النظام الفردي عاجز عن نقل الصلاحيات الإدارية والسياسية بسلاسة محكومة بدستور المواطنة  – د. ماجد احمد الزاملي  

 

تعتبر ممارسة السلطة ظاهرة عامة ودائمة في المجتمع الإنساني دون اقتصارها على الدولة فحسب حتى ولو كان هذا المجتمع من اكثرها بدائية واسرعها زوالا ثم ان وجود علاقات اجتماعية تُشكِّل صلة الانسان الحياتية بجماعة ما يملي على تصرِّف هذا الانسان بعض الالتزامات ومجموعة  من الحقوق والواجبات والقواعد القانونية فتصبح بذلك السلطة هي الوظيفة الاجتماعية التي تقوم على تشريع القوانين وحفظها وتطبيقها ومعاقبة من يخالفها وهي التي تعمل على تغييرها وتطويرها كلما دعت الحاجة الى ذلك انها الوظيفة التي لا غنى عنها بوجود الجماعة ذاتها لاستمرارها ومتابعة نشاطها انها تلك الوظيفة الاجتماعية القائمة على اتخاذ القرارات التي يتوقف عليها تحقيق ألاهداف التي تتابعها الجماعة.  فالبرلمان يفقد استقلاليته في ظل حزب الأغلبية الذي يرأسه رئيس الدولة, وهذه الحقيقة أكدها  تقرير التنمية الإنسانية العربية لسنة 2004م إذ يقول “هناك آليات إضافية تتيح للحكام مزيداً من تركيز السلطات في يده، وعلى سبيل المثال فإن ما يسمى بالأحزاب الحاكمة – إن وجدت – ماهي في الواقع إلا مؤسسات تابعة للجهاز التنفيذي حيث يتم تعيين المسئولين الحزبيين (أوالمرشحين في حال الإنتخابات) من قبل الرئيس الذي يعتبر في الوقت نفسه رئيس الحزب، وهذا يعني عملياً أن البرلمان يصبح جهازاً بيروقراطياً يعينه الجهاز التنفيذي ولا يمثل الشعب بحق”.

وبحسب رجال الفكر السياسي فأنَّ الديمقراطية  نظام مبني على أربعة أركان هي حرية الرأي وحرية التنظيم واستقلال القضاء والتداول السلمي للسلطة، فمن قراءة واقعنا العربي نستطيع ان نلمس محاولات للتحرر من تأطير المجتمع في الحزب الواحد القائد، وكذلك الأمر بالنسبة للركن الثاني المتمثل بحرية الرأي، إذا قطعت الشعوب هنا شوطاً لا بأس به في التعبير عن أحلامها في وطن يسوده العدل والحرية والسلام والصلاح، بفضل انحسار الخوف وسطوة التكنولوجيات الإعلامية الحديثة والاتصالات, لكن ما يبقى معلقاً ومؤجلاً هو التداول السلمي للسلطة، إذ يصبح وجود حرية الرأي والتنظيم في معزل عن الانتخابات الحرة والنزيهة المنظمة للتداول السلمي للسلطة. ولهذا فإذا لم تكن تُمارس الديمقراطية وتتداول السلطة داخلها وفيما بينها ولا تعكس عضويتها تنوعا مقبولا وطنيا, فان نظام الحكم لن يكون ديمقراطيا, ويصعب استمرار تداول السلطة سلميا فيه عندما يكون التداول من النقيض إلى النقيض. من هنا فان ممارسة الديمقراطية داخل الأحزاب وفي منظمات المجتمع المدني وفيما بينها, وتركيبة العضوية فيها, تمثل مقومات رئيسية من مقومات نظام الحكم الديمقراطي .فهذه هي الديمقراطية في المجتمع, وهذه هي الأساس للديمقراطية في الدولة أو الضمانة لسلامة الممارسة. الحرية فيها هي القيمة العظمى والأساسية بما يحقق السيادة الفعلية للشعب الذي يحكم نفسه بواسطة التعددية السياسية المؤدية إلى تداول السلطات، وتقوم على احترام كافة الحقوق في الفكر والتنظيم والتعبير عن الرأي للجميع مع وجود مؤسسات فعّالة على رأسها المؤسسات التشريعية المنتخبة، والقضاء المستقل والحكومة الخاضعة للمسائلة الدستورية والشعبية والأحزاب السياسية. يقتضي ذلك بالضرورة كفالة حريات التعبير بكافة صورها وأشكالها وفي مقدمتها حرية الصحافة ووسائل الإعلام بكل اشكالها والاعتماد على الانتخابات الحرة، مركزياً ولا مركزياً، وبشكل دوري لضمان تداول السلطة وحكم الشعب، وتحقيق أقصى قدر ممكن من اللامزكزية التي تتيح للمجتمعات المحلية التعبير عن نفسها وإطلاق طاقاتها الإبداعية التي تسهم عن طريقها في تحقيق التقدم في جميع مجالاته ويقترن ذلك بتحقيق أقصى قدر من الشفافية في الحياة العامة بما يعني القضاء على الفساد في إطار يؤكد الحكم النزيه ودعم حقوق الإنسان.

ونظرا للأهمية التي يكتسبها النظام الانتخابي لما له من أثار على الحياة السياسية في أي بلد كونه ينتج أثارة بشكل سريع وبالتالي لدية قدرة على ان يعكس الواقع السياسي للدولة بايجابياته وسلبياته فهو بقدر ما يعتبر وسيلة لتحقيق وتجسيد الديمقراطية النيابية يمكن ان يكون عاملاً يحول دون تحقيق المشاركة السياسية خاصة في الدول التي تسعى فيها السلطة القائمة الى المحافظة على استمرارها في ممارسة الحكم من خلال خلق مؤسسات شكلية توحي بوجود نظام ديمقراطي وبذلك أصبح  الانتخاب يعطي أهمية للنظام الانتخابي سياسية اجتماعية وادارية. يعرف التداول على السلطة على انه تناوب حزبين او تحالفين على السلطة وفي اطار احترام النظام القائم من اجل تغيير الدور بين القوى السياسية الموجودة في المعارضة سلميا بالانتخاب او الاستفتاء العام للوصول الى السلطة بين قوى سياسية .اذ لايمكن لأي حزب سياسي ان يبقى في السلطة الى ما لا نهاية ويجب ان يعوض بتيار سياسي اخر. التداول السلمي للسلطة هو احد اركان النظم الديمقراطية التي تركز على عملية انتقال وتداول السلطة من شخص الى اخر أو من جماعة سياسية الى اخرى وفقاً لمدة محدده في الدستور ووفقاً لاطار ديمقراطي بعيداً عن الصراعات والانقلابات , إذ ينفذ من خلالها كل شخص أو كل حزب سياسي من الحكم الى المعارضة أو العكس . والتعاقب على السلطة هو عملية تسمح للشيء بحلول بديل محله، ويجعل الشخص يَعقُب نظيره في المسؤولية، والإدارة، والقيادة. وتعاون الجميع على الإستمرار في نهج يقود دائماً إلى تداول سلمي للسلطة ولو كانت هناك ملاحظات على الأساليب والميكانيزمات المتبعة في تحقيقها؛ فحاجتنا إلى التداول السلمي للسلطة تقتضي التدرج في الوصول إلى مستوى الشفافية التامة في تحقيق هذا الهدف, ان ترسيخ ثقافة التداول السلمي للسلطة لاتحدث بين ليلة وضحاها، في مجتمع عشائري كون اغلب أفراده يخضعون لسلطة رئيس العشيرة الذي يحتكر في معظم الاحيان الصلاحيات والقرارات، وان هذه الثقافة تنتقل من جيل الى اخر. فمنطق التداول أو التعاقب يحبذ، التجديد في الأفكار والممارسات والسلوكيات. لذلك، تأسست ثقافة التداول في الدول التي تأصلت فيها الديمقراطية ، واستقرت، وانتظمت في التجربة على قاعدة الاعتراف بشرعية الاختلاف، الذي يكفله وجود أغلبية ومعارضة، ويضمنه الحوار المتبادل. وتنامي القوى السياسية وصعودها ديمقراطياً يعتمد على مقومات لا يمكن إنكارها ، وفي مقدمتها مستوى التنمية الاجتماعية، بما تعنيه من تعليم وثقافة وشيوع لرؤية واضحة وتفكير مستنير يقود تلك الجماعات السياسية نحو تَدَرِج الديمقراطية الحقيقية ,لذلك لم نرَ شعباً ينمو ديمقراطياً بينما كل أساليب حياته تمضي في اتجاه معاكس، فالعبرة تتحدد في النهاية بدرجة الوعي العام الذي يملكه أي شعب على نحو يعطيه القدرة على التغيير الإصلاحي عند اللزوم دون خديعة الشعارات الزائفة أو الابتعاد عن الرؤية الصحيحة، لذلك فإننا نظن أن هناك تلازماً بين مؤشرات النظام التعليمي ودرجة جودته ومدى عصريته وبين نظم الحكم القائمة وأساليب السياسة السائدة. ولأن الديمقراطية هي منهج ونظام حكم يتأثر مضمونه بالضرورة, باختيارات المجتمعات التي تطبق الديمقراطية فيها .ولهذا أصبح من الممكن للديمقراطية إن تُقبَل في مجتمعات تختلف فيها العقائد والأديان والمذاهب. لذلك , فان الأحزاب والتنظيمات والحركات هي منظمات تسعى للوصول إلى السلطة, بل ومن المحتمل وصول أي منها للحكم. و السلطة في الدولة ذات النظام الفردي عاجزة عن نقل الصلاحيات الإدارية والسياسية بصورة سلسة وفقاً  للدستور ، ولهذا تكون هذه السلطة مركّزة في شخصية الحاكم الذي يعتمد على مجموعة من المنتفعين حوله، وبهذا لا يعترف بالدستور ولا بشرعية السلطة ولا بمبدأ التداول السلمي للسلطة مستخدما القوة والعنف والترهيب في حماية كرسي الحكم، وهذا أسلوب شائع في الدول ذات الأنظمة الشمولية غير الشرعية. ويقصد بالتعددية السياسية كما يراها محمد عابد الجابري بأنها ” مظهر من مظاهر الحداثة السياسية، ونقصد بها أولا وقبل كل شيء، وجود مجال اجتماعي وفكري يمارس الناس فيه ” الحرب ” بواسطة السياسة، أي بواسطة الحوار والنقد والاعتراض والأخذ والعطاء، وبالتالي التعايش في إطار من السلم القائم على الحلول الوسطى المتنامية … والتعددية هي وجود صوت أو أصوات أخرى مخالفة لصوت الحاكم.(1) الشعوب تتوق إلى التغيير الإيجابي الصالح الذي يبني ولا يدمر ويطمحون إلى أن تتغير سياسات ووجوه وخطط عقيمة أثبتت الوقائع والأحداث أنها لم تُزِدهم إلا تخلفاً وضياعاً, وتتطلع الأمة لأن تكون حرة في أن تختار من بين البدائل المتعددة البرامج المختلفة الرؤى من تراه مناسباً لأن يقودها إلى شاطيء الأمان ويحقق لها ما ترجوه من نهضة وتقدم وأمان وصلاح. ومن دون التداول السلمي للسلطة لا يمكن الحديث عن تنمية وديمقراطية وحقوق إنسان واحترام الرأي الآخر المعارض. المشكلة هنا أن محاولات عربية كثيرة في مجال تداول السلطة ، لم تكن جادة بقدر ما كانت خاضعة لاعتبارات سياسية أو اقتصادية نتيجة ضغوط الدول المانحة، أوبسبب إمتصاص مؤقت لاحتقان داخلي ما تلبث تلك المحاولات أن تتكشف عن حقيقتها البائسة ، تفريغاً (لمبدأ السلطة) من معانيه ومضامينه الحضارية. فلا وجود للديمقراطية الحقيقية بدون وجود انتخابات حرة نزيهة , إذ تعد الانتخابات هي من اهم الوسائل التي يمكن من خلالها  تداول السلطة سلمياً واختيار الحكام وهي الوسيلة الاساسية للديمقراطية النيابية ويمكن اعطاء معنى الانتخاب بصور مختلفة فمنهم من عرفه بأنه ” الوسيلة الاساسية لأسناد وتداول السلطة في النظم الديمقراطية النيابية , إذ يقوم الناخبين بممارسة حقهم في اختيار من يمثلهم في المؤسسات الحاكمة ” هذا من الناحية الموضوعية.

والحرية فيها القيمة الحقيقية  والأساسية بما يحقق السيادة الفعلية للشعب الذي يحكم نفسه بواسطة التعددية السياسية المؤدية إلى تداول السلطات، وتقوم على احترام كافة الحقوق في الفكر والتنظيم والتعبير عن الرأي للجميع مع وجود مؤسسات فعالة على رأسها المؤسسات التشريعية المنتخبة، والقضاء المستقل والحكومة الخاضعة للمسائلة الدستورية والشعبية والأحزاب السياسية. يقتضي ذلك بالضرورة كفالة حريات التعبير بكافة صورها وأشكالها وفي مقدمتها حرية الصحافة ووسائل الإعلام السمعية والبصرية والإلكترونية والاعتماد على الانتخابات الحرة، مركزياً ولا مركزياً، وبشكل دوري لضمان تداول السلطة وحكم الشعب، وتحقيق أقصى قدر ممكن من اللامزكزية التي تتيح للمجتمعات المحلية التعبير عن نفسها وإطلاق طاقاتها الإبداعية التي تسهم عن طريقها في تحقيق التقدم في جميع مجالاته ويقترن ذلك بتحقيق أقصى قدر من الشفافية في الحياة العامة بما يعني القضاء على الفساد في إطار يؤكد الحكم الرشيد ودعم حقوق الإنسان.

—————-

1- د. رياض عزيز هادي ، من الحزب الواحد الى التعددية ، بغداد ، دار الشؤون الثقافية العامة ، 1995 ، ص63 -.