تكملة ٣: بصدد التحول الساساني النصراني ثم لاحقا الريادي الاسلامي- جان آريان-ألمانيا 

” رغم الصدمة الكبرى ٦٢٢، فقد أجج الساسانيون النصرانية ضد مسيحية بيزنطى المؤلهة واسسوا لاحقا الاسلام لأنهاء نفوذها”
منذ عقود عديدة، وأنا أطالع وأستغرب من كيفية حدوث الصدمة الكبرى للامبراطورية الساسانية(لشعوبنا الإيرانية الآرية) في النصف الأول من القرن السابع الميلادي!
حيث شككت دوما بعملية الفتح العربي الإسلامي وفق الرواية الاسلامية التقليدية للامبراطوريتين الساسانية والبيزنطية عن طريق عرب شبه الجزيرة العربية المتواضعين والمتواجدين في الصحراء القاحلة الشاسعة والذين كانو في منتهى البداوة والقحط. ففي تلك العصور الظلامية كان أولئك الناس غير قادرين حتى على تأمين المياه والمؤن اللازمة لمواصلة السير الاعتيادي عبر تلك الصحارى الطويلة الجافة والعديمة الينابيع والانهار، فكيف بهم اذا القتال وقتها مع الساسانيين والبيزنطيين في بلاد الرافدين والشام البعيدة عنهم أكثر من ألف كيلومتر وبغياب وسائل مواصلات مناسبة فضلا عن قلة عدد سكانهم وبدائية اسلحتهم؟!
” فيبدو أن العامل الحاسم المؤدي لبناء وتسمية النظام الاسلامي كان انطلق من إيران وليس من شبه الجزيرة العربية وذلك للرد على المسيحية المؤلهة البيزنطية ولاحقا على الميل المرواني/الأسرة المروانية/ المتزايد باتجاه اليهودية التوراتية/بنائهم لقبة الصخرة بمثابة اعادة بناء هيكل سليمان ومداولة نجمة داوود ورموز يهودية اخرى/ واضطهادهم للزردشتيين والشيعة، فرض الخرج الباهظ على الناس وإصرار الساسانيين على انهاء النفوذ البيزنطي المتبقي كليا وذلك وفق الأبحاث المعاصرة العلمية التاريخية الغربية الدقيقة”، لكن بداية، من المهم جدا توضيح بعض الأمور والمراحل التالية:
– إن ناس الشرق الأوسط على الأقل حتى القرن التاسع الميلادي كانوا يعيشون في شبه الظلمات والبدواة من حيث شحة وسائل الانتاج والمواصلات والاتصالات والمأوى والملبس والتكنيك ومن قلة عدد السكان وكذلك من ضعف وبدائية وسائل التدوين والترجمة والتخزين للمعلومات وحمايتها، وهكذا كان حال الناس في القارات الأخرى ايضا ولو بنسب مختلفة وحتى الوصول الى عصر النهضة الأوربية ابتداءا من القرن السادس عشر بانطلاقة الإصلاح الديني البروتستانتي الجريء الذكي النسبي في ألمانيا وانتشار تأثيره في العديد من البلدان الاوروبية والأمريكية الأخرى وليبدأ التسارع التدريجي للتطور العلمي والاختراعي والتكنيكي والصناعي الكبير ومن ثم الانتقال وإنارة القارات الأخرى ايضا وبشكل هائل إلى الآن.
– في هذا الصدد، وبخصوص موضوعنا، يمكن القول بأنه حتى المملكتين الشهيرتين آنذاك الساسانية الزردشتية لاحقا المانوية والمزدكية والرومانية-الاغريقية الهيلينية قبل أن تصبح مسيحية في  القرن الرابع الميلادي المتصارعتين حول مناطق النفوذ والضرائب والغنائم ولكن لم يكن صراعهما دينيا بل كان اقتصاديا سياسيا فكانتا تعاني ايضا من ذلك التخلف المذكور ولو بدرجات متباينة طفيفة بالنسبة للمجتمعات الأخرى ولم تكن تهتمان كثيرا بالعقائد او التصورات السماوية في بلاد الشام كقلب تلك التصورات طيلة قرون عديدة بل ولم تكن ادراتهما السياسية والعسكرية تهتم كثيرا حتى بعقائدهما الروحية التي كانت سلسة وبسيطة غير مؤدلجة سماويا إلاهيا وكذلك كانتا تتحاشيا الانتشار والاهتمام في وبالاقاليم الصحراوية القاحلة الرملية الجافة. إن صراعهما كان يدور بأسلحة وأدوات متقاربة بدائية وبغياب أسلحة نارية تطلق من بعد وقتها، فكان العامل الارادي والعددي هو الحاسم في المعركة والمبارزة. هاتان المملكتان المتناميتا الاطراف، الأولى، كامتداد للممالك الميدية الفارسية البارثية السابقة، كانت تمتد من حاجزي الهند والصين شرقا ومن الاقاليم التورانية شمال-شرقا وتتعرض حدودها هناك مرات عديدة خاصة لغزوات أولئك التورانيين ولكنهم كانو يفشلون/سميت وقتها بالحروب الايرانية-التورانية/ والى خطوط المواجهة مع الرومان في آسيا الصغرى وبلاد الشام غربا، وكذلك الثانية كانت تمتد على سواحل حوض البحر الأبيض المتوسط كاملة مع توغلها نسبيا في بعض الاقاليم الأوربية الأخرى شمالا وغربا ايضا ومع خط المواجهة مع الأولى شرقا، كانتا تعانيان كثيرا من قلة المقاتلين لتغطية حماية تلك الحدود والمساحات الشاسعة ولمستلزمات المواجهة مع بعضهما البعض، وهنا يبالغ كثيرا من يزعم بأنه كان هناك مئات الآلاف من المقاتلين في ساحات معاركهما.
– في هذا الاطار ولكون الرومان كانوا متواجدين منذ أكثر من ثلاثة قرون في بلاد الشام ومصر وشمال أفريقيا ولكون الديانة المسيحية النصرانية السماوية تعززت وتوسعت على حساب اليهودية السماوية الاولى هناك بين سكان الأصليين والذين كانوا مشحونيين ومتحمسين للجهاد /منه جاء لاحقا إلى الاسلام ايضا/ والتضحية الوفيرة من أجل عقائدهم وتصوراتهم الالهية السماوية ضد الغير، وجدت الإدارة الرومانية/عهد قسطينطين/ في بحر القرن الرابع الميلادي من الحنكة والدهاء أن تتقرب إلى تلك العقيدة بل وتعلنها ديانة رسمية لمجتمعها على مبدأ الناس على دين ملوكهم وقتها، وذلك لتحميس شعبها الروماني ضد الاوربيين شمالا وغربا من جهة وكذلك لكسب سكان مناطق نفوذها الشرق أوسطيين النصرانيين المتحمسين للجهاد وزجهم في خطوط المواجهة مع الساسانيين شرقا، هكذا فقد تهيئ لهم عاملي العدد والإرادة معا وبالتالي نجحو كثيرا في توسيع الفتوحات شمالا وغربا داخل أوربا وكذلك قهقروا الساسانيين إلى ما وراء نهري الدجلة والفرات شرقا من جهة ثانية. يجدر الإشارة هنا، بأن الإدارة الرومانية، ولجني هذا الناتج المثمر اكثر، أججت وعززت لاحقا المذهب المسيحي الداعي إلى ألوهية عيسى والثالوث المقدس بشكل مفرط، وذلك لتحميس وتجهيد المقاتلين بدرجة أكثر وأكثر وكذلك إلى زيادة نشره بشكل أوسع وغالبا بالعنف والحرب ضد الغير وحتى ملاحقة النصارى المنتقدين لتلك الألوهية وهروبهم إلى الساسانيين. هنا بدأ الصراع النصراني-الروماني المسيحي ثانية، أي هي كانت المسحنة، مثلها كمثل اليهودية العنفية(الهودنة) ضد الغير ما قبل السلوقية والمسيحية، وكالإسلام العنيف(الأسلمة) ضد الغير منذ النصف الثاني للقرن الثامن الميلادي.
– في النصف الثاني من القرن الخامس تقسمت الإمبراطورية الرومانية الى الغربية والى الشرقية البيزنطية/عاصمتها قسطنطينية/ وذلك لأسباب مذهبية واقتصادية وسياسية سلطوية وفي هذا السياق يمكن ملاحظة اتساع مذهب ألوهية المسيح وقتها في المناطق ألأوروبية الرومانية أكثر بكثير منها في الشرق الأوسط وذلك لأن دور اليهود النصرانيين هنا والذين قدروا عيسى كرسول فقط(وليس بقية اليهود الربانيون الذين نبذوه مع أنهم كانو بدورهم ايضا وبشكل أشد ضد البيزنطيين)  في الشرق الأوسط كان كبيرا في توعية نصارى بلاد الشام وغرب بلاد الرافدين تدريجيا في المراحل اللاحقة ضد ذلك المذهب الألوهي الشركي المفرط، حيث أقترنت المسيحية ببيزنطى وببعض اليعاقبة السريان بينما النصرانية بالمذاهب النسطورية والآريوسية والقبطية واليهودية النصرانية الايبوينية.
– بدءا من أواخر القرن السادس الميلادي أصبحت بيزنطى تتعرض لاغارات الآفاريين والسلافيين من الشمال وبدا الاهتمام والقوى البيزنطية تتوزع وكذلك أزدادت الصراعات الداخلية وتتفاقم لديها أيضا …وباختصار شديد لتبدأ وقتها مرحلة مثيرة للغاية في بدايات القرن السابع الميلادي وذلك بعودة الساسانيين لانتهاز الفرصة الموآتية في عهد الملك خسرو برويز الثاني حوالي عام ٦١٤ للإغارة على مناطق نفوذ بيزنطى في آسيا الصغرى وبلاد الشام وليتوغلوا حتى إلى القدس الحالية وبمباركة اليهود الربانيين والنصرانيين ايضا ومن ثم يقال قد جلبوا حتى صليب المصلب من هناك إلى بلادهم وكذلك توغلوا  لاحقا إلى أجزاء من مصر .
– بعد حوالي عقد من الزمن لهذا الحدث الكبير يتم لاحقا تقليد القائد البيزنطي هرقل للسلطة هناك وليبدأ من جديد بدغدغة وتحميس مشاعر المسيحيين والنصارى بشكل عام وأكثر في المنطقة ضد الساسانيين الزردشتيين( الوثنيين حسب وصفهم) المحتلين لأورشليم ومقدساتهم، فقد استطاعوا خلال سنوات معدودة بحشد الكثير من سكان النصارى المسيحيين في بلاد الشام وغرب الرافدين وضمنهم الانباط والغساسنة والمناذرة العرب معهم ضد الساسانيين المحتلين للمقدسات النصرانية المسيحية هناك بعد أن أستمالوا في المرحلة الأولى بعض الارمن والتورانيين هذه المرة من مناطق قفقاس إلى جانبهم ضد الساسانيين ومن ثم يقال بأن أولئك التورانيين قد أجبرو بعد ذلك على الرحيل من هناك والرجوع إلى ديارهم ولتتمكن القوات البيزنطية في المرحلة الثانية سنة ٦٢٢ وتحت أمرتها مسيحيي بلاد الشام وعرب الغساسنة وقسم كبير من المناذزة  القيام بهجوم واسع وشديد على القوات الساسانية وليبدأ الحدث الدرامي الهائل والذي سييؤدي لاحقا إلى قلب الموازين والأنظمة التقليدية الطويلة وذلك انطلاقا من عام الانتصار ذلك ٦٢٢ على الساسانيين والتوغل بشكل متتالي داخل أرجاء مناطقهم وأقاليمهم  إلى حوالي عام ٦٢٨ وليرحب بهم ايضا وقتها النصارى التوحيديين الملاحقين من الإدارات البيزنطية والملتجئين او المسبين مسبقا في إيران، هكذا ولتبدأ مرحلة مثيرة جدا في المنطقة:
“أيد  المؤرخ عالم الأديان الالماني كارل هاينتس اوهليغ الفرضية القائلة بأن التقويم الإسلامي الذي تم إثباته في أواخر القرن السابع، لم يكن مبنيًا على الهجرة، بل يشير إلى بداية الحملة التي قام بها الإمبراطور الروماني الشرقي هرقل ضد الإمبراطورية الساسانية عام 622. في هذه المعركة لعبت القوات المساعدة العربية المسيحية إلى جانب هرقل دورًا مهمًا في الانتصار على المملكة الساسانية، وكشكر  لذلك،  سمحت للعرب المسيحيين بتأسيس دولة فيدرالية وقتها تابعة لبيزنطى. فالتقويم الإسلامي يشير في الواقع إلى بداية تأسيس إمبراطوريتهم من قبل العرب المسيحيين، الذين حققوا بعد ذلك الاستقلال الكامل”.
 هنا يبدو واضحا بأن هذا العالم والمؤرخ الديني يذكر اسم المسيحيين العرب تحت ادارة القوات البيزنطية وليس المسلمين العرب، فالتقويم الهجري كان عائدا لانطلاقة الانتصار البيزنطي السرياني العربي المسيحي والنصراني على الساسانيين سنة ٦٢٢ وليس للهجرة من مكة إلى المدينة.
– في ذلك الوضع الجديد أمرت الإدارة البيزنطية حوالي عام ١٩٣٠ باجبار اليهود كلهم على اعتناق المسيحية أو على تهجيرهم  بحجة أنهم يساعدون الساسانيين دوما وإزاء تلك الإجراءات البيزنطية أراد اليهود التقرب بشكل أكثر مع العرب النصارى لتشكيل جبهة موحدة ضد الحكم البيزنطي هناك وقامو باعادة نشر مقتطفات توراتية وانجيلية (متى) مع إضافة سور كتابية عبرية- سريانية جديدة مختصرة ومترجمة للعربية هذه المرة ايضا لتدعو وتحرض عرب السراسين والغساسنة والانباط هناك على تحرير القدس وغيرها من نفوذ مسيحية بيزنطى المؤلهة ومن احتلالها. هنا وبعد أن  تكاثرت وتصاعدت إغارات الافاريين والسلاف من الشمال على بلاد البيزنطيين الأمر الذي حدا بهم أن يخففوا كثيرا من عدد جنودهم في بلاد الشام وبلاد الرافدين ومصر وبعض مناطق شمال أفريقيا مع الابقاء على بعض الحاميات والادارات المحدودة لتحصيل الجباية والإمدادت اللوجستية اللازمة من هناك إلى الدولة البيزنطية المركزية، فخلال تلك المرحلة نشأ فراغ بشبه غياب بيزنطي فاعل في بلاد الشام، ولتسنح الفرصة بأن يتحالف اليهود النصرانيين والربانيين مع العرب السراسين او الهاجريين او الاسماعيليين تحت قيادة محمد/ممجد ضد بيزنطى في القدس وغيرها ولينتصروا سريعا هناك سنة ٦٣٤(هكذا نصت التعاليم اليعقوبية وكتاب الأسقف الارمني سيبيوس حول تاريخ هرقل) وذلك لأن بيزنطى كانت قد أهملت الاهتمام الجيد بتواجدها في بلاد الشام ومن ثم لينشب بداية بعض صراعات قبلية مناطقية ومذهبية بين نصارى بلاد الشام والعراق وايران إلى أن تمكنت قوات مؤلفة من النصارى النسطوريين والساسانيين الذين تنصروا ايضا هذه المرة قادمة من ايران عبر حركة ممجدة لعيسى بقيادة عبدالله معاوية Maavia الساساني وغيره بالانتصار سنة ٦٥٨ اولا على حركة ابو تراب في الاقليم الساساني السابق العراق الحالي والتي كانت تعلي عيسى إلى مرتبة الاله والاعتقاد بعودته( يبدو وقتها نشأت الشيعة) وبعد ذلك استطاعت حركة معاوية الساسانية السيطرة على زمام الأمور تماما وجعل دمشق عاصمتهم وبسط سلطتهم من إيران إلى بلاد الشام والى مصر وشمال أفريقيا خلال سنوات معدودة بسهولة، وذلك لأن أغلبية سكان هذه البلدان رحبوا بخروج البيزنطيين وبقدوم السلطات الجديدة فهم كانوا نصارى نسطوريين وأقباط وآريوسيين ويهود ربانيين ويهود نصرانيين المناههضين للمذهب البيزنطي المسيحي المؤله لعيسى بن مريم وللاحتلال البيزنطي، لكن ظل الامويين النصرانيين في عهد معاوية والأسرة المروانية يدفعون الضرائب واللوجستيك لبيزنطى، هنا بدأ الساسانيون ايضا باستغلال العامل الديني النصراني ضد بقايا بيزنطى المسيحية المؤلهة في المنطقة، هنا يجدر التنويه على أن الكثير من السريان والعرب النصرانيين من بلاد الشام والرافدين المعارضين للمسيحية البيزنطية المؤلهه واحتلالها كانوا يلتجؤون إلى الساسانيين كما أن الإدارات الساسانية نفسها كانت تجلب سابقا الكثير من هؤلاء وتسكنهم في مناطق شمال شرق البلاد القليلة السكان وذلك لاعمارها ولمواجهة الغزوات التورانية المتكررة هناك، بمعنى أنه كان هناك تواجد عربي سرياني نصراني نسطوري مهم داخل المملكة الساسانية قبل ٦٢٢.
– في تلك المرحلة الأموية وفي عهد أسرة المروانيين الساسانية المنحدرة من مرو/خورسان تم عبور الامويين النصرانيين بدعوة من آريوسيي أسبانيا في مواجهة الكاتوليك هناك إلى جنوبها ايضا، وبالتالي سادت النصرانية الشرق أوسطية الممجدة لعيسى في المنطقة من ايران والى شمال أفريقيا حتى اواسط القرن الثامن الميلادي، حيث يرجح العديد من الباحثين والمؤرخين الغربيين الموضوعيين المعاصرين وفق دلائل مخطوطاتية ونقوش وآثار وعملات وشهود عيان من الارمن والسريان واليونانيين بذلك. هكذا وبعد صراع سلطوي وعقائدي بين الامويين الذين كان البعض منهم يحجون مقام او كعبة ابراهيم القائمة في وادي البكاء المقدس طوى في بكه في سيناء بيت الله الذي بناه ابراهيم بينما جعل عبدالله زبيلان(زبير) الساساني المعادي لبيعة يزيد مكة مكانا للتقديس على أساس أن مقام او كعبة ابراهيم قائمة هناك، ومن ثم تهاجم قوات يزيد بن معاوية ولاحقا قوات مروان بن الحكم مكة وتدمر الكعبة وتقتل عبدالله بن زبير/زنبيلان هناك(هكذا يقول د. مصطفى راشد عالم أزهري واستاذ قانون).
 “حيث تشير مصادر تاريخية آثارية ومخطوطات وعملات بأن أغلب قادة الامويين الاوائل كانوا من الساسانيين والعرب النصرانيين من إيران وأقليمها بلادالرافدين وليسوا من شبه الجزيرة العربية وهكذا لاحقا ايضا قادة العباسيين الاوائل الذين نادوا بالاسلام ”. يجدر التذكير هنا، بأن قسما من الساسانيين كانوا قد أصبحو مانويين نصرانيين منذ عقود عديدة قبل سنة ٦١٤ واختلطت لغتهم مع العربية والسريانية عن طريق التفاعل والمخطوطات المقدسة المذكورة سابقا، وهناك مصادر تدعي بأنه حتى خسرو برويز الثاني كان قد اصبح نصرانيا مانويا، وكان قد التجأ في نهايات القرن السادس وبداية القرن السابع إلى أحد ملوك بيزنطى عقب حركة بهرام جوبين ضده، ومن ثم بموءازرته عاد ليستلم ثانية السلطة الساسانية. وبعد أن انقلب قائد بيزنطي آخر على الملك البيزنطي المساعد لخسرو، ساءت العلاقة كثيرا بين خسرو والملك البيزنطي الجديد وكذلك سنحت الفرصة كما ذكرت سابقا للساسانيين سنة ٦١٤ بالاغارة على البيزنطيين والتوغل داخل مناطق نفوذهم حتى القدس بل وحتى أجزاء من مصر.
بالعودة الى الموضوع، ومع استمرار خلافات مذهبية وسلطوية متنوعة بين الامويين انفسهم ولاسباب ازدياد ميول المروانيين باتجاه اليهودية التوراتية خصوصا عندما امروا ببناء قبة الصخرة ككعبة للحج وكاحياء لمعبد او هيكل سليمان اليهودي وكذلك تداول نجمة داوود ورموز يهودية اخرى، فرض الخرج الباهظ على الناس، اضطهاد الزردشتيين والشيعة، وبالحاح الساسانيين على ضرورة انهاء النفوذ البيزنطي الديني والمادي المتبقي كليا قد أدى ذلك كله الى بروز قوى ساسانية غالبة بقيادة ابو مسلم خورساني وابراهيم عبدالله عباس الأخ لكل من السفاح وابو جعفر منصور ولتنطلق من إيران واقليمها بلاد الرافدين مجددا في النصف الأول للقرن الثامن الميلاددي(القرن الثاني الهجري) كتكملة للحركة المسبقة لعبدالله زبيلان(زبير) الساساني المعادي للامويين ولتبسط بالعنف والترغيب معا سلطتها تدريجيا من هناك وإلى كامل المنطقة ولكن هذه المرة باسم المعتقد الاسلامي الأقرب إلى التصورات اليهودية النصرانية والمانوية الزردشتية-البوذية والمندائية، والاسلام يعني الكمال والتمام سليم من العيوب: من الكلمة الآرامية شليما، وبالعبرية كمال سليم،  وذلك لتزايد تعقيدات الفرق والمذاهب المسيحية النصرانية وبالتالي للتخلص من تلك التسمية المسببة منذ عقود طويلة لتلك التعقيدات الايديولوجية الدينية، وللرغبات الساسانية الحثيثة المنتقمة لبيزنطى بغية انهاء نفوذها الديني المسيحي الألوهي والمادي كليا في المنطقة وكذلك لإظهاره كدين جديد سليم من تلك الاختلافات والشقاقات المسيحية واليهودية النصرانية وبتسمية جديدة الاسلام  وليقوم المسلمون باختيار منطقة  هامشية محايدة مكة كمركز للتقديس والحج لابعاد شبهات الخدعة عنها بحيث لا يخلق شكوك حول الاسلام كأنه صنيعة سياسية ايرانية ولاعادة وتكملة لحركة عبدالله زبيلاني سابقا بجعل مكة بوجود كعبتها لذلك الاختيار/ على شاكلة معبد او كعبة نوبهار او ربيع الجديد في بلخ-خورسان والتي كان الزردشتيون أو البوذيون يحجون إليها سابقا ويلفون دورانا حولها ويطوفونها/ واعتبار القائد المنتصر سابقا في القدس محمدا نبيا للاسلام وكذلك إضافة سور مختصرة جديدة إلى المقتطفات المنشورة سابقا وإيجاد سردية خلفية عائدة إلى الانطلاق او البعثة من العقد الثاني للقرن السابع وفق الرواية الاسلامية المتعارف عليها واعتبار قرآن الكريم كتاب الاسلام وليتم لاحقا تقبل الناس بشكل متزايد وبقناعة كاملة عميقة به ودون الاهتمام الكبير من وقته بالشعوبية وبالاديان والمذاهب السابقة، هكذا فقد ظلت أقلية فقط من الناس المسيحيين في المنطقة تتبع تعاليم عيسى، وكذلك بقي عدد محدود من الساسانيين يتبعون العقيدة الزردشتية بينما الاغلبية العظمى من النصارى الساسانيين والعرب والسوريين والمصريين والامازيغ في شمال افريقيا والاندلس أتبعت الدين الاسلامي الجديد.
 “هنا يذكر العلامة الشهير المرحوم د. سعيد رمضان البوطي في كتابه ربما للسنة الثانية في الجامعة-قسم الشريعة بما معناه أحد الأسباب الرئيسية لتركيز الاسلام على مناطق مكة والمدينة هو كونها مناطق محايدة بعيدة عن صراعات الإمبراطوريات التوسعية المصلحية”.
وقد اعتمد العباسيون المسلمون لاحقا بعد انطلاقتهم من إيران الساسانية وعبر بلاد الشام على ذلك المبدأ، ولكن دشنوا عاصمتهم في بلاد الرافدين/بغداد وأحيانا سامراء او في خراسان في عهد مأمون الرشيد/ وقد حصل نوع من الازدهار والتدوين والترجمة نسبيا لعلوم معينة من اليونانية وبرز علماء ساسانيون مثل ابن سينا وجابر بن حيان وسيبويه…وغيرهم، وفي هذا الاطار يمكن القول بوضوح بأن أغلب أعمدة عملية نشر الاسلام المبكر والاوسط والعلماء كانوا قادة ساسانيون متنصرون مانويون من إيران الساسانية والاقاليم السابقة التابعة لهم كبلاد الرافدين وافغانستان وطاجكستان وتركمانستان واوزبكستان الحالية، وقد تجلى ذلك واضحا ايضا من خلال كون أغلب فقهاء المسلمين العباسيين كانوا ينتمون لتلك البلدان ولتلك المرحلة مثال الطبري، الترمذي، البخاري، مسلم… وغيرهم.
هنا، يجدر الإشارة الى تسمية دعوتهم بالعباسية نسبة الى القائد المذكور ابراهيم عبدالله عباس/الساساني/ وذلك بعد مقتل القائد الابرز ابومسلم خورساني على يد أنصار السفاح اول خليفة عباسي ومن ثم بعده اخيه ابو جعفر منصور الخليفة الثاني.
هكذا وباختصار شديد ليتم بناء النظام الاسلامي وليمر المسلمون في مراحل متتالية لاحقا، ولا أرغب هنا في عرض التفاصيل الواسعة المتشعبة الأخرى بخصوص الرواية الاسلامية التقليدية حول الاسلام المبكر واللاحق، حيث لم تتوفر وثائق وشهادات كثيرة دقيقة صائبة من تلك العصور سوى الاعتماد على الأبحاث العلمية المادية المعاصرة الدقيقة وعلى الاجتهاد والاستنتاج المعقولين المنطقيين، فما يهمني كوجهة نظري هذه، هو التدقيق والبحث عن كيفية التوغل البيزنطي الأخير الساحق في ٦٢٢ ميلادي في بلاد الساسانيين وعن ظروف تحول غالبيتهم اولا إلى النصرانية المناوئة للمسيحية البيزنطية المؤلهة ومن ثم أخيرا إلى قيادة حركة نشر الاسلام المبكر والاوسط بغية انهاء النفوذ البيزنطي العام كليا في المنطقة، هكذا وليعم لاحقا الفوضى وفرملة الازدهار عقب الغزوات السلجوقية والمغولية.

One Comment on “تكملة ٣: بصدد التحول الساساني النصراني ثم لاحقا الريادي الاسلامي- جان آريان-ألمانيا ”

  1. تحية طيبة
    منذ عدة أِشهر قرأت مقالأً لك عن هذا الموضوع وقد أعجبني كثيراً إهتمامك به فشعبنا الكوردي لا يعلم بأنه هو الساساني والفرسي وكلهم ينكرون لي هذا القول بل أنا شبه مهمل ثقافياً بسبب الساسان الذين هم الداسنيين الئيزديين المتبقين اليوم ، أما مسألأة سقوطهم فالأمر مختلف جداً عما يقوله المؤرخون المسلمون وللأسف معظمهم ساسانيون أسلموا وإستعربوا وحتى اليوم يدعون أصولاً عربية ,
    لقد كشفت عن الكثير من الحقيقة المخفية لكن رأس الحية لم تدركه بعد, الدولة الساسانية سقطت من الداخل قبل هجوم العرب وحلفائهم المسيحيين عليها
    الصدمة الكبرى في 622 هي هجرة الرسول وولادة الدولاة العربية وليست حروب هرقل , منذ 602 عندما قتل القيصر موريس حمو خسرو برويز في ثورة داخلية قادها فوكاس, وكانت العلاقات بين الدولتين قبل ذلك التاريخ ممتازة جداً بفضل سياسة أنوشيروان العادل, لكن بعد مقتل موريس إندلعت الحرب بينهما فأضطربت أحوال البيزنطينيين كثيراً وقتل فوكاس في ثورة إرتدادية قاده هرقل , لكن الأمور ساءت أكثر حتى إجتاح خسرو برويز بلاد النصارى في فلسطين وسوريا وحتى قسم من تركيا ولم يستطع هرقل أن يفعل شيئاً , لكن الطابور الخامس المسيحي كان قد نخر في رأس السلطة الساسانية بواسطة رئيس المؤمنين المسيحيين ئيزدين الآشوري الذي إنتحل إسماً ساسانياً وسمّى إسم إبنه قورطا (كوردو) فعاث في الأسرة الحاكمة وبالتعاون مع زوجة خسرو برويز (مريم البيزنطية المسيحية بنت القيصر موريس) ضد ضرتها شرين المشهورة فدبروا مكيدة للقائد المنصور لدى عودته من حروبه الناجحة التي دمر فيها عدداً كبيراً من الأديرة وإنتقاماً منه فالقوا القبض عليه غفلة فور عودته من قبل إبنه مردانشاه وقورطا إبن ئيزدين في 5 شباطا 628 وغفلةً طعنه قورطا المسيحي وقتله وهو مغلول في سجنه , وإندلع قتالٌ داخلي قتل في 17 من أولاد وأحفاد خسرو برويز بينهم أولاد شرين الأربعة هذا عدا الأعمام وأولاد الأعما م وحدثت إثنا عشرة ثورة بدل أو قتل فيها 12 شاه خلال 6 سنوات من الإقتتال داخل العائلة المالكة
    وبإختصار الساسانيون لم يُناصرو المسيحيين ولا النصارى ولا أسسوا الإسلام
    وشكراً على هذه المقالات التي يجب أن يعرفها الجميع

Comments are closed.