مصدر:National Geographic
موضوع الوطن ينطوي على البداهة لدى أكثر الناس، لكن تعرض هذه البداهة وفهمنا للوطن والوطنية الى تزييف، وما أكثرها حول العالم انطلاقا من مصالح ايدولوجية شريرة ٠ مع أن الوطن والوطنية قد تبدو للبعض معاني بديهية، كأنها مجرد شعور الانسان بالانتماء لبقعة جغرافية معينة لها كيان سياسي٠ لكن مع ذلك تختلف الآراء والرؤى حول هذا المفهوم في حياة المواطن٠الوطن هو الكيان الذي يوفر لمواطنيه الحق في الأمان، الحرية، والكرامة، لكن كيف يبدو عند فقدان المواطن الشعور بهذه المعاني، في الدول المتقدمة هذا المفهوم يتضمن حفظ الحقوق لدى المنتمين للوطن ، لكن السلطات المستبدة تسعى الى تحريف المعاني الحقيقية لهذا المفهوم، مما يضمن خدمة بقاء أجندتها وإختزال الوطن لوجودها٠فتتشوه الوطنية وتستخدم كفزاعة في وجه كل من يخالفها ويعارضها٠هل يمكن أن يجتمع الخوف والوطنية ؟ لان الوطنية تحمل في عمق معناها الشعور بالأمان في المكان الذي ينتمي اليه ، وماهي المعايير الحقيقية للوطنية ؟ وكيف تتحقق ؟ وما معنى الانتماء والهوية والوطنية في الدول الديموقراطية؟ ان كان (الوطن هو المكان الجغرافي، الاجتماعي، التأريخي، الثقافي الذي ينتمي اليه الانسان أو قد تكون جماعة من الناس تعيش حياة مشتركة في إطار هذا الحقل) ٠ فاذا كان الوطن كذلك فأنه يخلق لدى قاطنيه والمنتمين اليه الشعور بالحب لهذا الوطن، والشعور بحب الوطن هو بناء اللحمة الوطنية وهي مرحلة الانتقال من الوطن الى الوطنية، لانه يبلور شعورنا بالانتماء والكرامة والالفة، الأمان، والحرية وأهم صفة هي (الثبات) على أرض لا يقال لك أخرج من هذا البلاد فانت لاتنتمي اليه٠ أي إعتداء على الوطن (وما أكثر الطغاة في التأريخ حكموا بلدانهم بالنار والحديد وتبعثرت شعوبهم هجرت عقولهم أثر الظلم والقمع ) وأي نوع من الاعتداء على الشعور بحب الوطن هو أعتداء على الوطن بحد ذاته، وهذا الاعتداء يقتلع من المواطن المليء بمشاعر الوطنية مفهوم الوطن٠
الوطن ومفهوم الانتماء
رغم إن فكرة الوطن لم تذكر بالمعنى الحقيقي في التأريخ، بل كانت تعرف تبعا للمنطقة الجغرافية والمكان الذي عشت وتربيت فيه، فيقال موطنه الصحراء، أو استوطن الجبال … الخ . لكن الوطن بمعنى اليوم لم يتم ذكره ولم تكن هناك فكرة علاقة الوطن بحق المواطن، لكن اليوم ألوطن بمعزل عن الدولة لايمكن تخيله وطناً … لماذا ؟ لان الوطن من حيث المكان ليس مكاناً جغرافياً فقط، بل هو (مكان أجتماعي، ثقافي، سياسي، أخلاقي، إقتصادي و أيدولوجي يتبع مؤسسة الحقوق قولا وقانونا وهو الذي يعيش فيه المواطن) لذا كل مكان يعيش فيه الانسان بوصفه ليس مواطناً وإن طال الأمد و إن حقق ما حقق فيه، ليس وطناً بالمعنى الفلسفي للوطن و كل مكان لاينطوي على فكرة الحق والقانون والدولة والجنسية ليس وطنا بالمعنى المطلوب،
ماهي العوامل التي تنفي فكرة الوطن ؟
- على ماذا تستند فكرة الوطن؟ فكرة الوطن تتبلور تبعا للعلاقة الحضارية الإيجابية بين السلطة والمواطنين٠
- الوطن لاتكون الايدولوجية شرطا للانتماء للوطن
- يجب أن يتمتع بالتنوع الايدولوجي والمفاهيم لان الوطن كطبيعة بشرية مبنية على الاختلاف
ونقصد ًبـ ذلك الاختلاف الديني، الطبقي ( برجوازي، وسطى، عاملة) ، الفئوي (فلاحين، مدرسين، تجار …الخ)، الاختلاف العرقي وهذا إختلاف طبيعي في البلدان ونزع الاختلاف يعني نزع مفهوم الوطن ٠
- الوطن يختلف عن أي مكان آخر يقطنه الانسان لأنه يربط بين الوطن وحق المواطن ، لذا يختلف بالنسبة للمواطن عن جميع الأوطان الأخرى
- العامل الذي يسلب الفرد وطنه عندما يفقد (الأمان) في وطنه كنزع الاختلاف و نزع الأمن والحرية، حينئذٍ لايعد وطناً ٠
- الوطن يولد المجتمع الوطني الحر الذي يرسم صورة الدولة ونظامها ونمط هذه الدولة والمجتمع المدني، الأهلي، والسياسي الذي يعبرعن ذاته ولا يمكن إخضاع الدولة لايديولوجية واحدة لان المجتمع الصحي والمتطور هو المجتمع الفكري التعددي
الذي يعبر عن آماله وأيديولوجياته ويشارك البناء الحضاري التأريخي المشترك للارتقاء بالوطن
- دولة الوطن هي دولة جميع المواطنين٠ وتتميز بسلطة الدولة وفي غياب هذه السلطة يصبح الوطن دولة السلطةً
لماذا تهجر الأوطان؟
لماذا يهاجرالانسان الوطن ؟وهل هجرته عن قناعة وهل يترك الوطن رغبة منه؟ أو إن الشعور المعذب لديه يدعوه مغادرة الوطن، لان الحياة فيه باتت غاية في الصعوبة، وقد لاتكون الهجرة المحفوفة بالمخاطر والموانع والصعاب حلاً وتقود الى مستقبل مجهول٠ لهذا قلما يهجر المواطن وطنه بملىء إرادته ورغبةً منه، بل انه يغادرالوطن الغالي عنوة، وعدم تحمله الموت والظلم والخوف على حياته ومصالحه ليلجأ الى عالم آخر مختلف جغرافيا، ثقافيا، ومعرفيا، ولغة٠ علما أن العلاقة بين الوطن واللغة أقوى علاقة (فلا وطن بلا لغة، ولا لغة بلا وطن)، مغادرة البلدان يجعل الانسان يعيش في مكان وزمان مؤقتين، وعينه على الرجوع يوما ما، لانه من الصعب التحرر من فكرة أن بلاده هو المكان اللائق به من حيث الثبات والديمومة ٠ من أسباب ترك الوطن عنوة : الحروب، الضعف الاقتصادي، الاضطرابات السياسية، الكوارث الطبيعية و لاننكر الحالات الاعتيادية والاختيارية التي تدفع الانسان لهجرة الأوطان، كالبحث عن ثقافات وأماكن جديدة أوالتجارة و الدراسة وتحقيق أهداف لم تسنح له في الوطن٠
أهم أسباب هجرة الأوطان
الحروب أحد أهم الأسباب الهجرة ومضاعفاتها تدمير بشري، إقتصادي و حضاري و شل البنية التحتية للبلاد٠ على سبيل المثال تدمير الحي الذي ترعرعت فيه او القرية، المدينة التي كنت تقطنها وليس هذا فقط بل ما يرافقه هذا التدمير وهو التدمير الايدولوجي لمفهوم الوطن والوطنية وهو أسوأ أنواع التدمير ويعني الحديث عن الوطن إنطلاقا من ايدولوجيا تبرر تدمير الوطن وتبرر العيش في وطن آخر داخل اسوارلايستطيع الانسان فيه تنفس هواء الحرية ٠ وقد يدعو الدكتاتور أو الطاغية بعد حين مواطنه الرجوع تحت سقف الوطن أو لحضن الوطن، ولكن ليس له سقف انه فضاء حر يسمح لاجنحة مواطنيه بالتحليق في فضاء الحرية داخل الوطن. سوف تكون الصورة معكوسة إن كان للوطن سقف لانه يعني جملة الأوامر والقوانين القصرية التي تفرضها السلطات المستبدة الجاثمة على صدر الوطن٠ أما حضن الوطن (الحضن) هو المكان الحميم والأمين (كحضن الام) أو (حضن الاب) عندما يحضن ابنه خوفا عليه وهو الذي يخلف لنا الشعور بالسعادة والأمان ولكن إذا أصبح الوطن مصدر خوف وتهديد لم يعد حضنا ٠
معاييرالوطنية
للوطنية معايير وخرقها يعني الاعتداء على الوطن٠ الوطنية حب بكل ما ينطوي على الحب من قيم وأخلاق٠
بعض الأمثلة على معايير الوطنية:
- قيادة الاوطان خلال العلم والمعرفة
- أن يسمح للأداب أن تقول قولها شعرا ، رواية، ومقالا، ومسرحية
- الوطنية إنتماء للجميع رغم الاختلاف
- عدم عزل الوطنية عن الحرية
- التعصب للوطنية بكل أشكاله ليست وطنية
- الوطني الذي يختلف في وطنيته ليس أقل قيمة فالوطن إختلاف متعدد الجوانب
- التعصب الاصولي ليست وطنية
- الدكتاتورية ليست وطنية
الفاضلة خديجة مسعود كتاني المحترمة
تحية
أحسنت كاالمعتاد.
للاطلاع:
“الوطنية إنتماء للجميع رغم الاختلاف”. أظن مقولة: الدين لله والوطن للجميع للزعيم الوطني المصري الراحل سعد زغلول.
محمد توفيق علي
الاخ القدير محمد توفيق علي
كل الشكر والأمتنان على الرد الجميل والملاحظة القيمة لطالما حضرتك حريص على إبداء الملاحظات الاملائية وأخطاءها دمتم بصحة وسلام