ان بناء الأنسان الأيزيدي الجديد يحتاج الى بصيرة مدركة وأفراد صالحين. من السهل إعادة بناء المجمّعات والنواحي في حوض جبل شنكال، وشنكال نفسها وجعلها من المدن الحديثة. ولكن من الصعب بناء الأنسان أو إعادة بناءة لو افترضنا جدلا انه كان في أتم حالاته قبل الفرمان. وياليت المهتمين بالشأن الشنكالي يتخذوا شعار: (بناء الأنسان قبل البنيان).
وهذا يعني التركيز على تنمية وتطوير قدرات الفرد وتوجهه نحو الاعتماد على ذاته، وإيجاد الحلول الفردية التي تصب في مصلحة الجماعة. ويكون الاستثمار في القيم والأخلاق.
وهنا أود أن انبّه شبابنا بما قاموا به في العام الأول من الفرمان، وأقول لهم عليكم إعادة المحاولة من جديد، ولتكن لشريحتكم الدور الأكبر في تسيير أمو مجتمعكم، دعكم من المناصب والوظائف القيادية، فقط كونوا يدا واحدة، واعملوا معا وسترون نتائج اعمالك يتحدث بها القاصي قبل الداني. عليكم التنظيم غير الرسمي والالتفاف على بعضكم وتنفيذ تلك الأفكار الخيّرة التي تنتظر الفرصة المناسبة لتخرج الى النور.
يقول عالم الاجتماع ديفيد برين بما معناه:
“المجتمع شيء نمارسه معا، وليس حاوية فضلات”. في مقالتي السابقة التي تطرقت الى بعض الظواهر السلبية في المجتمع الأيزيدي الألماني، علق على مقالتي صديق طيب الذكر قائلا:
“التحدث عن المشكلة دون التطرق للحلول لا تجلب نتيجة مع إني التمست حقيقة ما كتبه استاذ مراد”. وربما نتيجة هذا التعليق تطرقت لبعض الحلول الممكنة هنا في هذه المقالة رغم أنني اجبته على تساؤله ويمكن قراءة المقال، وكذلك التعليقات في صفحات ومواقع عديدة ومنها أيزيدي 24 وعلى الرابط التالي:
https://www.facebook.com/Ezidi24.news
يمكن الاستفادة من حكم وتضحيات اقرانكم اثناء الفرمان، تذكروا اقوالهم وتضحياتهم من اجلكم، لترتاح ارواحهم، ويتيقنون ان تضحياتهم من اجلكم لم تذهب سدى، وسأنثر على اسماعكم في نهاية المقال جزء يسير من أمر وأقوال الأسطورة خيري الشيخ خدر.
المجتمعات الأيزيدية والمجتمع الشنكالي:
سبق لي الكلام عن المجتمعات الأيزيدية في كتابات سابقة، وقلت في أي مكان يتجمع فيه الأيزيديون يكوّنون مجتمعا خاصا بهم يحمل طابعا خاصا، بالإضافة إلى بعض صفات وخصائص البيئة المحيطة. وتلك المجتمعات تختلف عن بعضها قليلا أو كثيرا، يمكن تقسيمها حسب مواقعهم الجغرافية، فالمجتمع الأيزيدي في تركيا يختلف عن ذلك الذي يعيش في سوريا والمجتمع الأيزيدي العراقي بشقيّه الشنكالي والولاطي يختلف عن ذلك المخلوط من أماكن ودول عدة، والذي يسمى بالمجتمع الأيزيدي الألماني.. وهكذا.
والمجتمع الشنكالي كما لا يخفى يتكون من قرى ومجمّعات شمال الجبل، وتلك التي في الجبل، وكذلك التي تقع في جنوب الجبل، إضافة إلى مركز القضاء والنواحي القرى والمجمعات والمزارع الملحقة بها، ويمكننا أن نطلق على مكان المجتمع الشنكالي بـ (حوض جبل شنكال) ويعيش مع الأيزيديين أقوام وملل ومذاهب أخرى من المسلمين والمسيحيين منذ مئات السنين. رغم تناقص عدد أخوتنا من المسيحين وهجرهم وهروبهم إلى أوربا أسوة ببعض الأيزيديين، وقد سبقوهم في ذلك اليهود مع الأسف.
محاولة خسف المجتمع الشنكالي:
ولا شيء يدمر مجتمعا، أو شعبا بالكامل ويلغيه مثلما يصدر بحقه من مجتمع أو شعب أو حكومة أقوى منه بمراحل، فرمانا يقضي بإبادته عن بكرة أبيه.
وقد بلغت الفرامين الصادرة بحقنا نحن الأيزيدية حتى وصل عددها الأربع والسبعون (74) فرمانا إن لم يكن أكثر. وربمّا كان أكثر تلك الفرامين إيلاما هو فرماننا الأخير.
ولم يستسلم الشعب الأيزيدي يوما، ولن يستسلم هذه المرة أيضا. ومن الدروس الفلسفية المهمة في الحياة التي استفدت منها شخصيا، عندما كنت محاصرا في الجبل في الأسبوع الأول من الفرمان هي دروس صديقي خيري الشيخ خدر الذي كنت بصحبته. فقد كان يقول:
” إن هذا البلاء ليس اختيارا. علينا أن نجعل منه، وكأنه عمل موكل إلينا. كأنه عمل يدوي نقوم به بجهود بدنية برغبة إعادة بناء ما دمر.
والحيلة الأولى في القيام بالأمر تكمن في ألا يظن أحدكم بأنه أفضل من الآخر، حتى لو كان شيخا أو أميرا. فما أنتم سوى ناجون من براثن الشرّ كما كان دأب أجدادكم في كل فرمان.
وفي الوقت الذي يفكر أحدكم إنه ناج عليه أن يدرك بأنه أيزيدي أيضا، وهذا سيعطيه دافعا أقوى في البدء بالبناء. وإن أراد أحدكم أن يتقن عمله (مهما كان نوع ذلك العمل الذي يقوم به) من الأفضل ألا يخرج من محيط أسرته، فليتعرف على أسرته مثلما تعرّف على ذاته، وذلك سيعطيه طاقة إضافية ليستمر فيما يفعله.
الجميع غسلوا أيديهم منكم؛ كي يتسنى للعدو أن يبيدكم، ولكن هذه ليست المرة الأولى، ومن الأفضل أن تجيدوا ما تفعلوه، وتتقنوه جيدا.
قد يكون أهاليكم مشتتين هنا وهناك، لذا عليكم أن تركزوا على أولئك الذين خلصوا أرواحهم وهم الآن في المدن الآمنة لتلتحقوا بهم، والخطوة الأولى لذلك أن تحافظ على خطوتك الأولى هنا، وتبدأ من هنا إذا أردت أن تكون هناك.
ستؤدون واجبكم نحو أنفسكم وعوائلكم ليس لأنني قلت ذلك؛ بل لأنكم مجبولين من طينة لا تعرف غير الإخلاص والتفاني في العمل، وتؤمن بتناسخ الأرواح.
عدوكم بدأ بالضرب أولا، أنتم ابدأوا بالعمل أولا، واسبقوهم في مجالات الحياة الأخرى.
أفهم بأننا جميعا ضحايا وناجون، وهذه الأرض ممتلئة بالغضب، وستدمر القرى والمدن قريبا؛ لذلك ومن أجل ذلك ومن أجل أنفسنا وعوائلنا وبعيدا عن ذلك الجنون، هنا في هذا الجبل المبارك، علينا أن نجد طرقا جديدة، ونعثر على فلسفة جديدة بروح جديدة. نحتاج إلى مخلصين مثلما كان ينبري المخلصون مع كل فرمان، هذه المرة أيضا نحن بحاجة إلى أناس من تلك الطينة. وإلى جيل من الشباب الاستثنائيين الذين يعرفون كيف يتخطون غضبهم وخوفهم في المرحلة الحاضرة. نحن بحاجة إلى أرامل يتقبلون الألم والتضحية ويحرسون أبنائهم الناجين وبناتهم الناجيات، ويكافحون في سبيل توفير لقمة العيش لهم.
أما أنتم أيها الرجال، فعليكم أن تدوسوا على غروركم لتصلوا إلى إخلاصكم”.
وهكذا كانت السنة الأولى من الفرمان، الجميع يعمل كخلية نحل، والشباب لا يعرفون الليل من النهار يعملون فوق طاقتهم بمراحل في سبيل أن يقدموا شيئا لبني جلدتهم ويرفعوا من شأنهم. جمعوا التبرعات النقدية والعينية لمساعدة العوائل التي لا حول لها والأيتام والمرضى وعملوا ما في وسعهم من أجل دوام الطلبة في مدارسهم.
أينما وليت بوجهك كنت ترى مجموعة وهم يقومون بنشاط ما من أجل خدمة واسعاد أهاليهم. ولكن كانت النكسة سريعة جدا فلقد فقدنا الأسطورة خيري الشيخ خدر في الجبهة وهو يقاتل (الدواعش) وبذهابه فقدنا عزمنا وانهارت قوتنا ورجعنا القهقري وبدأت السلبيات والمظاهر السلبية تنتشر حتى أصبحت ظواهر. من الصعب التخلص منها وإيجاد العلاج لها بكتابة مقال أو اصدار كتاب.
نحتاج الى عمل جماعي جديد، وأسلوب جديد والى قادة من الشباب المؤمن بنفسه. والقيام بأمر يكفل نهوض المجتمع الأيزيدي وبخاصة الشنكالي ليعود من جديد ويتخلص من الأدران التي علقت به نتيجة الفرمان ونتيجة الهجر ونتيجة النزوح.