الأربعاء بين مطرقة الجمعة وسندان الأحد – مراد سليمان علو

 

 

في إحدى عصريات (سيباى) ـ ولا أتذكر التاريخ تماما فأنا هنا أتعكز على الذاكرة، ولكنها كانت في أيام ما قبل الفرمان اللعين ـ كنا جالسين أنا وخدر شاقولي في حديقتي الصغيرة، ودار النقاش حول كتابة العديد من كتابنا النصف ردن عناوين كتاباتهم ومقالاتهم التحفة بـ (الشيء الفلاني بين مطرقة فلان شيء وسندان علان شيء.) وعددنا الكثير من تلك الكتابات العقيمة، وأسماء أولئك الكتاب السمجين.

كان هذا النص عنوانه (للأربعاء اسم) وبعد تذكري هذه الحادثة الطريفة استبدلت الاسم بأخر مشابه لعناوين تلك الأيام وأغلب الظن ما يزال البعض يستعيره ليكون عنوان مكتوبه.

وهنا لا أدعى البطولة في اكتشاف شيء، ففي الواقع تكرار اسم ما، أو اقتباس عبارة ما ليكون عنوان مقال أو حتى كتاب لا ضير فيه بتاتا، وأرجو ألا يتهمني ذلك الصديق الافتراضي في الفيسبوك ثانية بأنني قد سرقت هذا العنوان أيضا مثلما أتهمني دون وجه حق بسرقة شقيقه بالرضاعة النصّ المسمى: (نهايتنا العنيفة كانت لها بدايات عنيفة) من مسرحية شكسبيرية، وهذه المرة قد يقول إنه من مسرحية عراقية شعبية اسمها: (الخيط والعصفور).

فليعلم ذلك الرقيع ومن لف لفه في اتخاذ السكون مهنة له دون أن يحرك شيئا إن هذا المجتمع الجميل قد ضيع الخط والعصفور معا، وإننا بكتاباتنا المتواضعة نحاول جاهدين إنقاذ ما يمكن إنقاذه. وتحريك ساكن فقد قيل قديما (الحركة ولود والسكون عاقر).

وبمناسبة ذكر كلمة (نصّ) ينبغي لي أن أذكر بأن البعض من شعرائنا الشباب يستخدمون عبارة (نصّي) إشارة إلى النص الذي يخصه، وهذا وإن كان صحيحا لغويا فهو غير مرغوب به عند القراءة؛ لذا من الأفضل القول (نصّ لي) وإلا أعتقد البعض مننا إنه يقصد ب، (نصّي) نصفه دون نصفه الآخر.

على العموم الحياة لا تسير بطريقة غريبة أو مخالفة لنواميسها، إنما خياراتنا هي التي تبدو غريبة بالنسبة للآخر، والعكس صحيح تماما ولهذا من الأفضل العودة لموضوعنا.

من القصص المشوقة في التوراة وكذلك في الإنجيل تلك التي تتحدث عن الخلق والتكوين وتتلخص بتنفيذ الأوامر الإلهية في ستة أيام وفي اليوم السابع استراح الرب بعد عمل أسبوع وبارك وقدس يوم الراحة وهو يوم السبت عند اليهود ويوم الأحد عند المسيحية.

ويقول الكتاب المقدس للمسلمين (القرآن) بلسان الله: “ولقد خلقنا السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسّنا من لغوب”. أي لم يتعب الله ليستريح، ومع ذلك فيوم الجمعة هو يوم عطلة لديهم.

إن أول وثيقة دونت عن قصّة نشأة الخلق كانت حوالي سنة 3000 ق.م في العصر السومري وهي عن (نمو) آلهة المياه (دائما الماء هو الأصل في الكتب والتعاليم الدينية) وكيف انبثق منها كلّ شيء فأنجبت (آن) إله السماء و(كي) آلهة الأرض ومن ثم أنجبا بدورهما العديد من الآلهة حتى أكتمل الكون وظهرت بعد ذلك القصص البابلية 2000ق.م ومن ثم الآشورية وهكذا انتقلت الأسطورة للعهد القديم (التوراة) ومن ثم للعهد الجديد (الإنجيل) و(للقرآن) وتداولها الناس إلى يومنا هذا.

ولو بحثت في مختلف الأديان وأدبياتها ستجد يوما مخصصا لنهاية الأسبوع، قد يكون هناك اختلافا في تسمية اليوم ولكنه اختلاف غير جوهري ودائما سترى نهاية الأسبوع يوم عطلة وهو يوم مجيد لتلك الديانة وعيد بهيج لذلك المجتمع.

وفي الأدبيات الدينية للأيزيدية أن خودا عمل طوال الأسبوع دون راحة أي دون أن يخصص يوما للراحة ويكون عيدا ونهاية لأسبوع مضني ليتمتع به الناس بعد ذلك، ومع هذا يوم الأربعاء هو يومنا المقدس وعطلة دينية وهو اليوم الذي خلق فيه الملك ميكائيل وهو الشيخ أبو بكر حسب كتاب (مصحف رش) وهو كتاب مدسوس على أية حال، لأننا نرى الأسبوع يبدأ فيه بيوم الأحد وينتهي بيوم السبت وكلّ يوم مخصص لخلق ملك وهو بدوره يكمّل عملية الخلق والتكوين وفي كتاب ( بعض من أدب الديانة الأيزيدية) ج/1 للدكتور خليل جندي رشو ص 65 يوم الأربعاء خلق ملك إسرافيل وهو شيخ شمس ويوم الأربعاء هو يوم ملك فخر الدين حيث لكل يوم (خودان) أي صاحب وللتعمق أكثر في فكرة الخلق والانبعاث يمكن درس قول الشيخ عدي ـ ( قولى زبونى مه كسوور1 و2 )

التعاليم الدينية والأساطير والعادات والتقاليد وجدت لتبقى ودائما هناك من يستفاد من ديمومتها ويحاول بدوره تجديدها ويحرص على عدم ضياعها ولكن شئنا أم أبينا فعامل الزمن والبيئة المحيطة هما أقوى وأكثر تأثيرا من كلّ التعاليم حتى لو كانت حدية وصارمة كتعاليم رجال الدين عندنا أيام زمان.

وهكذا فقد يوم الأربعاء هيبته في نظر الكثيرين من الأيزيدية فبعد أن كان يوما دينيا ومقدسا أصبح يوما عاديا ويرجع ذلك باعتقادي لسببين:

أولهما تحميل الفرد ما لا طاقة له على تحمله فقد كان (وما يزال البعض) يتهيأ لاستقبال الأربعاء ابتداء من بعد ظهر يوم الثلاثاء فالاختلاف والجدل هو متى يبدأ اليوم لينتهي في نفس الوقت من اليوم التالي، وفي المساء أي مساء الأربعاء لا نكتفي بأن توقد الشموع وترش البخور في المزارات والأماكن المقدسة بل نوقدها أيضا في البيت قرب (بقجة البرات).

وفي يوم الأربعاء لا تسافر. وفي يوم الأربعاء لا تعمل. وفي يوم الأربعاء لا تحلق ذقنك أو شعر رأسك. وفي يوم الأربعاء لا تغتسل. وفي ليلة الأربعاء لا تجامع. ومن الأفضل ألا تخرج من البيت ولا تحرّك ساكنا يوم الأربعاء. وهكذا يبدو اليوم طويلا وثقيل الوطأة لدرجة لو تمرّض أحدهم لسبب ما كان يقال لابد وانه فعل أمرا مخالفا للتعاليم الدينية في يوم الأربعاء فعاقبه الله على ذلك كيف لا وحتى المشعوذين يكفون عن شعوذتهم في هذا اليوم المبارك وهنا تبدأ رحلة الاستغفار والنذور والذهاب إلى (الكواجك) ليخفف عنه العقاب بعد أن عرفت الأسباب.

كيف للمعلم والمدرس والأستاذ الجامعي أن يعطي دروسا لطلبته صباح الأربعاء وهو غير حليق الذقن بالتأكيد إنه يرفض فكرة أن يكون مثالا سيئا لطلبته إذا لم يكن هناك خلافا بينه وبين زوجته في ذلك اليوم. وكيف للجندي ألا يلتحق بوحدته العسكرية إن انتهت أجازته صباح الأربعاء، وماذا عن الموظف؟ هل يطلب من دائرته أجازة في كلّ أربعاء وإلى متى؟ ولماذا عليه أن يتمسك ببعض تعاليم الأربعاء ويترك بعضها. كلّ هذه الأمور دفع بنا للتفكير في كيفية الخروج من عنق زجاجة يوم الأربعاء ولسان حالنا يقول متى ما أصبحت الدولة أيزيدية خالصة وجعلوا من يوم الأربعاء عطلة رسمية سنلتزم بها وبتعاليمها، أما والحال هذا فسنستمر في الغياب عن البيت وسنلغي فروض ونذور يوم الأربعاء.

وبالتأكيد هناك سبب آخر وهو جوهري وينساه البعض، فالديانة الأيزيدية مرنة وتتبع الطبيعة الأم ولهذا السبب تعاليمها لا تقول للأيزيدي: أفعل هذا ولا تفعل ذاك. لا نتبع كتاب مقدس وليس لدينا نبي، نمشي مع الطبيعة ونثق بدورانها وبحدسنا. ومن يقول لك كان لدينا كتاب مقدس وقد أخفاه أعداء الأيزيدياتي فقل له بملء فمك: إنما أنت كاذب وملعون.

ولكننا نحبّ الأربعاء رغم كلّ شيء فهو يومنا المقدس الذي نفتخر به كما للآخرين أيامهم وهو مختلف وهذا ما يميزنا عنهم وفيه جمد الأرض وتماسك وهو يوم بداية السنة الأيزيدية أبهج أعيادنا فيكفينا فخرا أنه يوم طاووس ملك وهو يوم نزوله لأول مرة في الأربعاء الأول من شهر نيسان الشرقي إلى لالش حيث بدأت الثلوج بالذوبان وازدانت الأرض واحتفلنا وما نزال وسنبقى نحتفل بهذا.

أما السبب الثاني فهو تأثير البيئة المحيطة والتفرج على الجيران وهم يستمتعون بعطلاتهم وبجُمَعِهم أو آحادهم والفرجة تجلب التقليد والتقليد يصبح عادة وأصبحت الجمعة محور اهتمامنا وصارت الجمعة يوما مميزا للاستحمام وطبخ أكلة مميزة وزيارة الأقارب لأنها عطلة رسمية ومتواجدين في البيت وربما الذهاب إلى نزهة (سيران) ما بعد الظهر ـ ربما كانت زيارة خدر شاقولي لي كانت في يوم الجمعة ـ ويمكن مزاولة أي نشاط مؤجل في هذا اليوم، ولكن في شنكال وهي مدينة أيزيدية بامتياز لن تستطيع أن تبتاع شيئا لأن الأسواق مغلقة.

وإذا ما قارنا الأربعاء بالجمعة فلن نرى الكثير من الفرق بينهما من جهة قدسيتهما في نظر من يراهما مقدسين وقد أضفنا إلى يوم الجمعة قدسية بقولنا إن الجمعة مباركة ونرى العشرات يتجمعون في بيوت الدجالين والمحتالين لقراءة طالعهم ولغرض شفاءهم من الأمراض المستعصية في هذا اليوم باعتباره يوما مباركا.

يوم الجمعة يوم راحة للمسلمين ولا يفتحون فيها محلاتهم التجارية وهذا حقهم الذي أعطاهم إياه شرعهم والقانون مثلما الأربعاء عطلتنا والذي أعطاه لنا تعليمات ديننا ولكننا لم نعد نتمتع به لأن القانون لم يجعله عطلة رسمية.

من وجهة نظر اقتصادية أن العطل الكثيرة تبطئ دوران عجلة الاقتصاد، ولكن لا تهمنا النظريات الاقتصادية الجزئية أو الكلية.

إن الابتعاد عن يوم الأربعاء يعني فقدانه وفقدان يوم الأربعاء هو فقدان درهم من دراهمنا الذهبية القليلة ومحو علامة فارقة فينا فكل عاداتنا وتقاليدنا القديمة آتية من تعاليم دينية مستندة على أسس واقعية ومستمدة من الطبيعة وإن أختلف واقعنا عن واقع زمان ولكن الطبيعة تبقى نفسها بأوقاتها وفصولها وتقلبات المناخ فيها.