دراسة في القضايا التطبيقية –(سيكولوجية الجماهير) – خديجة مسعود كتاني

دراسة في القضايا التطبيقية – لـ -غوستاف لوبون  – الجزء الأول


عن كتابه  : (سيكولوجية الجماهير)

من هو غوستاف لوبون؟

إنه مؤسس (علم نفس الجماهير) أو (سيكولوجية الجماهير)، ولد في منطقة نورمادي الفرنسية عام (١٨٤١) وتوفي عام (١٩٣١) في باريس عن عمر طويل يناهز الـ ٩٠ عاماً ، تميز بروح موسوعية من حيث البحث عن المعرفة. له كتب في العديد من المجالات والفروع العلمية ٠ فمن علم الطب بدايةً الى علم الفيزياء النظرية الى الانتروبولوجيا والآثار في الهند٠ كان مسار لوبون طويلا متشعباً وإنتهى في ساحة (علم النفس الاجتماعي) حيث قدم خيرة ما لديه، في هذا المجال ونال شهرة كبيرة٠ ويكفي أن نذكر بعض أسماء كتبه التي لاقت رواجًا منقطع النظير لدى الكثيرين، لمدى اتساع معارفه وتشعب همومه وإهتماماته ٠

أهم أعماله :

١-حضارة العرب (١٨٨٤) والذي طبع مرة ًثانية في عام (١٩٦٩) في الجزائر

٢- حضارة الهند

٣- الحضارات الأولى

٤- القوانين النفسية لتطوير الشعوب (١٨٩٤)

٥- سيكولوجية الجماهير

٦- سيكولوجية الاشتراكية (تحليل الاشتراكية من وجهة نظر النفسية)

٧- الآراء والعقائد (١٩١١)

٨- الثورة الفرنسية وسيكولوجية الثورات

هذه هي بعض عناوين كتبه الأساسية التي تزيد عن خمسين كتاباً فضلاً عن مقالات عديدة و آخر كتاب له بعنوان ممتع وجميل وهو(حياة الحقائق) صدر عام (١٩١٤) وقد أعيد طبعه من قبل (جمعية أصدقاء غوستاف لوبون ) وفيه يستعرض (أبستمولوجية) إعادة كتابة المصطلح ٠ ويقصد بـ أبستمولوجيته نظريته في فلسفة المعرفة، الذي يرى فيها، أن الحقائق ليست مطلقة ولا أبدية، وإنما لها تأريخ محدد بدقة وعمرها قد يتجاوز عمر الزهور أو قد يتجاوزعمرالقرون٠ ولها لحظة ولادة، نمو وإزدهار، مثلها مثل الكائنات الحية، ثم لحظة ذبول فشيخوخة وموت٠ وتشبه أبستمولوجية لوبون أبستمولوجية (كارل بوير) وهو أعظمهم في العصر الحالي٠

ولكن بإعتراف معظم الاختصاصيين فان كتابه (سيكولوجية الجماهير) الذي نحن بصدده هو الأشهر على الاطلاق والذي يتناول (علم نفس الجماهير أو علم نفس الجماعي)٠ علما أن سيغموند فرويد الذي تناول (علم النفس الفردي) والذي عاش في نفس الحقبة الزمنية درس كتابه وأثنى عليه لكن بشيء من التحفظ ، ونود الإشارة الى (علم النفس الاجتماعي) الذي يختلف أيضا عن الاخريين حيث يتناول علاقة الفرد بالمجتمع٠ لقد بوأة غوستاف لوبون مكانة رفيعة في عالم الفكروالمعرفة، وكتابه (سيكولوجية الجماهير) هو الوحيد الذي قررته الجامعة في برامجها (كمرجع) ولكن رفضت صاحب الكتاب كأستاذ طيلة حياته رغم محاولاته٠ كم بقي من أسماء أساتذة الجامعة الفرنسية آنذاك في عصرنا هذا، ما عدا (دوركهايم) من يعرف اسما آخر معاصر لـ غوستاف لوبون ؟ هكذا تذهب المناصب الرسمية وتبقى العبقريات شامخة فوق المناصب والمراكز ٠

ماذا يقول لوبون عن الجماهير والقائد ؟

يقول لوبون، الجمهور يتكون من عدة أشخاص يجمعهم هدف أو فكرة أو ظرف واحد ليكتسب سيكولوجية مشتركة ٠وهو ليس أي تجمع عشوائي في مكانٍ ما بالصدفة  مثل حضور ندوة أو مناسبة خاصة، لانه لا يعد جمهوراً ولا ينطبق عليه هذه السيكولوجية المشتركة٠الجمهور الذي يقصده غوستاف لايشترط أن يكون مجتمعاً دائماً بل قد يكون كل في مكان معين يحملون نفس الأهداف والأفكار و الامتثال الجمعي، ويستحوذ عليهم عاطفة واحدة مثل الخوف، الحب أو الكراهية، أو الغضب، ألعشوائية، الاندفاع الغير العقلاني وهذه العاطفة تحثهم على انهم شخص واحد منوم مغناطيسياً ٠لايتوانى القيام بأي أمر يقتضي به، ويشعر إنه لايقهر، ولايكتسب هذه الصفات لو كان بمفرده، والعبودية تهيمن على روح الجماهير، ونظرتهم للقائد الناجح هو القائد المستبد٠

قوة كتاب غوستاف لوبون تكمن في الصفات الاستثنائية كونه مؤرخ، طبيب وفيلسوف، جمع بين العلوم الطبيعية والعلوم الإنسانية٠ لوبون هو اللبنة الأولى لمؤسسة علم جديد هو (علم نفس الاجتماعي) ٠

هل يعني هذا أن علم نفس الفرد يختلف عن علم نفس الجماعة؟

نعم،  وهذا ما كشف عنه لوبون في كتابه رغم أن (علم نفس الاجتماع) سيء السمعة لانه أهمل من قبل المصلحين وإستغله الطواغيت والمستبدين أمثال هتلر وموسولينيي وجميع الطغاة في التأريخ، ولاتخلو بلداننا الشرقية منها والتي تمادت في التحكم  بشعوبها لإخضاعها وتوجيهها للوجهة التي تركن فيها مرتع طغيانهم وخصوبة مصالحهم٠ هناك رسالة لكل المصلحين وكل من له دور وتأثير، على جمهورٍ ما الاطلاع عليه لانهم أولى بهذا العلم لأجل توجيه الناس نحو الرفعة والكرامة وبناء الانسان الذي خلاله ترتقي أعمدة الحضارة٠

ولا يخلو الموضوع من آراء مناهضة لفكرة لوبون التي تتمثل في فكر ((فلويد البورت)) عام (١٩٢٤) وفق (نظرية التصرف) والتي تتضمن تميز الخصائص الفردية في الجماعات رغم التأثير السيكولوجي على الجماعة أو الجمهور، ويقصد بذلك لكل (قاعدة شواذ) مهما تكن متانة  ركيزتها (نظرية لوبون) لم تمر بدون تحدي. التي أثارت منذ البداية معارضة شديدة لاسيما من قبل (فلويد) حيث رفض وبشدة فقدان فكرة (علم النفس الجماعي) بعيدا عن (علم النفس الفردي) للوعي٠ أكد أن الامر سخافة وخارج عن الطبيعة البشرية، كما عرف عنه أصراره لدحض ومناهضة فكره٠ ولقد عكس رأي فلويد ثقلاً خلال فكرة (التيسير الاجتماعي) نصها أن (لكل شخص طبيعة تفاعلية تميزه بناءاً على خبراته الشخصية والتعليمية)، أي أن الشخص يبقى على فرديته ولكن الشيء الوحيد الذي يتأجج فيه هو (شعورالهوية الاجتماعية + الهوية الشخصية). وتنسجم فكرة (فلويد) مع طابع الحراك الجماهيري في (انتفاضة الجزائر)، فترة نهضة (الربيع العربي).

الجمهور الجزائري رغم إكتسابه الروح الجماعية لكنه تميز بالالتزام والتحفظ بعيدا عن الغوغائية والعشوائية والعنف بعكس البلدان العربية الأخرى التي أكتسبت خصائص سيكولوجية المجموعة٠ فالفرد الجزائري كان حاضراً ساعياً للتخفيف من الاحتقان وتفادي نشوب المضاعفات الخطيرة، مراقباً حدود المناوشات ومسارات المسيرات الفرعية والسبب هو بالدرجة الأولى مستوى حنكة المسؤول عن إدارة وتوجيه هذا الحراك ٠وتعتبر انتفاضة الربيع العربي التي طالت جميع البلدان العربية بمكوناتها من التطبيقات المعاصرة والتي تحاكي نظرية لوبون فلم تتوانى هذه الجماهير عن الاقدام على أعمال التخريب والعنف رغم إختلاف ظروف التي قدم فيها لوبون نظريته المهمة أبان الثورة الفرنسية التي لم تدركها الانتهاء بسهولة٠ويبقى كتاب لوبون وفق رأي الاختصاصيين الكبار مرجعاً يتناوله أهل الفكر والعلم والسياسة والدين ليومنا هذا٠

نص فكرة لوبون :

عندما ينظم فرد الى جماعة أو جمهور ما، تطرأ عليه تغييرات معينة فيمتلك صفات لايمتلكها عندما يكون بمفرده وعقله الواعي يصبح في أضعف حالاته مقابل العقل الفردي، وعاطفته تصبح مرتبطة بعاطفة الجمهور الجياشة وفق المثل العربي (الحشر مع الناس عيد).

مثال (١) :

في أحد الأيام أصرَّ عليَ صديقي أن أرافقه الى ملعب كرة القدم لتشجيع فريق مدينته وأنا لا أفقه عن كرة القدم الا القليل،  لكن مع ذلك إندمجت مع الجهور، وانتابني حماس شديد لدرجة لو قيل لي أن هذا اللاعب يلعب مع ريال مدريد لما تنكرت له، وأصبحت أردد شعارات الجمهور بصوت عال ثم رددت هتافات بذيئة دون أن أشعر بالخجل٠ الى أن انتهت المبارات وانصرف كل منا الى سبيله ٠ فأنا كفرد من الجمهور شعرت أن عقلي الواعي لم يكن حاضرا، بل العقل الجمعي المرتبط بالجماعة هو الذي إندمجت معه في لحظة، مما عزز القوة في داخلي وجعلني لا أشعر بالمسؤولية ولا أخشى العواقب وصدر مني سلوك يستحيل أن يصدر مني وأنا بمفردي٠

هذا المثال يعكس صورة الجمهور العاطفي والمندفع بحالة اللاوعي المسيطر على الوعي في لحظة ما والذي يشبهه الكاتب بعاطفة (المرأة) أي أذا تعاطف الجمهور مع قضية أوشخص ما فيتحول الى تقديس وتعظيم، وإذا نفر الجمهور من قضية أوشخصية معينة فسرعان مايتحول ذلك الى كره وغضب عارم. ربما لان الجماهير لاتعرف الوسطية والاعتدال والموضوعية فهي سريعة التأثر في الأوساط الخصبة لردود أفعاله٠

مثال (٢) :

على مواقع التواصل الاجتماعي كثيرا ما نجد الناس يتأثرون ويتداولون الاخبار والاشاعات الغريبة والمثيرة لاصلة لها بالحقيقة والواقع أكثر الأحيان ، لكنهم لا يتفاعلون بالقدر نفسه مع الاخبار الصحيحة والمعقولة والمفيدة ٠ يقول لوبون أن الجماهير متعصبة وإستبدادية لا تقبل أن يناقشها أحد أو يختلف معها أحد وهذا ما نلتمسه على مواقع التواصل الاجتماعي لو انتقدت  قناعة أو شخص ما، حتى تنهال عليك التعليقات الغاضبة والعنيفة تمنعك أن تبدي رأيك حتى وإن كان بقصد الإفادة ٠

لماذا أهتم لوبون بعلم سيكولوجية الجماهير؟

غوستاف لوبون مؤسس علم (نفس الجماهير) وأول من درس الجماهير من الناحية السيكولوجية بسبب:

الظروف التي عاشها لوبون أبان حقبة الثورة الفرنسية التي جعله ينظر الى العالم بمنظور مختلف، الاحداث المريبة التي إشتعلت آوارها سنة (١٨٧٠) التي كانت من أشهر الاحداث التي حدثت في التأريخ الحديث، مما جعله يركز على الجمهور في اللحظة ما ، التي كان الناس تنظر اليها على أن هذه الثروة هي الريح التي تحمل في طياتها الحرية ونهاية الاستبداد٠ لوبون رأى المشهد بطريقة مختلفة، وركز على أعمال العنف التي قام بها الجمهور في باريس الذي حرق قصر (التويلري) و(مكتبة اللوفر) الشهيرة والكثير من المرافق العامة مما جعله معارضاً لحكم الجماهير وأعتبرهم مجاميع همجية تتسبب في الفساد والدمار للممتلكات العامة٠ لانستثني السبب الآخر الذي يقف وراء السبب الحقيقي كونه ينتمي لعائلة برجوازية ليبرالية تربطها علاقة متينة بالحكومة الفرنسية حتى ما بعد الثورة بسنوات طويلة وكانت موالية لها٠

تبنی لوبون فکرتین رئیسیتین :

الفكرة الأولى : موجهة الى الجمهور المنتفض يقول فيها لوبون : ان تعبيركم عن النظال لاجل الحرية ونهاية الاستبداد لايعبر الا عن الهمجية والعشوائية وسطحية أفكاركم عكس الحكم الملكي الراسخ والثابت والذي لاينثني بسهولة ٠

الفكرة الثانية : كانت موجهة للقادة أنفسهم، يا قادة الجماهير الساذجة اذا طبقنا استراتيجية معينة على هكذا جمهور فكنا اتينا بعلاج نفسي لهذا الجمهور٠ وقصد بذلك  معرفة (سيكولوجية الجمهور) والوقوف على الأسباب النفسية للمجموعة٠و ينعت لوبون (العنصر) بقلة الحنكة والدراية والقوة والعزم٠  قبل صدور هذا الكتاب كان الفكر السائد أن الجماهير غوغائية كما كان يروج لها الايطاليون، وعندما أتى غوستاف لوبون بحقيقة جديدة هي : أن لكل جمهور قائد أو عنصر محرك وكون الجمهور فوضوي أو منضبط ، عنيف، أو مسالم فهو مرتبط بالأساس بالقائد أو (العنصر المحرك)  كما قال المثل (إذا صلح الراعي، صلحت الرعية) أي محرك الجماهير يمكن أن يوجه الرعية نحو الخير أو الشر ٠

2 Comments on “دراسة في القضايا التطبيقية –(سيكولوجية الجماهير) – خديجة مسعود كتاني”

  1. Gelek zor spas metostaz Xedîce xanim

    Ew pir xweş e rêya şiyartiya gel û cemawerî Kurd ji bo xwandina pirtûkên psîkologî, bi taybet yên bi siyastê va girê-dayî ne (psîkologî +siyaset), ji ber ewina deriyên mêjî ve-dikin.

    Û ew pirtûka “Gustave Le Bon” li bin navî
    ( Psychologie des foules ) (The Crowd) (Psîkologiya Cemawer)
    pir hêja ye ji bo xwandinê ji alî me Kurdan van, û her kesek gav ew dixweze here karî siyasî bike.

    Mala we hezar carî ava be, û hûn bimihînin bi xêr û xweşî.

    1. Zur Sopas bû peywandya Jwan u Dilsoz
      hîvîye es shyabim hizro bîrêt bi mifa bû xwindevanên hêja amade û shirove kem
      her sakh u bekhtewer bî
      d gel Rêzgirtnê

Comments are closed.