صراع العملات في العراق: استعادة دور الدينار في الحياة اليومية – عبدالله مثنى

كاتب وصحفي عراقي

على مدى العقود الماضية، شهد الاقتصاد العراقي ظاهرة الدولرة المتفشية، حيث باتت العملة الأمريكية الدولار هي المسيطرة على معظم المعاملات اليومية للمواطنين، على حساب العملة المحلية الدينار العراقي. هذا الاتجاه له انعكاسات اقتصادية واجتماعية واسعة النطاق على المجتمع العراقي، حيث يشكل تحديا كبيرا أمام استقرار النظام المالي والنقدي في البلاد.

تراجع دور الدينار العراقي في المعاملات اليومية

إن انخفاض الثقة لدى المواطنين بالدينار العراقي كوسيط للتبادل والادخار هو أحد أبرز التحديات التي تواجه استخدامه في الحياة اليومية. ويعود ذلك إلى عوامل تاريخية عديدة، أبرزها تدهور قيمة الدينار بشكل كبير خلال العقود الماضية نتيجة لسياسات اقتصادية متباينة ومعدلات تضخم مرتفعة. هذا الأمر دفع المواطنين للجوء إلى الدولار الأمريكي كملاذ آمن للحفاظ على قيمة مدخراتهم وإجراء معاملاتهم.

علاوة على ذلك، فإن ربط رواتب الموظفين والأسعار السلعية والخدمية بالدولار أدى إلى انتشار التسعير المزدوج وتراجع الثقة بالدينار العراقي كعملة رسمية. فالمتعاملون يفضلون إجراء المعاملات بالعملة التي ترتبط بها الأجور والأسعار. كما أن محدودية توفر السيولة بالدينار في المصارف والأسواق، وصعوبة إجراء المعاملات الكبيرة بها، يزيد من تفضيل المواطنين للدولار الذي يتوفر بسهولة أكبر.

علاوة على ذلك، فإن ضعف البنية التحتية للنظام المصرفي والمدفوعات الإلكترونية في العراق يشكل عائقا أمام استخدام الدينار في المعاملات اليومية. فانتشار الخدمات المصرفية الرقمية والتحويلات الإلكترونية ما زال محدودا، مما يدفع المواطنين للتعامل بالنقد وتفضيل العملة الأكثر سيولة وهي الدولار.

التداعيات الاقتصادية والاجتماعية لتفضيل الدولار

إن اتجاه المواطنين المتزايد نحو التعامل بالدولار له آثار سلبية كبيرة على الاقتصاد الوطني. فهو يؤدي إلى تآكل قيمة العملة المحلية وارتفاع معدلات التضخم، مما يضعف القدرة الشرائية للمواطنين وينعكس سلبا على مستويات المعيشة.

كما أن الطلب المرتفع على الدولار يزيد من الضغوط على احتياطيات البنك المركزي من العملة الصعبة، ويقلل من قدرته على إدارة السياسة النقدية بفاعلية. فارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الدينار يؤدي إلى ارتفاع تكاليف الواردات وتفاقم عجز الميزان التجاري، الأمر الذي ينعكس سلبا على الموقف التنافسي للصادرات العراقية.

علاوة على ذلك، فإن تفضيل الدولار قد يؤدي إلى تشوهات في هيكل الأسعار وتشجيع ممارسات الاحتكار والمضاربة على العملة. وهذا ما يضر بالكفاءة الاقتصادية ويفاقم من حالات عدم المساواة في المجتمع، حيث يستفيد منه فئات محددة كالأغنياء والتجار والمضاربون على حساب الطبقات الأكثر فقرا.

الحلول المقترحة لاستعادة دور الدينار

لمعالجة هذه التحديات، هناك عدة سياسات واستراتيجيات يمكن للسلطات النقدية والمالية في العراق اتباعها:

أولا، تعزيز ثقة المواطنين بالدينار العراقي من خلال الحفاظ على استقرار قيمته والحد من معدلات التضخم. ويتطلب ذلك اتباع سياسات نقدية وحكومية تكفل استقرار الأسعار وقيمة العملة على المدى الطويل. كما يجب تحسين البنية التحتية للقطاع المصرفي وتطوير أنظمة الدفع الإلكتروني لتسهيل استخدام الدينار في المعاملات اليومية.

ثانيا، تشجيع المؤسسات الحكومية والشركات على استخدام الدينار في معاملاتها وتقديم الحوافز للمتعاملين به. ويمكن أيضا فرض قيود على التعامل بالدولار في المعاملات المحلية وتحديد سقوف له. كما يمكن إصدار تشريعات تلزم الحكومة والشركات بتسعير السلع والخدمات بالدينار.

ثالثا، تعزيز الشفافية والرقابة على سوق الصرف الأجنبي لمنع ممارسات المضاربة والاحتكار، وضمان توفر السيولة بالدينار للمواطنين بأسعار عادلة. كما يجب معالجة التشوهات في سوق الصرف وضمان عدم تدخل جهات غير مرخصة فيه.

رابعا، تنفيذ برامج للتثقيف المالي والتوعية المجتمعية الواسعة بأهمية استخدام الدينار وتعزيز الولاء له لدى المواطنين. ويتطلب ذلك تضافر جهود الحكومة ووسائل الإعلام والمؤسسات التعليمية والمجتمعية لنشر الوعي بأهمية هذا الهدف الوطني.

إن معالجة ظاهرة الدولرة في المعاملات اليومية والتفضيل المتزايد للدولار على الدينار العراقي تمثل تحديا كبيرا أمام السلطات النقدية والمالية في العراق. ويتطلب ذلك جهودا متكاملة على صعيد السياسات الاقتصادية والنقدية والتشريعات والتوعية المجتمعية، بما يضمن استعادة الثقة بالعملة المحلية وتعزيز دورها في الحياة اليومية للمواطنين. وهذا أمر بالغ الأهمية لتحقيق الاستقرار الاقتصادي والنقدي في البلاد وضمان التنمية المستدامة على المدى الطويل.