عرض التفاصيل الواسعة المتشعبة الأخرى، فما يهمني كوجهة نظر مختصرة هو البحث الطويل عن كيفية التوغل البيزنطي الأخير الساحق في ٦٢٢ ميلادي في بلاد الساسانيين وعن ظروف تحول غالبيتهم اولا إلى النصرانية المناوئة للمسيحية البيزنطية المؤلهة ومن ثم أخيرا إلى الاسلام.
تحية طيبة ,
إنها بادرة وإلتفاتة جيدة نحو التاريخ الكوردي الحقيقي, لكن مع الأسف يبدو أنكم في الإتجاه المعاكس للحقيقة
أولاً ليس هناك دين زردشتي هو الدين المزداسني سمي بالزرادشتي بعد الإسلام, المانوية مذهب مزداسني (زردشتي) منشق ضد الساسان وقضي عليهم نهائياً في أٌقل من 30 عاماً, المزدكية مذهب إقتصادي إشتراكيعاش أٌل من 25 عاماً كلها تسميات وإنشقاقات في الدولة الساسانية بعد سقوط الساسان كُفّرت المزداسنية وتشعبت التسميات وروج المسلمون الأعداء للأسماء الفارسية كلها وكلها إعتبرت كفراً ………………………….. أنتم حتى اليوم تفضلون تركيا على إيران الساسانية وأنتم ساسان شئتم أم أبيتم, والتحول الساساني لم يحدث بغير السيف البتار وبمساعدة الروم وجميع المسيحيين , حتى بعد سقوطهم إستمرّت الثورات العارمة بدون توقف حتى النهاية وهم الذين إستقدموا هولاكو للقضاء على العرب المسلمين
شكرا للتعليق، لكن الزردشتية كانت موجودة بالفعل منذ ميديا وحتى المرحلة الساسانية وخلاها تفرعت منها المانوية وكذلك المزدكية.
نحن الكورد والفرس والبلوش من أحفاد الساسانيين هذه حقيقة، ولا أفضل تركيا على إيران مطلقا!
نعم عندما نساوي بينهما , هذه جريمة, وإن كان حكامها قد حُقنت أدمغتهم بمادة السم فلا يُحاربون إلا ذويهم ولا يُناصرون إلا أعداءَهم , هم كالكورد تماماً ومن نفس الطينة والعنصر والدماغ واحد, فعلاً المستقبل مشؤوم ولا سبيل للتغيير
بالضبط كما تفضلت وأنا أ}كد ذلك في كتاباتي زرادشت لم يصنع ديناً بل دوَّن الدين المزداسني فنسب إليه وهو الدين الرسمي للدولة الإيرانية لأربعة عصور , أما المانوية والمزدكية فهي مذاهب إنشقت عنها وقضي عليها في مدة قصيرة