كنیڤستا – السوید
١٠ نیسان ٢٠١٧
من المعروف فی علم الصحة النفسیة أن الفرد لا یستطیع الإعتماد علی نفسه قبل بلوغ سن الرشد، وذلك لعدم تكامل أعضائه أو نضوج دماغه قبل ذلك. ولایمكن للفرد الحصول علی الثقة بالنفس قبل أن یتعرف علی ذاته، أی أن یعرف قابلیاته ونقاط ضعفه. وأما كیفیة تعرف الفرد علی ذاته فیعتمد علی نشوء الإنسان وتطوره منذ الطفولة المبكرة حتی بلوغ سن الرشد (١)*.
إذا طبقنا هذا النموذج علی الصحة النفسی-إجتماعیة، أی تفسیر التكوین الإجتماعی السلیم من خلال نموذج الصحة النفسیة للفرد، نستطیع تمثیل الشعب بجسم الفرد وقیادة الشعب بدماغه. فالشعب یتكون من الأفراد والجماعات قبل أن یتبلور لأخذ الخصائص التی تعطیه صفة الشعب. هذه الأفراد والجماعات هی بمثابة الخلایا و الأعضاء الغیر متكاملة فی جسم الفرد خلال مرحلة الطفولة. وخلال مراحل تكون الشعب تمر الأفراد والجماعات فی عملیة نضوج من حالة الجهل والتأخر والأمیة إلی الوعی والتطور والتمدن لكی تصل تدریجیا” إلی النضوج النفسی-إجتماعی أی معرفة وإستیعاب مكوناته الإجتماعیة و تمییز حقوقه وواجباته ونمو الشعور بالمسۆلیة تجاهها. حینذاك ینشأ التنسیق بین جمیع المكونات الإجتماعیة ویۆدی التعایش بین هذه المكونات إلی تألیف الأركان والمقومات الأساسیة لتكوین الشعب (٢)*. ومن ضمن تلك المقومات هی نضوج نخبة الشباب المثقف الواعی للقیام بالثورة ضد التخلف والفساد لوضع البرامج الستراتیجیة لقیادة الشعب بتنفیذ مصالحه و تقدیم الخدمات له علی أكمل وجه (راجع سلسلة مقالاتنا حول ثورة الشباب٣-٦)*. تعادل عملیة النضوج الإجتماعی هذه عملیة نضوج خلایا الدماغ لدی الفرد ونشوء شبكات الإرتباط فی دماغ الفرد لتشكیل المراكز المختلفة فیه. إذا” قیادة الشعب الناضج تتكون من النخبة الثقافیة المناضلة من أبنائه تلهمه القوة والإرادة لوضع البرامج والمناهج الستراتیجیة الضروریة لتنفیذ إدارة الشعب. وكلما زاد تلاحم القیادة بالشعب تزداد معرفة القیادة بطاقات الشعب وتستوعب نقاط الضعف فیه. بهذا تتولد الثقة بین الشعب والقیادة كلما زاد هذا التلاحم الإیجابی بینهما. فمعرفة القیادة برغبات وطموح الشعب هی التی تعطی الصلاحیة والتخویل من الشعب للقیادة لوضع البرامج والستراتیجیات المناسبة لتحقیق الأهداف التی تتفق مع مصلحة الشعب.
عندما یضعف التنسیق بین نمو أعضاء الجسم و الدماغ لدی الفرد، كما یحدث عند تعاطی الأدویة والعقاقیر المۆثرة فی الدماغ علی سبیل المثال، لایستفید الجسم من وظائف الدماغ بصورة سلیمة بل قد یۆدی عدم التنسیق فی بعض الأحیان إلی كوارث فی الأعضاء المختلفة لجسم الفرد مما قد یۆدی إلی هلاكه (٧)*. بعملیة مشابهة تستطییع التداخلات الأجنبیة فی قیادات الشعب أن تۆدی إلی إضعاف التنسیق بین القیادة والشعب مما یۆدی إلی إبتعاد القیادة عن طموح وإرادة الشعب وذلك بتفضیله شروط الجهات الخارجیة التی تراعی مصالحها فتنعدم الثقة بین الشعب والقیادة تدریجیا” وقد یصل الأمر إلی الكوارث التی كثیرا” ما حصلت فی التأریخ القدیم والحدیث لكردستان فأصیب الشعب بالمآسی عندما إبتعدت القیادة عنه تحت تأثیر العوامل الخارجیة.
مساحة كردستان الشاسعة و وقوعها تحت سلطة الإحتلال من قبل ثلاث قومیات كبیرة عبر أجیال عدیدة جعل الشعب فی كردستان یعانی من بطء فی التطور الإجتماعی الطبیعی مع تكوین قیادات متعددة تحت تأثیر الإحتلال فی أماكن وأوقات مختلفة (٨)* مما جعل التنسیق فیما بین تلك القیادات صعبا” فی الوقت الذی كان الشعب بعیدا” عن فهمها ودعمها لها. لذلك أصیبت القیادات واحدة تلو الأخری بالنكسات وجلبت للشعب الكوارث والنكبات بدلا” من تحقیق الآمال والرغبات.
عندما تكون أقلیم كردستان العراق بمساعدة القوی الأجنبیة نتیجة إسقاطها لنظام صدام حسین فی العراق أصبحت القیادة فی كردستان العراق تحت تأثیر تلك القوی المنتصرة، مما أدی إلی إستیرادها لوسائل القیادة والإدارة وفق تعلیمات ومصالح تلك القوی التی كثیرا ما كانت بعیدة عن طموح وإرادة شعب كردستان، الأمر الذی أدی فی كثیر من الأحیان إلی تضارب مصالح القیادات الحزبیة المختلفة لإرتباطها مع مصالح القوی الخارجیة وعدم قابلیتها علی التنسیق فیما بینها. وفی نفس الوقت حصل مایسمی بالتحول الإجتماعی السریع فی المجتمع نتیجة لإنفتاح الجتمع علی الخارج المتمدن (٩)* فأصبح التنسیق بین القیادة والشعب یعانی من الضعف هذه المرة أیضا” بسبب قفزات التطور المدنی السریع فی المجتمع دون أن تستطیع قیادة الشعب أن تلتحق به.
بعد ظهور “داعش” فی سوریا والعراق، ومن ثم تكوینها لأطول جبهة حربیة لها ضد كردستان، جلبت الحرب العالمیة المرافقة لذلك ظروفا” جدیدة تنبأت بإعادة رسم الخریطة السیاسیة فی المنطقة لصالح شعب كردستان، الأمر الذی ولد أملا لدی شعب كردستان بتقریر مصیره بنفسه (١٠)*. یبدو أن هذا الجسم الذی یمثل شعب كردستان بدأ یفرز تدریجیا” دماغا” لقیادته یمیل تدریجیا” نحو التنسیق رغم التأثیرات السلبیة للحرب. تعدد الخلایا والمراكز فی هذا الدماغ متمثلة فی تعدد أحزاب وقیادات هذا الشعب لیست بالضرورة عاملا” سلبیا” بل قد یكون من مقومات النجاح لتحقیق الهدف إذا أصبح التنسیق متكاملا” بین هذه القیادات و متلاحما” مع الشعب. هنالك علامات إیجابیة تبعث بالتفاۆل فی هذا الإتجاه تتمثل فی إحتواء أحداث الإقتتال بین مسلحی القیادات المتنافسة بدلا” من إنجرار هذه القیادات إلی الأقتتال الداخلی كما كان یحصل سابقا”. كلما تكامل التنسیق بین المراكز القیادیة المختلفة یزداد تلاحمها مع الشعب فتتعزز الثقة بالنفس ویزداد الإعتماد علی الذات ویتم تفضیل إرادة الشعب ومصالحه علی مصالح وتعلیمات القوی الخارجیة. وهذا كفیل بتوحید أرض وشعب وقوی كردستان لتحقیق الأهداف التی هو أهل لها.
*یمكن طلب المصادر من المۆلف.
نشر فی شبكة صوت كردستان ١٤\٤\٢٠١٧