مساوئ السياسة الاقتصادية المتبعة في كوردستان-  الجزء الثالث – القوانين-الدكتور عبدالعزيز رشيد- حاتم خاني

جامعة بوليتكنيك – دهوك –

هل امتلاك المسؤولين للشركات الخاصة حالة غير صحية في اقليم مثل اقليم كوردستان ؟

وهل من الخطأ حقا ان يمارس المسؤولين في الدولة لاعمالهم التجارية الى جانب مسؤولياتهم الحكومية ؟

الم يكن الرؤساء الاميركيون ولازالوا هم اصحاب شركات واملاك كبرى !

ونفس الامر بالنسبة لبقية مسؤولي الادارة الاميركية , ونحن نرى بالمقابل ان الاقتصاد الاميركي يتربع على عرش افضل الاقتصاديات في العالم .
من جهة اخرى اليس الاقتصاد الصيني مغاير تماما لمسار الاقتصاد الاميركي و هو الاخر يتبوأ المكانة المنافسة للاميركان

ولكن …. !!!!!  …. المسؤول الاميركي يخضع لقوانين صارمة جدا اثناء توليه المسؤولية , حتى لا يمارس اعماله الخاصة على حساب مسؤولياته الحكومية ولا يخلط بين تلك المسؤوليات وبين اعماله ( السابقة )  , وكمثال قريب جدا الينا هو المحاكمة التي تعرض لها ابن الرئيس الاميركي الحالي بايدن , فقد استدعت المحكمة ابن الرئيس بايدن بتهمة ( شبهة ) استغلال منصب والده للحصول على صفقات تجارية

كذلك نحن نعلم ان معظم الرؤساء الاميركيين ومعظم منتسبي ادارته هم اصحاب املاك ومشاريع وهم اغنياء قبل توليهم مسؤولياتهم الحكومية , بينما معظم مسؤولينا اصبحوا اغنياء بعد توليهم مناصبهم .!!

هذه التساؤلات  المتناقضة تؤدي الى اختلاط القناعات لمن يحاول البحث عن حلول للوضع الاقتصادي الراهن في كوردستان .

فالاقتصاديات العالمية مبنية بالدرجة الاساس على نشوء الشركات الخاصة التي تسعى الى المنافسة فيما بينها لتقديم منتجات تحضى برضا المستهلك لزيادة مبيعاتها وبالتالي الحصول على ارباح اعلى .
والمستشارون الاقتصاديون الذين يقدمون خدماتهم الى حكومة كوردستان محقون في توجهاتهم ومساعيهم لكي تسير حكومة الاقليم على نفس السياسات الاقتصادية العالمية الناجحة .

لكن المشكلة في التطبيق وفي الاهداف الرئيسية وعدم وجود قوانين او تعليمات تحدد تطلعات هذه الشركات التي صدعت رؤوس المواطنين , وولدت لديهم قناعة تامة بأن دور هذه الشركات يكاد لا يختلف عن دور تركيا وايران الساعيتان لهدم المجتمع الكوردستاني . وقد سبق ان اشرنا ان جل الاسباب الرئيسية تتركز في البنى التي بنيت عليها هذه الشركات حيث :

اولا : ان هذه الشركات لا تتبع ايا من المقاييس والنظم التي تتحكم بالشركات المماثلة في دول العالم الاخرى , حيث ان معظم هذه الشركات تعامل المواطن الكوردستاني من حيث الواجبات المفروضة عليه,  كأنها تمارس اعمالها في دولة اوروبية , بينما تعامله من حيث حقوقه وكأنها تمارس اعمالها في دولة فقيرة مثل دولنا .

ثانيا : القوانين المحلية التي تضبط عمل هذه الشركات قوانين فضفاضة  اعدت لتلبي مصالح اصحاب هذه الشركات اولا  ولا تلزمها بالمعايير التي تصب في مصلحة البلد , وهي بعيدة عن تقديم  الخدمات الاساسية المطلوبة ويأتي المواطن اخيرا ضمن سلسلة  الاهداف التي يسعى اليها واضعوا هذه القوانين  . وللاستدلال على ذلك , فأن معظم الشركات التي تستثمر في بناء الشقق السكنية حيث حصلت على الاراضي المطلوبة للبناء مجانا , خالية من جميع الخدمات التي يجب ان توفرها لسكان مشاريعها , وحتى لو انبرى احد المهندسين من الدوائر المعنية مثل دائرة الاستثمار او دوائر البلدية للضغط على اصحاب هذه الشركات من اجل الالتزام بالشروط التي تفرض عليها توفير كافة الخدمات من حدائق ومدارس ودور حضانة او دور عبادة او مستوصفات او……  حيث تنص عليها العقود المبرمة بين تلك الدوائر وبين تلك الشركات التي تم التوقيع عليها , فأن ذلك المهندس سيتعرض الى التوبيخ او النقل من قبل رؤساءه او على الاقل الى الاهمال المتعمد وابعاده عن تلك المشاريع . ومثل ذلك , فان احدى الشركات الكبرى المعروفة في دهوك سعت الى البناء في منطقة تقاطع للشوارع الرئيسية للحصول على محلات تقوم باستئجارها , ولان ذلك سيؤثر على هذا التقاطع , ولان البلدية اصلا تستقطع مساحة من كل صاحب ملك يسعى الى الهدم والبناء من جديد في اي مكان مطل على الشوارع , لذلك لاحظنا توقف تلك الشركة الكبرى عن البناء عدة مرات تستغرق اشهرا في بعضها ثم تعود مرة اخرى لاستكمال ما بدأته , وفي النهاية انتصرت الشركة وضربت عرض الحائط كل التعليمات وكل اللوائح التي تمنع البناء في مثل هذه التقاطعات . واستسلمت الدوائر المعنية التي لم تتمكن من ثني تلك الشركة عن البناء في تلك المساحة الخدمية , ومثلها العشرات من الحالات التي رأيناها .

ثالثا : على المدى القريب لا يمكن اصلاح عمل هذه الشركات وذلك للتهاون والتساهل الواضح من قبل الاجهزة التي يجب ان تتولى الرقابة على عمل هذه الشركات مثل ما اشرنا اليه في النقطة السابقة , وهذا الاسلوب في التعامل مع هذه الشركات سيستمر نتيجة البنية العشائرية التي تتحكم في العلاقات الاجتماعية , وكذلك نتيجة سعي الاحزاب للابقاء والاحتفاظ بهذه البنية العشائرية التي تستخدمها عند الحاجة اليها ولا سيما اثناء الدعاية الانتخابية وعند اضطرارها لحل المنازعات العشائرية والقروية وهذا يعني استمرار معاناة مواطني الاقليم من مساوئ هذه الشركات لاجل غير معلوم .

رابعا : الارباح الكبيرة جدا التي تجنيها هذه الشركات لا تتناسب مع الاسعار او الاجور المحلية او مع مثيلاتها المجاورة .

ولبيان هذا الامر نضرب الامثلة التالية:

اجور مبيت ليلة واحدة في غرفة انعاش مستشفى اهلي يتجاوز 750000 سبعمائة وخمسون الف دينار عراقي وهي اجور اعلى بكثير من العديد من البلدان المجاورة او حتى في البلدان التي تتمتع بطب متقدم جدا مثل الهند حيث اجور مبيت ليلة في غرفة الانعاش مئة دولار , واجور اجراء  عملية مثل عملية قسطرة القلب بنصف الاجور التي يتقاضاها الطبيب هنا في كوردستان على الرغم من الـتأكيدات المضمونة التي توفرها مستشفيات الهند بالنسبة للمريض والتي لا يمكن ان تحصل عليها هنا , وهذه الاجور لا تتناسب ايضا مع الخدمات الرديئة والضعيفة جدا التي تقدمها هذه المستشفيات سواء من قبل الاطباء او كادر المستشفى او توفير العلاجات والادوية الباهضة الثمن في مؤسسات تلك المستشفيات , وقد تحول الهدف الاساسي لهذه المستشفيات الى استنزاف اموال المواطنين وليس تقديم خدمة مناسبة للمواطنين والمساهمة في تطوير الحقل الطبي في المجتمع .

ومثال آخر , يكلف بناء الشقة التي تقوم بها الشركات الاستثمارية ,مبلغا لا يتجاوز الثلاثين مليونا  في حين يتم بيعها للمواطنين بمبالغ خيالية تتجاوز 120000 مئة وعشرين مليونا  وقد وصلت احيانا الى 180000 مئة وثمانين مليون دينار عراقي ,علما ان هذه الشركات تستوفي اجور تكلفة هذه الشقق في بداية البيع على شكل اقساط اولية ( المقدمة ) ,  وحتى بعد اشتداد المنافسة بين هذه الشركات فان الاسعار لا تتناسب مع تلك الاسعار العالمية , عدا دول الخليج .

ولو قارنا عمل الشركات الحالية مع ما كانت تقدمه المؤسسات الحكومية او المقاولين الصغار سابقا للاحظنا تراجعا هائلا في غير صالح المواطنين عكس ما هو مطلوب وعكس سير الامور في البلدان المتقدمة تماما , ففي حين كانت الخدمات التي تقدمها كوادر المستشفى الحكومي ومع قلة وجود هذه الكوادر وضئالة خبرتها في اعوام التسعينات ولحين ظهور المستشفيات الخاصة , افضل حتى من مثيلاتها في تركيا وايران بدليل اننا كنا نشاهد زيارة العديد من المواطنين من تلك البلدان لمستشفياتنا الحكومية في تلك الفترة لتلقي العلاج , تراجعت هذه الخدمات بعد انتشار المستشفيات الاهلية لتتأخر كثيرا عن تلك الموجودة في البلدان المجاورة باشواط كبيرة .واصبح الموظف يعمل في المستشفى الحكومي مهملا في واجباته حيث يترك المرضى ليذهب الى النوم لان لديه عمل اخر في مستشفى اهلي  , ومع ذلك لا زالت الخدمة الموجودة في المستشفيات الحكومية ولا زال التعامل الموجود بين المرضى وكادر هذه المستشفيات لا يقارن ابدا مع المعاملة الجافة التي تبدر من كوادر المستشفيات الاهلية وعدم خبرتها وقلة ممارستها لمهنتها .

وعلى نفس المنوال كان المقاولون الصغار يبيعون الدور والشقق التي يقومون ببناءها باسعار لا تتجاوز ربع اسعار الشركات الاستثمارية الحالية مع جودة اكبر ونوعية افضل بكثير مما معروف عنها حاليا .

اذن هل علينا ان نتقبل هذه المساوئ من قبل هذه الشركات بذريعة الحصول على اقتصاد متطور في المستقبل ؟

سنحاول الاجابة على هذا السؤال في الجزء التالي

 

 

  • الدكتور عبدالعزيز رشيد
  • حاتم خاني

جامعة بوليتكنيك – دهوك