مندلي الكرم والعطاء بين الواقع و الطموح – عبد الرسول علي المندلاوي 

قضاء مندلي من المدن القديمة في العراق .. ورد ذكرها في الكثيرمن كتب التاريخ و الذي تمت الاشارة في حلقات سابقة  .. هذه المدينة وهبها الله الخير العميم  وهو ان ارضها منتجة للكثير من الفواكه و الحمضيات ، وكذلك من ارقى التمور والتي ياتي في مقدمتها تمر الاشرسي الذي وصف بانه توأم الجوز وانواع اخرى ، وعاش على ارضها شعب منتج نساء و رجالا ، ففي الوقت الذي كان فيه الرجال منشغلون بالزراعة كانت النساء منشغلات بصناعة السجاد اليدوي الجميل الذي كان يلقي رواجا في الاسواق العراقية ،  فكان ابناء المحافظات الاخرى ياتون الى المدينة لشراء تمورها .. وقد كانت المدينة تخلو من الفنادق و المطاعم وحتى فترة الستينيات القرن الماضي ، لذلك اشتهرت بكثرة المضايف  كما اشتهرت  بكرم اهلها اذ كان الكثير من شخصياتها يبحثون عن الناس الغرباء الذين كانوا يقصدون المدينة لشراء المنتجات الزراعية والصناعية ، فياخذونهم الى منازلهم ويقومون بواجبات الضيافة لهم مهما طالت مدة اقامتهم ، ومن هذه الشخصيات التي عرفت باكرام الضيف ” الحاج حسن مهدي ” والد الدكتور قاسم المندلاوي ، وعبد الستار موسى افندي و عزالدين النقيب ومدحي افندي  وعبد الكريم الجلبي  و جدوع صويلح رحمهم الله ، حتى ان الحاج حسن مهدي رحمه الله كان يزود المضياف بالمواد الغذائية كونه من كبار التجار في العراق  .. وعلى الرغم من هذه النعم الوافرة التي انعم بها الباري تعالى على المدينة و اهلها الا انها كانت ولا زالت موضع ظلم واهمال الحكام الذين تتابعوا على عرش العراق منذ عام 1921 ، بالرغم من ان اغلب اولئك الحكام يطالبون من اصحاب المزارع تزويدهم بفسائل التمور المتميزة مثل الاشرسي و القرنفلي و السيلاني والمكتوم والازرق الازرق وغيرها لزرعها في بساتينهم ومزارعهم التي اقاموها في بغداد و اطرافها ، حتى في بيوتهم التي كان اغلبها في منطقة الوزيرية وهي احدى احياء مدينة بغداد قد جلبت اليها الفسائل من مندلي والتي لا زال قسم كبير منها شامخا في تلك البيوت  لكنهم لم ينظروا بعين الاهتمام اليها ، اذ لم تبنى فيها اية وحدة انتاجية سواء كانت زراعية او صناعية او فتح طريق دولي بها يربط العراق مع ايران اسوة بمدينة خانقين حيث اقتصر البناء على عدد من المدارس ، ورغم كل هذا الاهمال فقد تم اتخاذ قرار في عام 1982 في فترة اندلاع الحرب العراقية الايرانية بنقل دوائرها الى ناحية بلدروز وتنزيل درجتها من قضاء الى ناحية والحاقها بناحية بلدروز ، واجبار اهلها على الرحيل و اسكانهم في مجمعات لا تتوفر ابسط سبل الحياة في منطقتي بلدروز وكنعان وهو امر لم يحصل للمدن الاخرى الواقعة على الحدود مع ايران مثل بدرة و خانقين و الزبيدات والفاو  وبنجوين وغيرها ، وهو ما يؤكد حقد النظام الصدامي على هذه المدينة و اهلها ، والا بماذا يفسر هذا القرار ؟ .. وبقي الحال  كما هو عليه في المدينة حتى سقوط النظام حيث بدات الامال تتوجه نحو النظام الجديد وتعويض المدينة واهلها عما لحق من دمار وخراب ، لكن جاءت الرياح بما لا تشتهي السفن  ااا ولم يعار اي اهتمام رغم الوفرة المالية الكبيرة ما عدا خدمات خجولة كرش الشوارع المدينة بالنفط الاسود وبناء مستشفى يتالف من عدة طوابق الذي لايزال مجرد هيكل منذ اكثر من 10 سنوات ، ومما يبعث على الامل ان جهودا بذلت من بعض شخصيات المدينة مثل الدكتور قاسم المندلاوي و الاستاذ مدحي محمود و الاستاذ الراحل  احمد ناصر فيلي والتنسيق مع الحزبين الاتحاد الوطني و الديمقراطي الكوردستاني  لبناء الف وحدة سكنية في المدينة والذي كان بحق مشروعا خدميا لعودة الاهالي من خلال منحهم مساعدات مالية قدرت بعشرة ملايين لكل عائلة ، لكن ما حصل ان نفرا من الشوفينيين و المنافقين الذين عرفوا بالنفاق و التزلف  منذ القدم و بدعم من بعض الاجهزة الحكومية من افشال هذا المشروع الانساني ، وصارت المدينة تتحول من سيء الى اسوء .. علما بان مدينة خانقين التي تعرضت الى التخريب و التعريب و التهجير ، فكانت على العكس من مندلي بعد سقوط النظام حيث شهدت اعمارا في جميع مناحي الحياة  ، والذي كان حرص اهالي المدينة و ارادتهم القوية و الخيرة هو السبب الاول و الاخير في تحقيق هذا الانجاز الكبير في مدينة خانقين الباسلة .. مدينة الشهيدة البطلة ( ليلى قاسم ) هذا الانجاز الذي اعاد زهو المدينة الى سابق عهدها بعد عقود من الظلام .     .