أبتلي هذا المكون الأصيل ـ وأقصد به الشعب الأيزيدي المسكين ـ منذ الفرمان الأول عليهم ـ حسب رؤيتي الخاصة كان ذلك في عام (539 ق. م) أذا صدقت بحوث وكتابات الباحثين في الشأن الأيزيدي، وما أكثرهم، والذي اجتاح معه بابل كلها، حضارة وإنسانا ـ أقول، أبتلي بحكومات وسلطات كان همهّا إعادة الكرّة، فرمانا بعد فرمان على الأيزيدية، وجلّ تلك الفرامين كانت إبان الحكم العثماني، وكان من شأن وعاظ أولئك السلاطين أن يزيدوا دائما في الطنبور نغمة، في كتاباتهم التي تجانب الحق والحقيقة ويتهمون الأيزيدية بشتى أنواع التهم كذبا وبهتانا بكتبهم وبحوثهم حينا، وبالرجوع الى كتبهم المقدسة أحيانا وتأويلها حسب ما تقتضيه مصالحهم الدنيوية، ورغباتهم الخبيثة.
استمرت حملات أولئك الكتاب والمأجورين حتى عصر العولمة الحديث وانتشار الأنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي، واستفاد بعض الكتاب الأيزيديين وباحثيهم من هذه النعمة وردوا الصاع صاعين لأولئك الذين لم يدخروا جهدا للنيل من صفاء ونقاوة الأيزيدياتي، ويؤسفني أن يكون العلامة عليّ الوردي في نفس قائمة أولئك الظالمين.
أولاـ فكر عليّ الوردي:
أنا لست ضد عليّ الوردي أو كتبه وكتاباته، بل على العكس فقد استفدت كثيرا منه ومن أسلوبه وطريقة كتابته الشيقة. ولو كنتَ مهتما بقراءة عالم الاجتماع والمؤرخ العراقي المعروف عليّ الوردي ستجد إن أوّل كتاب له صدر في عام (1951) بعنوان: (شخصية الفرد العراقي) وبعدها توالت نتاجاته المختلفة من الكتب والبحوث والمقالات والمحاضرات واللقاءات الإذاعية إلى أن توفي في عام (1995).
يذكر الكاتب العراقي سليم مطر في بحث له عن علي الوردي:
” إن عليّ الوردي ترك رصيدا مهما من الكتابات التاريخية والاجتماعية التي لا زالت تمارس تأثيرا كبيرا على الفكر العراقي… عليّ الوردي يدعو إلى الديمقراطية في كتاباته، ويؤكد على الخصوصية الوطنية العراقية وحجته في ذلك: كيف يمكن دراسة المجتمع الكبير ـ ويقصد به الوطن العربي ـ من غير دراسة الأجزاء الصغيرة منه…
ويمكن القول إن الدكتور علي الوردي مثقف حداثوي ولكنه غير يساري بحكم دراسته في أمريكا… أي إنه من الناحية الفكرية الفلسفية قريب من المدرسة المتشككة المنفتحة التي ترفض الجزم واليقين المطلق…
يرفض بشدة كل الميول الثورية… ويعتبر الثورات والانتفاضات ردود فعل قبلية وعشائرية وأمزجة فردية… وهي متأتية من روح البداوة التي فيها وهذه هي الإشكالية التي يعاني منها الوردي، وتأسيسا على ذلك يمكن القول إن الخاصية الجامعة لفكره هي رؤية استشراقية مأخوذة من الرؤية الغربية… وهو بذلك خلق قطيعة تامة بين المجتمعات العراقية ووجودها الجغرافي الوطني وربطها بحقيقة أزلية عرقية لا تؤثر فيها كل تطورات التاريخ ومتغيرات الجغرافية مما سهل له قذف هذه المكونات الأصيلة بأبشع التهم ويسخر منهم في كتاباته وخاصة الأيزيدية المساكين كما سنرى… “.
يقول كاتب المقال: وعلى هذا الأساس الهش تأسست الحداثة في العراق بمختلف اتجاهاتها ومنها الاتجاه اليساري والذي يسخر معتنقيه من الأطراف الأخرى ويمكن ملاحظة ذلك واقعيا من تأنف وسخرية بعض أهالي بعشيقة وبحزانى من الشنكاليين وأهالي شنكال وإلى يومنا هذا.
نظرية عليّ الوردي ذو شقين ينصب الشق الأول عن (البداوة) والشق الثاني عن (ازدواجية الشخصية للفرد العراقي) وعندما قرأت لعلي الوري أول مرّة تذكرت أسلوب وطريقة ديل كارنجي في الكتابة فهو أي علّي الوردي يسرد حكايات وقصص من الماضي ويضرب أمثال وهو بالتالي يمتلك أسلوبا ممتعا وجذابا ويبقى له إنه كان منفتحا لجميع الأفكار والفلسفات فهو أذن ذو منهج فكري متنوع ومرن.
ويبقى المأخذ على علي الوردي إنه لا يعتمد على الأسلوب العلمي للبحوث. تخلو بحوثه من استمارات الاستبيان والجداول وتعتبر كتاباته مجرد انطباعات شخصية مكتوبة بطريقة جذابة.
ثانياـ بعض ما قاله عليّ الوردي عن الأيزيديين.
يقول الدكتور علي الوردي في كتاب (وعاظ السلاطين) ـ ولا شك لديه أقوال أخرى في كتبه الأخرى والتي لم يسعفني الحظ على الوقوف عليها، والمرجو من القراء ذكر ذلك أينما وجدوه في كتاباته ـ في منتصف الصفحة (86) ما نصّه:
” عبد اليزيديون الشيطان وتركوا الله. وحجتهم في ذلك إن الله يحب الخير بطبيعته فلا حاجة لاسترضائه أو عبادته. أما الشيطان فهو مجبول على الشرّ، وهو أذن أولى بالعبادة والاسترضاء في نظرهم.
نحن نسخر من عقيدة اليزيديين هذه ـ وما درينا أننا جميعا يزيديون من حيث لا ندري“.
أنتهى الاقتباس! وهذه الفقرة بقلم عليّ الوردي تعادل كتابا ومقالات ومحاضرات عن الأيزيدية بوصفهم (عبدة للشيطان). أسأل مريدي عليّ الوردي وقراؤه، فهو قد مات في التسعينات من القرن الماضي غفر الله له شطحاته وزلاته: ماذا تتوقع بعد هذا التصريح الصريح من مجتمع إسلامي رسالته هي محاربة الشيطان وأتباع الشيطان ومن لف لفهم أينما وجدوا. هل سيشفع لنا لو إننا حلفنا بالشيطان نفسه بأننا أبرياء من هذه التهمة الجائرة وإنما الكاتب يدس السم في العسل في نهاية قوله عندما يزيد من سخريته قائلا:
“… نحن نسخر من عقيدة اليزيديين هذه ـ وما درينا أننا جميعا يزيديون من حيث لا ندري”. لا بل جعلت مجتمعك عدوا مبينا للإيزيديين المساكين لا سيما وإن عليّ الوردي هذا ما زالت كتبه تمارس تأثيرا كبيرا على الفكر والثقافة العراقية، له قدرة كبيرة على التعبير باستخدام أدوات مختلفة وفي الوقت المناسب، بل إن تأثيره بلغ المستويات الشعبية شبه المتعلمة. وبعد (2003) بدأت موجة لإعادة اكتشاف وقراءة عليّ الوردي من جديد باعتباره عصر الحرية.
هكذا دون مقدمات أو مناسبة يستعرض الوردي عضلاته ويلصق بالأيزيدية تهمة عبادة الشيطان وهي تساوي في خطورتها في ذلك الوقت، وكذلك الآن. العثور على قرية للساحرات في العصور الوسطى في أوربا.
ولا أدري ما الذي جاء بالأيزيدية على بال العلامة الوردي وهو يتكلم عن سلاطين أمته وخلفائها ووعاظهم. هل أراد أن يصب جام غضبه علينا. لا شك إنه كان يتأسف لوجود ذلك النوع من الوعاظ والخلفاء والأمراء وأراد أن يمثل دور ابن سبأ اللعين كما يصفه للمرة الأخيرة فأختار الأيزيدية ليرمي عليهم سهامه المسمومة.
هذا الكتاب بصورة عامة فهم للطبيعة البشرية المترفة وكذلك تحليل لبعض الأمور ذات الطابع الاجتماعي والتاريخي الإسلامي وأحداثه المثيرة في ضوء المنطق الاجتماعي الحديث، ويبين وموقف قريش من الدين الجديد وتطورات المفاهيم الاجتماعية بعد ظهور الدين وأثره على قريش وما تلاها من صراع على الخلافة الإسلامية بعد وفاة النبي محمد بن عبد الله وأيضا مقتل الخليفة عثمان بن عفان وما رافق مقتله من صراع ما بين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان والخلاف القائم بين السنة والشيعة.
والخلاف ما يزال قائما سواء عبد الأيزيدية الشيطان أم لم يعبدوه، وسواء رضي الوردي أم لم يرض، فهذه هي الطبيعة البشرية منذ الأزل قائمة على التنافس والخلاف، كما يقول هو بنفسه في كتابه.
اليوم يعتبر الأنترنت وطن متنقل تستطيع وضعه في جيبك أينما رحلت. وشبكات التواصل الاجتماعي تسعى لبناء بنية وعقلية تكاملية وتشاركية لا تقوم على الإقصاء والنبذ والتهميش وفرض الرأي الواحد الأحد، ولا شك إن الفيس بوك وأخواته بالرضاعة تمثل ولادة للإنسان الجديد، إنسان ذو هوية كونية مركبة. هوية تقوم على الحرية وعلى العقل التشاركي، والذي هو صنو للحرية وجوهر للأبداع.
الإنسان الكوني وليد الفيس بوك وغيره من المنصات الاجتماعية لا يخشى أن تنتقل أفكاره مستقبلا.
لقد هزم الأنترنت المقدسات في العقائد والنظريات والآراء الأحادية، وبات مفتوحا على تعدد الهويات واندماجها في هوية كونية فاعلة تعطي الإنسان صفة الانتقال من المواطنة مرورا بالفاعل الاجتماعي وانتهاء بكونه فاعلا كونيا اجتماعيا.
الحمد لله على نعمة الشبكة العالمية التي تمكننا من الرد على من يسيء إلينا ويحاول أن يزيد الطين بلة في وطن نحاول أن نتعايش معا بشق الأنفس، رغم أنف الحاقدين من المنتمين والقوميين.
ولكن هل الأيزيدي يعبد الشيطان؟
يقول كاتب المقال (مراد سليمان علو) كشخص أيزيدي منذ ما يقارب الستين عاما، أستطيع أن أطرح التساؤلات التالية:
هل الشيطان شرّ؟
هل مصدره هو الرب (الله)؟
هل الشيطان كيان منفصل؟
إن كان جوابك: أن نعم، أؤكد لك بأننا نؤمن إن الخير والشر مصدرهما واحد وهو الله وإننا نعبد الله، لا نعبد نصفه الشرير أو الخيّر ولكننا نعبده كله، بخيره وشره. ونقول في أدعيتنا وصلواتنا: “يا رب أمنح الخير، وأبعد الشر”.
أما إن يكون الشرّ منفصلا كثنائي ويقابله في ذلك الخير، فما لنا علاقة به ولا نعرفه. هذه ببساطة هي فلسفة الأيزيدياتي.
يقول الباحث بالشأن الأيزيدي الدكتور خليل جندي في كتابه (البحث عن الدين الأيزيدي التاريخي):
“إن مبدأ الثنائية التي جاء بها (زرادشت) وإبرازه دور الشرّ. أدخل ملامح الصراع العلني على مستوى المجتمع… وجلب المشاكل والخلافات العقائدية إلى العالم”.
ويقول الدكتور خليل جندي في كتابة المهم:
“… وعندما ظهر زرادشت غيّر صورة (ديفاس) من الإله إلى الشيطان، وألصق به كل الصفات الرديئة وأطلق هو وأتباعه فيما بعد على الذين لم يدخلوا دينه اسم (دئيفة يسنة) أي عبدة الجن (الشيطان).
يقول كاتب المقال: تأسيسا على بحث الدكتور الجندي يعتبر عليّ الوردي عابد حقيقي للشيطان فهو حسب المنطق الأرسطي ليس من أتباع زرادشت.
ثم يتابع الدكتور خليل جندي بحثه المثير قائلا:
“يبدو إن لصق عبادة إله الشر (الشيطان) بالأيزيديين مصدرها من (دئيفة يسنة) التي أطلقها زرادشت على المجاميع التي لم تؤمن بتعاليمه ولم يدخلوا دينه”.
يقول كاتب المقال: وهو برأي قرار أفضل من تعاليم دين عليّ الوردي الصريحة التي تقضي بقتل كل من لا يتبع هذا الدين. ورأينا هذا في آب (2014) عندما هجمت (داعش) علينا واستباحت أعراضنا وقتلت شيوخنا ورجالنا وسبيت نساءنا باسم الإسلام.
قد يظن بعض المتفيهقين، والمثقفين النص ردن أن على الوردي ذو تفكير مثالي ويمكن أن نعوّل على اطروحاته وكتاباته في بناء مجتمع متمدن، ولكنه لا يختلف عن غيره من الداعين بتطبيق تعاليم وشرائع مضى عليها ألف وخمسمائة سنة، فنراه يقول:
“لقد كتب المتمدنون تاريخ أممهم في ضوء مبادئ العدالة الاجتماعية التي انبثق نورها في هذا العصر الجديد. وقد آن لنا أن نكتب تاريخنا في ضوء مبادئ العدالة التي جاء بها الاسلام”.
نسى عليّ الوردي أن الاسلام جاء قبل ألف وخمسمائة عام ولم يتمكن المسلمون خلال تلك الفترة الزمنية الطويلة وللآن أن يكتبوا تاريخهم في ضوء مبادئه؛ لأمر يمكن القول أنه يعارض مع أبسط مبادئ العدالة المدنية التي تتبناها المجتمعات المتقدمة في العصر الحديث.
المصادر:
ـ عليّ الوردي، وعاظ السلاطين. 1995. ط2، دار كوفان، لندن.
ـ عليّ الوردي، دراسة في طبيعة المجتمع العراقي. نسخة الكترونية.
ـ خليل جندي رشو، البحث عن الدين الأيزيدي التاريخي. 2024. بيت الكتاب السومري.
ـ سليم مطر. الموقع الإلكتروني:
Home – موقع سليم مطر (mesopot.com)
ـ مراد سليمان علو. الموقع الفرعي في مؤسسة الحوار المتمدن:
https://www.ahewar.org/m.asp?i=3491