المقدمة
في زمن المحن.. حينما يتعالى الصخب المصاحب للفوضى.. فوضى العنف المنفلت.. تصبح الكتابة عبثاً.. ومع هدير الطائرات واصوات الانفجارات المنطلقة من فوهات المدافع.. التي تطغو على انين الضحايا.. كما تطغي رائحة البارود على رائحة الدم.. يصبح من العبث أن تلجأ للكتابة.. بما فيها الكتابة الغاضبة.. الناقدة.. الرافضة لهذا الوجود الدموي.. والسبب باختصار.. لأنك لن تجد أذناً صاغية.. ولن ترى من يسمعك..
لهذا نلجأ “للصمت” هو صمت مكتوم.. يجعلك تنزف دماً بدلاً من الدموع.. وتناجي نفسك في لحظات الوجل والخيبة الممتزجة بالشعور العاجز المقترب من حالة اليأس.. لتتساءل:
ـ انْ كنا بشراً! امْ عدنا.. وفقاً لحلقات حلزون نظرية التطور.. الى عهد ما قبل البشر؟! ناهيك عن مشاعر الإنسانية.. وفقاً لما تسمع وتشاهد.. من أحداث وقصص مفجعة.. تدفعك لتكرار الاستفسار ألف مرة.. أن كان هؤلاءِ المتوحشين القتلة.. حقاً بشراً!!
او إنْ كان بالإمكان تصنيفهم بالحيوانات.. وبالكاد تحاول ان تقنع نفسك.. بمصطلح هجين.. حينما تتمتم بخجل.. حيوانات بشرية.. لتخرج من شفتيك كأنك تحدث شخصاً آخر بحذر..
ـ هؤلاء ليسوا بشراً.. هم حيوانات بشرية.. حيوانات بهيئة بشر.. وباللغة الدراجة حواوين بأشكال بشرية!
تقولها وتصمت.. لتجرجر نفسك من جديد.. تسحبها لتغوص في المجهول.. باحثاً عمّا مخبأ في الأعماق.. عن أي شيء يفيدك في التحليل.. لتستوعب عجائب وغرائب.. الحدث من خلال تفاصيل.. تستذكرها من معايشتك للناس.. ومن قراءاتك المختلفة.. للأدب والعلوم الاجتماعية والفلسفة والاقتصاد.. وشتى فروع المعرفة..
وتستقدم أطياف.. ماركس.. فرويدْ.. ابن خلدون.. حسين مروة.. علي الوردي.. فالح عبد الجبار.. قاسم حسين صالح.. فارس كمال نظمي.. جيفارا.. سبارتاكوس.. كاوه الحداد.. أبو كاطع.. والثائر كوماته..
والعشرات من الأسماء الأخرى.. بما فيها تلك الأسماء الهمجية.. التي نظرّتْ واسّستْ للعنف وشرعتنه.. من طغاة ومستبدين.. قتلة ومجرمين.. رجال دين وشرذمة “مفكرين” أذلاء.. انصاعوا للشر.. اصطفوا لمباركة مشاهد الدم.. قبلوا بالخراب والدمار.. نسبوه لإرادة الله.. أشاعوا وما زالوا يشيعون.. بين العباد الدعوة..
للصمت.. الخضوع.. الخنوع.. وما يرافق ذلك من ذل..
هو ذل الاستسلام للمفاهيم.. التي تغيب العقل.. تسلب الإرادة.. تحول الانسان الى جسد مشحون بروح الحقد والكراهية للآخر.. وحش بلا مشاعر.. مهمته الفتك بمن حوله للتخلص من ” الكفر والشر”.. وفقاً لتعاليم منسوبة الى الله.. ومجاهد موعود بالجنة.. وما فيها من عهر وجواري وغلمان.. ولقاءات على شواطئ الأنهار.. التي تتدفق بسواقي الخمور والعسل.. مع الحوريات.. بحضور ومشاركة الأنبياء والرسل.. الذين ينتظرونه..
ينتظرون القاتل التافه الزنخ.. كيْ يتناول معهم.. مع معشر الأنبياء والملائكة.. في محضر الرب.. وجبة حساء العدس.. الممزوجة بأطايب الفردوس.
تكاد ان تسهو مع خيالك الواهم.. الذي ينقلك لتلك الأجواء البوهيمية.. وتشعر بانك مواجه لصنف من الذين شاركوا في خلق البؤس الإنساني.. وقبل ان تفكر باتخاذ موقف مطلوب منك لإدانتهم..
تعود من غفوتك.. تصحو على هول يحيط بك.. لتصدم بواقع مرير محمل بـ.. قصص.. حكايا.. أفلام فيدو.. تتحدث عن جحافل الدولة الإسلامية الاجرامية ـ داعش.. التي تتقدم من مدينة لأخرى.. على مسمع ومرأى من العالم من أقصاه الى أقصاه.. كأنها في نزهة للصيد.. هو صيد للبشر والمدن.. تجاوز حدود الجغرافية..
مجموعة صيادين من صحراء العراق مع منْ عبروا الحدود.. ليحطموا.. ويدمروا.. ويخربوا.. ويعبثوا بحرية.. يتقدمون بأرتال من شتى الاتجاهات ولا يواجهون أية مقاومة..
بعد ان فرّ الجند والمقاتلون.. وتركوا ساحات المعركة.. بقرارات صادرة لهم.. من مقرات لأحزاب وحركات سياسية كردية وعربية.. وثلاث حكومات بين العاصمة بغداد.. وحكومة الإقليم في أربيل مروراً بالحكومة المحلية في الموصل..
حكومات قررت المشاركة في لعبة الموت مع الدواعش.. رضخت وقبلت بالمتاجرة والمقامرة.. بشرّ الإرهاب ونتائجه الكارثية المدمرة.. في سنجار وبقية مدن سهل نينوى..
ويا للسخرية..
لكل مدينة أكثر من اسم تكنى به..
ـ بغداد.. هي دار السلام.. والمدينة المدورة..
ـ أربيل.. هي اربا إيْلوْ وهوْلير أيضا..
ـ الموصل.. هي.. الحدباء.. أم الربيعين.. نينوى..
مدن منفوخة بالأسماء.. وعبق الحضارة.. وكبرياء التاريخ.. والأحزاب المتعفنة.. تتخاذل وتتساقط منظوماتها الدفاعية.. امام شرذمة أزناخْ الدواعش.. بمشاركة بعثية.. من بقايا نظام مهزوم.. قرر ارتداء طاقية الاختفاء والزوال.. امام الزحف الأمريكي.. كان يتحكم به جرذ لقيط من العوجة.. فتح شدقه بعد فحص مخرجه.. شهدناه يتمخطر ويعربد واعداً:
ـ انه سيسحق الغزاة ويفني جيوشهم..
كما سعى في فترة حكمه حينما.. ذبح وقتل وسحق من العراقيين.. ما لا يعد ولا يحصى.. ها هم زبانيته يشتركون مع الدواعش في الدخول الى الموصل.. بعد ان شرعت لهم أبوابها الاثنا عشر.. (باب الجسر.. باب الطوب.. باب الراي.. باب لكش.. الباب الجديد.. باب العراق.. باب البيض.. باب الحرية.. باب العمادي.. باب الشط.. باب المكاوي.. باب سنجار)..
في ليلة التاسع / العاشر من حزيران 2014.. ليعلن فيها الدواعش.. ولادة ونشوء دولة الخلافة الإسلامية.. بزعامة الخليفة المثقوب.. المجرم أبو بكر البغدادي.. الذي كان حاملاً لشهادة تخرج من جامعة بوكا للسجون.. التي أشرف عليها الامريكان.. وتم تجهيزه بكافة احتياجاته اللوجستية.. العسكرية والمالية.. قوافل المجرمين وفقهاء الدين.. الذخائر والمعدات الثقيلة.. وبقية متطلبات العمل.. لينفذوا برنامجهم الجهنمي.. ويحولوا المدن المستباحة.. لخراب وركام ومحطات لإبادة من يعترضهم.. ويتواجد في رقعة الجغرافية.. التي حددت لعبثهم شملت سنجار..
سنجار.. التي نبدأ بها.. لإصدار سلسلة كتابات.. عن حكايا الناس.. في الزمن المر.. المنتج للدواعش..
ونحكي للتاريخ عن فضائح وفظاعات حيوانات بشرية.. في زمن العولمة والثورة التكنولوجية.. بتناقضاتها التي ساهمت بخلق وتكوين داعش بمشاركة.. قادة ومسؤولين.. رجال دين.. سياسيين.. تجار ورجال اعمال.. شركات ومصانع عملاقة.. وفئات متعلمة بينهم نساء.. خبراء في شبكة الاتصالات والإلكترونيات.. مهندسون.. أطباء وممرضين.. شعراء.. فنانون.. وعلماء في مختلف التخصصات..
لكي.. لا يقال:
ـ ان الدواعش.. كانوا شرذمة ساقطين وحثالات من البشر فقط..
لا داعش والدواعش هم “ثمرة” أزمة بشرية في عصرنا.. امتدت خيوطها بين دوائر رأس المال.. وخنوع ورضوخ سلطات وحكومات وأحزاب متعفنة.. بمشاركة فقهاء الدين.. واستعداد القتلة والسفاحين للانخراط في المشروع الدموي.. الذي حمل اسم داعش ودولة الخلافة الاسلامية..
انها.. أي داعش.. لقيط.. عهر الرأسمال المعولم.. من احشاء السياسة المبتذلة للساقطين في هذا الزمن المر.. الذي نأمل.. وسنكافح من أجل ان لا يطول.. ولا تتكرر فيه من جديد هذه المهازل المعاصرة..
مهازل وجرائم صنعها أشباه البشر.. لكيْ لا نصحو من هول هذه الكارثة والصدمة المريعة.. ونستسلم لإرادتهم ونقبل بمخططاتهم..
في مسعى لإشاعة الخراب والمزيد من الدمار.. المترافق مع حالة التشويش ونشر الأوهام.. لمنع الادراك.. وعرقلة النهوض الفكري.. لكيْ لا نتحزم بالمعرفة.. ونعيد حساباتنا ونكتشف الطريق المؤدي لمواصلة رسالة الإنسانية الساعية لخلق عالم أفضل ترفرف فيه رايات السلام والمحبة بين البشر..
طوبى.. لكل من يسعى.. لغرس قيم الإنسانية.. ويسير في القافلة.. نحو شعاع الشمس.. مع الجموع الحالمة بالمستقبل الأفضل..
طوبى.. لمن يشحذ الهمم ويشيع بين الناس الأمل.. للمزيد من التضامن والعمل..
لنعمل معاً من اجل خلق عالم أفضل.. خال من العنف والاقتتال بين البشر..
ـــــــــــــــــــ
صباح كنجي
هامبورغ.. سنجار
22/3/2024