الحقوق المشروعة للمرأة العاملة واكثرية نساء العراق- مصطفى محمد غريب

ان مقياس تقييم أي مجتمع بشري يكمن في الحقوق والحريات والديمقراطية كما يعتمد على الوضع السياسي وما تحقق من منجزات عامة وبخاصة حقوق النساء السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمساواة في العمل والأجور وقضايا أُخرى تربوية وتعليمية وحقوقية وفق مبادئ  حقوق الانسان ، وتختص قضية المرأة العاملة بمكانة مميزة في تطور المجتمع وعدالة النظام السياسي، ولا بد من الاعتراف ان غبن النساء عامة والمرأة العاملة خاصة عبارة عن إجحاف وظلم لا يتماشى مع روح الحضارة العصرية ولا مستلزمات دور المرأة الفعال والايجابي في تربية الاجيال او سوق العمل.

لا بد من الإشارة ان كل ما كتب عن المرأة العاملة العراقية لم يرتق الى المستوى المطلوب، بالمعنى الصحيح  كانت هي تابعة في أكثرية ما كتب عن الطبقة العاملة ،وما ذكر إلا نزر قليل  تم التطرق فيه لحقوق المرأة العراقية العاملة، وبالإمكان مراجعة وثائق وقرارات منظمة العمل الدولية للاطلاع على القوانين والقرارات والأحكام التي تخص النساء وبخاصة المرأة العاملة ، وهذه القوانين التي تخص حقوق المرأة العاملة ومنها اتفاقية المساواة في الأجور رقم (100) بين العمال والعاملات وغيرها من القرارات المهمة  تُضرب بعرض الحائط في سوق العمل في العراق، كل من له دراية بأوضاع الطبقة العاملة العراقية منذ النشوء وما جرى ضدها وضد حركتها النقابية  من تجاوزات وغبن وإلغاء الحقوق وفي مقدمتها القوانين التي سنها ما يسمى مجلس قيادة الثورة اثناء تولي سلطة حزب البعث بقيادة صدام حسين، على الرغم من التطبيل حول حقوق المرأة العراقية على امتداد تاريخ العراق المعاصر ومنذ عهد الملكية فإن المرأة أصبحت في موقع متقدم بحصولها على البعض من حقوقها بعد انبثاق ثورة 14 تموز 1958 إلا أن هذه الحقوق سرعان ما تم التجاوز عليها بعد التآمر على الثورة وقيام انقلاب 8 شباط 1963 الدموي ثم ما جرى بعد ذلك حتى احتلال العراق وسقوط النظام السابق، لم يطرأ على وضع المرأة إلا تطور ضئيل  وبقت في وضع ثانوي في الحقوق بينما هي تُنفذ واجباتها الاجتماعية والعائلية بالقهر والأمرية المجحفة ، كما اضيف عامل آخر للتجاوز على الحقوق حملات القمع والملاحقة حول فرض الحجاب والاعتداءات على المرأة حتى في الشوارع، ولم تسلم صالونات الزينة والحلاقة النسائية  والرجالية على حد سواء أما “كوتا” النساء  في البرلمان، أي تخصيص نسبة او كمية من المقاعد في الهيئات المنتخبة…الخ  وهي غطاء  لحرمان المرأة من  كامل حقوقها المشروعة والتجاوز عليها واستخدام العنف الجسدي والنفسي بشكل عام وبشكل خاص ضد المرأة العاملة، وبالرغم مما اشيع في سوق العمل والتباهي بانها تشغل مناصب عليا في الدولة فإن المرأة العاملة بقت دون المستوى المطلوب في الحقوق إسوة بالرجال، وذكرت إحصاءات منظمة العمل الدولية هذه الحقيقة واشارت بعدم وجود المساواة الحقيقية وهناك استمرار لتدني مشاركة النساء العاملات في سوق العمل وللعلم ان النساء ” يُمثّلن 43% من القوى العاملة في الزراعة في البلدان النامية، حيث تُساهم المرأة بشكل أساسي في الأنشطة الزراعية والاقتصادية الريفية في البلدان النامية” اذا ما جرى المقارنة مع الرجال فهي غير عادلة، حيث تنتشر البطالة والأمية بشكل واسع بين النساء العاملات في العراق، بالمقارنة العامة نجد تزايد عملية التجاوز على النطاق العالمي ايضاً، وذكرت منظمة العمل الدولية ارقاماً ونسباً لهذا التدني وأعلنت ازدياد البطالة بين النساء بالمقارنة مع الرجال وتظهر هذه الفجوة في جميع الإحصاءات والأرقام الدالة بين النساء العاملات والرجال في سوق العمل، أما على مستوى العراق فقد اكدت التقديرات إن نسب البطالة وحسب الإحصاءات الصادرة مؤخراً بين منظمة العمل الدولية والتعاون مع وزارة التخطيط والتعاون الإنمائي  ووزارة العمل والشؤون الاجتماعية فإن معدل البطالة في العراق  عام 2021 – 2022 بلغ ( 16.5% ) وازدادت هذه النسبة عام ( 2023 ) وهذا يعني وجود في كل خمسة مواطنين مواطن عاطل ، والتأكيد على أن نسبة البطالة بين النساء حوالي ( 28.2% ) وهو ضعف معدلات بطالة الذكور الذي بلغ نسبتهم (14.7%) وتشير هذه الإحصاءات الى حقيقة كون العراق يحتل ” المرتبة الثانية بين الدول العربية بالنسبة للبطالة بين النساء، واشارت الاتفاقية حول الحقوق السياسية للمرأة وعرضت على الجمعية العامة للتوقيع والتصديق بقرارها (  640 د ـ 7 ) في 20 كانون الأول 1952 واخذ في تنفيذه في ( 7 تموز 1954 ) ونصت مواده الأولية كالتالي

رغبة منها في إعمال مبدأ تساوى الرجال والنساء في الحقوق الواردة في ميثاق الأمم المتحدة ، والاعتراف بها وحق الأشخاص في بلدهم ، بشكل مباشر عن طريق ممثلين يختارونهم بكل حرية ” جعل الرجال والنساء يتساوون في التمتع بالحقوق السياسية وفى ممارستها ، طبقا لأحكام ميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان ،

وقد قررت عقد اتفاقية لهذا القصد ، اتفقت على الأحكام التالية
1 ــ المادة الأولى: للنساء حق التصويت في جميع الانتخابات ، بشروط تساوى بينهن وبين الرجال ، دون أي تمييز .
2 ــ المادة الثانية للنساء الأهلية في أن ينتخبن لجميع الهيئات المنتخبة بالاقتراع العام ، المنشأة بمقتضى التشريع الوطني ، بشروط تساوى بينهن وبين الرجال ، دون أي تمييز .
3 ــ المادة الثالثة للنساء أهلية تقلد المناصب العامة وممارسة جميع الوظائف العامة المنشأ بمقتضى التشريع الوطني، بشروط تساوى بينهن وبين الرجال ، دون أي تمييز “

واختصت المواد الأخرى على عمليات العلاقات والتنظيم وقضايا مهمة مثل ” المادة الرابعة والمادة الخامسة وصولاً حتى المادة التاسعة ” كما اختصت مسالة التواقيع على الاتفاقية وقضايا تخص التنظيم والانضمام وقضايا مادية وعلاقات اخرى، هذه الاتفاقية وغيرها كانت عبارة عن اتفاقية لإقرار الحقوق والحفاظ عليها.

مازالت المرأة العاملة في العراق تحت وطأة التقاليد الاجتماعية والاحكام العشائرية او القضايا الدينية وهي تعاني اجحافاً في سوق العمل ومسألة الأجور  والانتساب النقابي والمساواة، مع العلم شهد القرن العشرين وبخاصة السبعينيات وعقد الثمانينيات أصدور النظام العراقي  قوانين عمل الأول ( 71 لسنة 1987 ) لم يراع فيه الحقوق بشكل طبيعي وعادل وبقى تحت طائلة قرار مجلس قيادة الثورة المرقم (150 عام 1987 الذي دعا إلى حل العمل النقابي في قطاع الدولة وتضررت الطبقة العاملة من هذا القرار والنساء العاملات واصبح الجميع غير مشمولين بقانون العمل والضمان الاجتماعي رقم ( 39 لعام  1971 )  بحجة انهم اصبحوا موظفين، ومن خلال هذه القرارات وقرارات اخرى تضررت المرأة العاملة بسبب حرمانها من حقوقها الطبقية واعتبارها جزء لا يتجزأ من الطبقة العاملة العراقية، اما بعد الاحتلال فقد تفتت عضد العمل النقابي وضعفت امكانياته التي تقوى بوحدة الطبقة العاملة وحركتها النقابية الديمقراطية وتم اصدار قانون جديد  تحت رقم ( 37 لعام 2015 )  في محاولة  لمواكبة التطورات الجديدة إلا أن ذلك لم يعالج الأمور الجدية في الحقوق والتنظيم  والأجور ووقت العمل والاجازات المنصوص عليها في القوانين التقدمية إضافة الى المساواة في الحقوق التي تتعلق بالمرأة العاملة العراقية،

كما يلاحظ التعسف في قانون تقاعد العمال من حيث المساواة مع قانون التقاعد العام ونجد ان قانون الضمان الاجتماعي مازال دون المستوى المطلوب وقد تمت المطالبة بالتعديل لصالح العمال كافة لكن دون جدوى، وفي هذا الصدد أشار رائد فهمي سكرتير الحزب الشيوعي العراقي ” إلى أن «هناك فرصًا لتحقيق النجاح، مثل تعديل قانون الضمان الاجتماعي، وأن العمال يجب أن يساهموا في الضمان الاجتماعي

وأكد على ” ضرورة معالجة الثغرات في القانون الحالي، والتي تحول دون تسجيل العمال لأنفسهم” وهو أمر يجب ان يتخذ فيه قرار التعديل ويعرض على مجلس النواب!

  ان وسائل الإعلام في العراق لم تكتف بنشر مقالات او إحصاءات او اخباراً بل اضافت أسلوب واقعي من خلال إجراء مقابلات شخصية حية وملموسة مع عاملات في القطاع الخاص وكذلك قطاع الدولة حيث ظهر التعسف والتجاوز على الحقوق  والأجور القليلة وساعات العمل التي لا تتناسب وتتضارب مع واجبات اجتماعية خاصة في تربية الأولاد والعناية بالأطفال وهي حالة مستمرة ومنها تأثيرات دينية تستغل للتجاوز لمحاصرة حقوق المرأة  بشكل عام وخاص المرأة العاملة   ، ان التدقيق في قانون العمل ومواده وتعديله لإقرار حقوق المرأة مطلباً شعبيا وهو مهمة ملحة في الظروف الراهنة لكي تزداد نسبة النساء العاملات في البلاد، وأكدته الباحثة الاجتماعية في الشأن الاجتماعي الدكتورة أسماء جميل   إن ” عدد النساء العاملات في البلاد تتجاوز قليلا نسبة 10% وهي الأضعف على مستوى العالم” ومن هذا نستنتج التعامل السلبي مع النساء  العاملات في المجالات كافة ، وتبقى المرأة العاملة في القطاع الخاص اكثر تعرضاً للاستغلال والقهر والحرمان من  الحقوق، وتبقى القوانين الخاصة بها غير جدية وسلبية فمن الضروري النضال من اجل تحسينها وجعلها قوانين تتماشى وروح العصر والحضارة الانسانية