التشريعات الدينية في الدولة المدنية .- كامل سلمان

ما يحدث في العراق سابقة خطيرة لم تحدث في أي بلد بالعالم لا في هذا الزمان ولا في أي زمان ، وهو تشريع القوانين الدينية في دولة مدنية ، المعروف عن الدولة المدنية قوانينها تكون صادرة من داخل قبة البرلمان وهذه القوانين تكون موافقة لدستور الدولة المدنية يتم طرحها من قبل خبراء القانون في البرلمان للتصويت عليها وتكون هذه القوانين استجابة لمتطلبات الواقع المتغير لا استجابة لرأي فقهاء الدين وبشرط أن تتلاءم هذه التشريعات القانونية مع جميع الأطياف والمكونات المجتمعية وحتى اللا دينيين في المجتمع لأنها دولة مدنية أي دولة الجميع بلا استثناء وهذا هو المقصود من الدولة المدنية حيث القانون والدستور يعطي الحق للجميع بالتساوي . التشريعات البرلمانية يجب أن تكون متقاربة مع مثيلاتها في دول الجوار بسبب الترابط الأجتماعي والثقافي المتداخل بين الدول المتجاورة وتكون أيضاً متناسقة مع التوجه العام لقوانين المجتمع الدولي ، وطالما الدولة هي مدنية دستورياً فيجب أن تكون قوانينها مدنية بالمفهوم الحضاري ( أي أنها لا تتعارض مع مبادىء حقوق الإنسان التي أقرتها إصدارات الأمم المتحدة والتي وقع عليها جميع اعضاء هذه المنظمة الدولية ومن ضمنهم العراق )، . العراق كبلد إسلامي ممكن أن يصبح دولة دينية إذا صوت أعضاء البرلمان بالأغلبية على أن يكون العراق دولة دينية رسمياً فهؤلاء اعضاء البرلمان هم ممثلو الشعب وعندهم الصلاحيات لتغيير الدستور وتغيير شكل الدولة ، عندها تكون تشريعات القوانين الدينية في البرلمان أكثر سهولة ومقبولية وغير قابلة للإعتراض لا من قبل المثقفين العلمانيين ولا من قبل المنظمات المدنية ولا من قبل أية جهة لأن الدولة أصبحت صبغتها دينية حسب قرارات نواب الشعب داخل البرلمان ، ، أما أن يصر هؤلاء النواب على بقاء الدولة مدنية ولكن تشريعات القوانين دينية فهذا شيء غريب ، وحتماً سيؤدي ذلك إلى نتائج شاذة غير متناسقة كالذي يزق المصل الحيواني في الجسد البشري ليشفيه من المرض من دون أن يحسب بأن الجسد البشري قد يتعرض لمضاعفات خطيرة فالمصل الحيواني للحيوانات والمصل البشري للبشر ، هذا الشيء الذي لا يدركه ولا يدرك عواقبه المشرع العراقي للأسف الشديد . ثم مالمانع أن يصبح العراق دولة دينية كأفغانستان وإيران طالما هناك رغبة حقيقية عند أكثر من نصف اعضاء البرلمان لبناء دولة دينية مثالية ، وأما النصف الأخر فيمكن إسكاتهم وترويضهم ، فلا يجوز أن يجتمع النقيضان في تشريع القوانين وكما قال خليفة المسلمين لا يجتمع سيفان في غمد واحد . فعلى مستوى الشعب وعامة الناس فالمثقف والعلماني والمتحضر والإنسان الحر واتباع الديانات والطوائف الأخرى لا يستطيعون العيش في ظل الدولة الدينية ، فالأولى لهم البحث عن أرض أخرى يهاجرون إليها لتحتضنهم أو السكوت والرضا أو تعم الفوضى ربوع البلد ، فشعبنا ليس كالشعب المصري ، فقد رأينا ماذا فعل الشعب المصري مع حركة الأخوان المسلمين عندما بدأوا تشريع القوانين الدينية في الدولة المدنية المصرية فكان جواب الشعب مع الجيش وبصوت واحد ضد حركة الأخوان المسلمين أن أخرجوا من حياتنا أيها المتأسلمون المتخلفون فأزاحوا الأخوان المسلمين من سدة الحكم ومن البرلمان وطردوهم حتى من أرض مصر فتنظفت أرض الفراعنة من أبشع ملة حكمتهم طوال التأريخ ، ولكن في العراق الأمر يختلف وقد يُطرد الشعب كله إذا فكر أن يقلد الشعب المصري أو يخطو خطواته ولنا شاهد حي في ثورة تشرين قبل خمسة سنوات ، كيف تم سحق شباب هذه الثورة وقتلهم وكيف وقف الجيش العراقي متفرجاً على قتل ابناء الشعب ، فلا جيشنا كالجيش المصري في حبه للشعب والدفاع عنه ولا مثقفينا مثلهم ولن نكون مثلهم ..
وللعلم في الدولة المدنية الدولة ليست لها دين ، فالدين معزول تماماً عن الدولة ، فمن الغباء تشريع القوانين الدينية داخل الدولة المدنية لإنها بالنهاية ستصطدم مع بعض فتخلق تناقضات إجتماعية غريبة تجبر المجتمع على تقبلها ومن ثم يدفع ثمن تقبلها ، سيكون النفاق سمة الإنسان العراقي الجديد ، سيضطر هذا المواطن أن يكون منافقاً في كل شيء لكي يعيش ، ستجتمع العبادة مع الفساد ، سيجتمع الدين مع المنكرات ، سيجتمع العلم مع الخرافة والجهل ، وستجتمع جميع المتناقضات ويتحول عندنا المجتمع إلى مجتمع غير طبيعي ، وهذا ما يحصل فعلياً عند الناس . وما نسمعه يومياً في الإعلام المرئي والمسموع وفي التواصل الاجتماعي عن أغرب سلوكيات اجتماعية متناقضة تعصف بحياة الناس لهو خير دليل على ما نشير اليه هنا في مقالنا … لا يمكن بناء دولة ومجتمع بطريقة متناقضة ، وهل نحتاج إلى دليل كي نثبت ذلك أمام هذا الكم الهائل من الادلة التي بعضها مخزية ومعيبة بحق وطننا وشعبنا ، ، ، فملخص القول لا إعتراض على تشريع القوانين الدينية عندما يتم الإعلان رسمياً عن تسمية دولتنا بالدولة الدينية وإلا فهذا نفاق سياسي وتجاوز لا يغتفر لحقوق الناس في ظل الدولة المدنية . . . في نكتة جميلة نقلها لي أحد كبار السن تعبر عن حالة التناقضات في حياتنا ، قال ؛ على ظهر سفينة نبي الله نوح ع أجتمع الذئب والحمل ، فلأول مرة في التأريخ أشتكى الذئب من الحمل عند النبي نوح فقال الذئب يانبي الله أن الحمل يرفس برجله التراب فيعج التراب في وجهي فيضيق نفسي . هل سمحت لي يا نبي الله أن أفترس هذا الحمل ليكون عبرة لبقية الانعام ؟ فأجابه النبي نوح ضاحكاً ومن أين جاء التراب على ظهر السفينة ونحن لم نرى اليابسة اياماً طويلة ؟ . الحقيقة هي غريزة الإفتراس عند الذئاب وليست عجة التراب فلا تخدعونا ! .