بعد الانفلات الامني الذي عم العراق منذ تحريره/ احتلاله عام 2003، وغياب سلطة القانون وانتشار الحركات التكفيرية التي تحلل دماء واموال المسيحيين والاقليات الاخرى غير المسلمة، لم يكن امام المسيحيين، حفاظا لارواحهم، سوى خيار وحيد لا غيره وهو ترك البلد، اما الى دول الجوار او الالتجاء الى اقليم كوردستان، ونتيجة لذلك هجر وشرد ما يقارب من مليون مسيحي من العراق.
ما يثير الخوف والاستغراب لدى المسيحيين اليوم وبعد مرور ( 21 ) عاما على اسقاط النظام العراقي السابق، لیس الحرکات التكفیریة ولا المیلیشیات المسلحە فقط، ولا التلكؤ في حمايتهم واشعارهم بالامان، بل التعمد باصدار قوانين وتشريعات تسلب ارادتهم وتقيد حرياتهم، وكأن السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية في العراق الجديد! مصممة على اجبارهم لترك بلد الاباء والاجداد باسرع وقت ممكن. فبقرار سياسي مخالف للدستور مجحف بحق المسيحيين والاقليات الاخرى حكمت المحكمة الاتحادية العليا بالغاء المقاعد المخصصة للاقليات في برلمان اقليم كوردستان، وبقرار سياسي ايضا واكثر اجحافا بحق المسيحيين قررت الهيئة القضائية للانتخابات تخصيص ( 5 ) مقاعد برلمانية للمكونات في اقليم كورستان بواقع مقعدين في محافظة اربيل ( واحد للمسيحيين والاخر للتركمان ) ومثلهما في السليمانية ( واحد للمسيحيين والاخر للتركمان ) ومقعد واحد في محافظة دهوك مخصص للارمن.
الغاء مقاعد الكوتا في برلمان اقليم كوردستان بقرار من المحكمة الاتحادية العليا التي تعتبر قراراتها باتة وملزمة للسطات كافة حسب المادة ( 94 ) من الدستور العراقي النافذ، ومن ثم اعادتها من قبل الهيئة القضائية للانتخابات بصورة منقوصة حيث خصمت ( 3 ) مقاعد من المسيحيين ( الكلدان السريان الاشوريين ) وتوزيعها بطريقة الغائية دون مراعاة التوزيع السكاني لابناء هذا المكون حيث حرمت ابناء محافظة دهوك من هذا المكون من تمثيلهم العادل والمشروع في برلمان اقليم كوردستان يعتبر اجحاف كبير بحق المسيحيين وبنفس الوقت تهميش لمكون اصيل بمبررات قانونية باطلة، علما ان الاغلبیة الباقیة فی الوطن من ابناء هذا المکون تسکن محافظة دهوك.
كان على الاحزاب السياسية المهيمنة على السلطة والحكم التي تدعي الديمقراطية وتنادي بمبدأ الشراكة في الحكم، عدم اذلال ابناء المكونات اكثر واخضاعهم لاتفاقيات سياسية تجري خلف الكواليس هدفها سلب ارادة المكونات اصحاب الكوتا بتمثيل صوري ببضعە اشخاص انتهازیین بعیدون عن الهم القومي والدیني، وفی نفس الوقت کان على المحاکم والهیئات القضائیە العمل بحرفیة وشفافیة واستقلالیة تامة دون الخضوع لاراء وقرارات الاحزاب والسیاسیین المتسلطین على رقاب الشعب وعدم تهمیش مکون اصیل بقرار مسیس، فلو کانت المحکمة الاتحادیة العلیا محایدة ومستقلة فی اتخاذ قراراتها کما ینص الدستور لما خالفت الدستور بالغاء مقاعد الکوتا فی برلمان اقلیم کوردستان لان الدستور ینص ویستوجب مراعاة التمثیل البرلماني للمكونات، واذا کانت الهیئة القضائیە للانتخابات تراعي هذا التمثیل الدستوري والمشروع لما کانت تعمد الى تقلیص مقاعد الکوتا وتوزیعها بلا عدل على محافظتي اربیل والسلیمانیة بالتساوي تماشیا مع مصالح احزاب السلطة فی اقلیم کوردستان وارضاءا لرغباتهم السیاسیة المتمثلە بالسیطرة على هذه المقاعد عبر التوابع بطریقە قانونیە، فاذا كان المقعد البرلماني يكلف هذه الاحزاب عشرات الالاف من الاصوات عبر القاسم الانتخابي المعمول به فان الفوز بنفس هذا المقعد البرلماني من خلال كوتا المكونات يكلفها بضعة الاف من الاصوات، وبذلك تفرغ الكوتا من معناها الحقیقی وتلغي الهدف الذي من اجله خصصت هذه المقاعد، بل کان من الواجب والمفروض على هذه المحاکم والهیئات مناصرة المهمش المظلوم وان تنصت الى صوت الشعب ومطالیب احزابه الحقیقیة فی حصر التصویت لمقاعد الکوتا بناخبي المكون فقط وتخصیص مراکز ومحطات انتخابیة وورقة اقتراع خاصة بناخبي الکوتا ليكون التمثيل حقيقيا وليس صوريا.
وجود الكوتا من عدمها او الغائها سيان بالنسبة للمسيحيين وقضاياهم المصيرية، لانها لم تستطع حتى الان تحقيق ولو جزء يسير من امنياتهم المحطمة، بل بالعكس من ذلك تماما كانت وسيلة لتفريقهم وتشتيتهم من خلال الصراع على هذه المقاعد البرلمانية من قبل تجار القضية وسياسيي الصدفة، اضافة الى تأسيس مزادات سرية تباع وتشترى فيها هذه المقاعد لتنفيذ مخططات الاحزاب المتنفذة عبر تحقيق مصالح وطموح بضعة اشخاص انانين لا يهمهم من قضية المسيحيين سوى الدراهم التي تدخل جيوبهم.
صرخة:- لا لكوتا مشلولة تسلب ارادتنا وتمحو وجودنا.
كوهر يوحنان عوديش