شذرات عن بعض المجتمعات الأيزيدية- ليس بحثا/ 3 – مراد سليمان علو

 

ماذا تنتظر من جيل يشرب من عصير ثقافة التسلية “هيرمان هسه”

 

(1)

يقال في العهد العثماني البائد ـ وهو أسوأ عهد مرّ على المنطقة، وما تزال أحداثه الدامية في الذاكرة القريبة للشعب الأيزيدي والأرمني ـ وقع زلزال في تونس الخضراء فجاء شاعر إلى الحاكم وقال يمدحه:

(ما زلزلت تونس من كيد أريد بها .. ولكنها رقصت من عدلكم طربا). تأمل هذا الدجل المزدوج بلسان هذا الشويعر، بلا شك يا سيداتي ويا سادتي، ومثلما يقال في الفيسبوك: (هي خربانة من زمان).

العديد من أمثال ذلك الشاعر الرقيع كما يصفه العلامة (عليّ الوردي) يتقربون لأصحاب القرار من أمراء ومدراء ونواب وشيوخ عشائر ليفوزوا برضاهم ويصيبهم شيء من الفتات. أنهم تحت تأثير نمط معين من التنويم الذي يرسل أمواجه إلى أدمغتهم الخاوية.

إن هؤلاء الذين يتصنعون العبقرية في فن الخطابة والكتابة الأدبية والشعر والغناء يجهلون تماما إن الإبداع والعبقرية والشهرة لا تنال بالتصنع والتقليد. ولكن بعد (2003) وبقدرة قادر أصبح الجميع يتعاطون العبقرية. ويريدون أن يكونوا مشاهير، وبعد (2014) وأظن بعدها بعام تقريبا، أي بعد استشهاد القائد (خيري الشيخ خدر) حق علينا القول: اختلط الحابل بالنابل.

أؤكد لكم أنهم لا يعرفون من الأدب سوى العبارات التي يقرؤونها في الفيسبوك وأخواتها بالرضاعة من أمثال (التيك توك) و(التويتر)… الخ من المنصات. وبالتالي ليست لديهم تلك الشرارة التي تمكنهم من إشعال نار الإبداع في الفنون والآداب التي يتعاطونها.

لا أقول إن جميع مبدعينا لا يأتون بأشياء جديدة ونافعة ولكن المبدع يبان حجمه مثل منارة شنكال الأثرية من بعيد، وربما لأنها كانت جميلة وتبان من بعيد، فجرها الدواعش المعتوهين. تلك المنارة الذهبية الجميلة التي لنا حواليها ذكريات من الطفولة لا تمحى. على المبدع أن يتابع ويدرس ويقرأ الكتب ـ الكثير من الكتب. لا أن يكتفي بالاطلاع على الأقوال والحكم من صفحات الفيسبوك والتيك توك الفاهية.

بعض هؤلاء تراهم وقد سيطر على أحدهم فكرة الإصلاح الديني، فلا يعرف في دنياه غير التكلم في هذا الموضوع وهو في حقيقته لا يعرف كنه الأيزيدياتي ولا من جوهره شيئا. أو قد ترى الآخر مبحوح الصوت جراء إلقاءه قصائد العشق والغرام ويحسب إن جميع الفتيات اللواتي يزرن معبد لالش ليلة الأربعاء واقعات في حبائل غرامه وبديع نظمه. أما الكاتب منهم فتراه معجبا بكتاباته ويعتقد إن الناس جميعا معجبون بما يكتب ولا يهم عدد الكتب السخيفة التي يتباهى بها ويخرجها للناس.

أعرف من هؤلاء كاتبا قد أخرج منذ الفرمان الأخير علينا عددا من الكتب التي ما أن تفتح كتابا منهم حتى تطوح به جانبا فهو خالي من كل شيء يمت للكتابة الإبداعية بصلة، إلا من سخافة وأخطاء إملائية ونحوية يحاول أن يزرعها في عقول النشء الجديد. ويسمونه الباحث والأستاذ فلان، وكأن الوحي قد نزل عليه في ليلة الثالث من آب (2014) وهو معتكف في برجه العاجي، وطبعا هذا الأستاذ منتمي كما غيره من البلهاء إلى جهة ثقافية بارزة تؤيده في كل خطواته الثقافية، وتعلي (بتشديد اللام) من شأنه ليل نهار.

لا شك إن تلك الجهة الثقافية وغيرها العديد من الجهات الثقافية في معظم المدن العراقية تشبه التواليتات إلى حد بعيد، ففي خارجها مصقولة ونظيفة ومرصوصة بالكاشي والموزاييك ولها أبواب وشبابيك جذابة، ولكنها في كل مكتن من داخلها وكما لا يخفى مليئة بالبراز الكريه الرائحة.

وهؤلاء إن رأوا الناس مشغولون عنهم وعن إبداعهم المضحك قالوا بأن عبقريتهم ضاعت في وطنهم ولا تتعجب إن رأيت إلحاد بعضهم وقد ظهر للعلن وفاحت رائحته العفنة على صفحات ومنصات التواصل الاجتماعي.

عيب هؤلاء إنهم يقلدون الأدباء والشعراء في الأسلوب والعبارات تماما مثل بعض الجهات الهندية عندما يقومون بعملية الـ (ريميك). وهي إعادة إنتاج فلم سبق أن نجح جماهيريا في شمال الهند مثلا، فتقوم ولاية من الجنوب بإنتاج نفس القصة وبلغة أهل تلك المنطقة. أو بالعكس، ومادام فلان مشهور وعبقري ونجح فلمه، لماذا لا أصير مثله، وهنا تكمن الطامة الكبرى، ويصبح التقليد عادة.

ويتضح هذا في المناسبات الدينية في لالش أو جماعيات المزارات أو حتى على صفحات الفيسبوك الزرقاء. ولا يشذ عن هذه القاعدة بعض كتاب وشعراء وفناني مجتمع بعشيقة وبحزانى أو مجتمع ولات شيخ فكلنا في الهوى سوا.

 

(2)

وأنا أبحث في بعض عيوب هذا المجتمع، لا أختلف كثيرا عنهم وربما سنوات العمر وحدها هي التي جعلتني أبطأ في سيري كيلا أستمر في دهس شعور الناس بالتوافه من الشعر والكتابات التي كنت أتعاطاها مثل غيري من المغرورين والسذج. ولكن يبقى لي إنني لم أدحس كتاباتي تحت إبط أحدهم يوما. ولم أشتلها بباب ديوان لشيخ، أو أمير تافه. ولم أمدح غير الأبطال والأساطير والحكماء والمبدعين المغدورين والفقراء المهمشون في مجتمعي.

وقد يهمس أحدهم بآذاننا ويقول حكمة بالغة مفاده: الإنسان بصورة عامة يريد أن يعيش. وأؤكد له: أن نعم، وبعد أن نتطلع على سلم الحاجات للأستاذ (ماسلو) سندرك بأنه كلما انتفت الحاجة إلى شيء رغبنا بشيء آخر، ولكن نجد لبعض هؤلاء عقد نفسية بعد أن شبع من الحاجات المعيشية يرغب بأخرى ثقافية ليبز العظماء وهذه هي طبيعة الإنسان المعقدة التي على كل باحث اجتماعي أن يفهمها قبل أن يشرع ببحوثه في إصلاح هذا المجتمع المغلوب على أمره. بل من الأجدى له ولنا أن يباشر بإصلاح نفسه أولا.

كان التركيز على الكتاب رغم ندرتهم في المجتمع الشنكالي، وكذلك الشعراء والفنانين أكثر من غيرهم من الفئات الأخرى مثل شيوخ العشائر ومن لف لفهم. لا يؤثر فينا الفلاح أو العامل أو ربّ الأسرة البسيط إن جلس في المقهى ولعب الطاولة أو الورق في زمان استراحته، أو لعب (الدمبلة) مساء في كازينوهات (سنونى) و (خانصور) ولكن الحذر حينما يتأثر هؤلاء وغيرهم بالكلمات المعيبة التي تصدر عن بعض الفنانين الشعبيين بحجة إحياء الحفلات وإقامة المناسبات. الحذر عندما يقرأ الطالب في عطلته الصيفية قصائد تدعو للمجون وتتحدث عن جسم المرأة قبل عقلها، فيتأثر هذا الطالب ويحذو حذوا ذلك الشاعر الشبق، أو ينبري كاتب ويمدح الشيخ الفلاني دون مناسبة أو يثقف لترشيح فلان للدورة القادمة للبرلمان رغم إن البرلماني المحترم لم يحرك ساكنا تجاه مجتمعه في جميع الدورات التي فاز فيها سابقا.

في الوقت الذي يصبح هؤلاء وأمثالهم من مثقفي الصدفة وكتاب الصدفة وشعراء الصدفة وفناني الصدفة موجهين لسلوك أفراد المجتمع، ونغض الطرف عنهم ونترك الحبل على الغارب في ذلك الوقت علينا أن نقرأ على ذلك المجتمع السلام. وأخشى إن هذا ما يحدث للمجتمع الشنكالي في الوقت الحالي.

هؤلاء تأثيرهم أكبر وأكثر من الناس العاديين لذلك علينا أن نبادر قبل أن يصبح العلاج الأخير هو الكي كما تقول العرب.

 

(3)

كثر الحديث عن هؤلاء، دون رؤساء وشيوخ العشائر أو الأمراء ومدراء المنظمات ومسؤولي الأحزاب والميليشيات. لأن تأثيرهم أقوى وأمضى في المجتمع ولهم شهرة بين أفراد مجتمعاتهم تطبق الآفاق.

بعض أولئك من الكتاب التافهين والشعراء النصف ردن والفنانين من فصيلة (الكومة بقرش) يصفون نفسهم بأنهم دائما في خدمة القضية. وطبعا يقصدون بها (القضية الأيزيدية) لينالوا تعاطفنا فنحن والحمد لله من أكثر الشعوب في العالم عاطفية. ونجدهم يتزلفون لكل غريب ويمجدونه حالما يكتب سطرا عن الأيزيدية أو الأيزيدياتي أو يخرج رواية باهتة لا تمت للواقع بصلة وهذا ناتج من الضعف الذي يكمن في نفوسهم وشعورهم بالنقص، وعدم ثقافتهم واطلاعهم الواسع على مجريات الأمور وعلى ما يدور في العالم من حولهم.

يقول الباحث العراقي وليد عطو:

“الإنسان لا يتطور ولا يطور أفكاره إلا بشعوره بالحاجة، والحاجة أم الاختراع كما يقولون”. والعجيب في هؤلاء إنهم بحاجة إلى كلّ شيء وأفكارهم تتطور للخلف بدلا من الأمام لينتشلوا مجتمعاتهم من المستنقعات التي يعيشون بها.

ولكن يبدوا إن الشعب العراقي برمته يعاني من هذه الازدواجية وهذا التراجع الفكري والضحالة الثقافية، وفي نفس السياق في بحث ممتع عن المجتمع العراقي بصورة عامة للباحث الأستاذ الراحل وليد عطو يقول بدهشة متناهية:

“… هناك من المسيحيين حسب قولهم لي انتخبوا قائمة المالكي أو شهيد المحراب (عمار الحكيم) ولم ينتخبوا قائمة علمانية. والشيوعيون الشيعة في العراق انتخبوا قوائمهم الشيعية بدلا من انتخاب قائمة حزبهم الشيوعي. والأكراد الشيوعيون أصبحوا قوميين أكثر من القوميين الأكراد ويطالبون بالانفصال عن العراق…”. ألا يذكركم هذا بشيء. وهكذا نرى حال المجتمعات الملاصقة لمجتمعنا لذلك لا غرابة فيما يحدث في المجتمع الشنكالي أو الولات شيخ من هرج ومرج.

 

(4)

يبدو إن الحديث عن هذا الأمر سيطول ولن ينتهي بسهولة، فهذه تراكمات اجتماعية تعود لمئات السنين، ونحن نريد أن نغيرها ونزحزحها في بضع مقالات وهذا أمر محال كما لا يخفى.

ويمكن مناقشة الظاهرة من أوجه عديدة فهي لا تنتهي، ومنها الناحية النفسية أيضا ـ وهذه دعوة جديدة لأصحاب الشهادات الجامعية الكسالى من فروع الاجتماع وعلوم النفس ومن شابههم من تحصيلهم العلمي؛ إجراء مناقشات وبحوث عن المجتمع بصورة عامة ـ أقول نرى بعض الأسماء المستعارة على المنصات الاجتماعية، وعدم إظهار الصور الشخصية لهم.

فلماذا ينشر البعض بأسماء مستعارة؟

ولماذا لا يضعون صورهم؟

ولماذا يتجمعون في شلل معينة أشبه بالعصابات، إن صرح أحدهم بأمر استجابت له الشلة وأيدته، وكأنهم في حرب شعواء لا هوادة فيها.

بالتأكيد هؤلاء وبعض المغيبين المدافعين عنهم سيقولون إنما هي تقية أو حرصا على السلامة فهم وطنيون غيورين ويخشون أن تقبض عليهم جلاوزة النظام ويودعون السجون. فتخسر القضية أقلامهم وأفكارهم التي يدافعون عنها ليل نهار دون مقابل.

ولكن نفس هؤلاء لو نشرت أنا شيئا لابتعدوا عن المنشور مسيرة بضعة أيام ضوئية. ونفس المنشور لو نشرته زميلة أو فتاة دعجاء سنرى العشرات منهم يحوم حوله كالذباب. وليس لي إلا أن أقول، ومن يستطيع أن يقنع الذباب أن الزهور أفضل من القمامة والأزبال كما يقول أحد الأدباء الكبار.

تتميز ثقافة هؤلاء ونتاجهم الثقافي بانه جديد أو مستورد، فهو بالتالي ثقافة (بامبرز) والبامبرز هو حفاظات الأطفال وهو نتاج ثقافي وفكري جديد ومختلف.

الانتقال من القومية إلى المناطقية ومن الليبرالية والنكوص بعدها، ومن كنف أمير إلى آخر. والبقاء تحت ظلال خصيان شيخ أمّي لا يقرأ ولا يكتب. انهم يستبدلون النظريات والثقافات كما يستبدلون محارم الورق، أي ورق الكلينكس والذي يستخدم لمرة واحدة فقط، أو كاستخدام حفاظات البامبرز تماما يعمد هؤلاء الى استيراد (بامبرز) وفق مقاس مجتمعاتهم لإنتاج تاريخ للأيزيدياتي حسب المقاسات المطلوبة. ويتم الاستعانة بمراكز ثقافية مشبوهة وبعض المتنفذين الأوغاد لإنتاج نظريات (بامبرزية) حسب المواصفات، ويمكن استبدالها لاحقا بأخرى دبقة أكثر وتفوح منها رائحة أكثر نفاذة.

يقوم قسم من المثقفين بتلميع شخصيات سياسية ودينية وأحزاب ويتقاضون مقابل هذه الخدمة مزيدا من الامتيازات والمناصب والسلطة والأموال. ولذا يصاب هؤلاء بمرض نقص المناعة الفكرية المكتسبة عند التطرق لهذه المواضيع معهم في نقاش والتي تجعلهم يفقدون اتزانهم، فيقوم بحظرك على الفيسبوك ويطلق ساقيه للريح ليبتعد عن مواعظك ونقدك وشر البلية ما يضحك.