أيهما أصح ، تطبيق حكم الله أم تطبيق حكم العقل ؟- كامل سلمان

حكم الله بشكل عام يهدف إلى بسط العدالة واستتباب الأمن وتوفير الحياة الحرة الكريمة للناس واعمار الأرض وهذا ملخص ماجاءت به الرسالات السماوية ، فإذا عجز الدعاة إلى حكم الله أن يقيموا ما يريده الله وبنفس الوقت ينجح أصحاب العقول العلمية البعيدين عن التفكير الديني في القيام بذلك فمن الغباء اتباع ومناصرة الدعاة الذين ينادون بحكم الله وترك اصحاب العقول العلمية الذين حققوا ما يريده الله . لتقريب الصورة فلنأخذ هذا المثال ، شاب تم إلقاء القبض عليه متلبساً بجريمة السرقة ، يجب القصاص منه وتطبيق حكم الله عليه بقطع يده ، والهدف من قطع يده عقاب إلهي له ومنعه من السرقة ثانية ، يأتي شخص علماني عقلاني يقول لا ، أنا سأخذ هذا السارق الشاب قبل أن تقطعوا يده ، يأخذه لطبيب نفساني لعلاج حالته النفسية التي ادت به إلى القيام بالسرقة ثم يدخله في مدرسة تربوية تعليمية أخلاقية ثم تأهيله للعمل ثم يوفر له سبل العيش الكريم وعمل يناسب مقدرته فتكون النتيجة أن يتحول هذا السارق من إنسان ضار لنفسه وللمجتمع إلى إنسان صالح نافع لنفسه وللمجتمع ويمتنع بعدها تماماً عن السرقة ، ففي الحالتين لم يعد هذا الشاب يفكر بممارسة مهنة السرقة بل ويبتعد عنها نهائياً ، ولكن الفرق بين الحالتين حالة قطع يده وحالة إعادة بناء شخصيته وتأهيله تظهر لنا بوضوح في النتائج ، في الحالة الاولى توقف السارق عن السرقة بسبب قطع يده التي بها كان يسرق ، بماذا يسرق بعد قطع يده ؟ولكنه بنفس الوقت لم يعد يستطيع القتال ولم يستطع العمل ولم يستطع مساعدة نفسه للعيش فيضطر إلى التسول ولا يستطيع الزواج لأنه لا توجد أمرأة تتزوج معاق غير قادر على العمل فيصبح عالة على نفسه وعالة على المجتمع وأكيد سيعاني من امراض نفسية تضاف إلى مرضه النفسي الذي دفعه لامتهان السرقة ، أما في الحالة الثانية فيصبح إنساناً نافعاً لنفسه ونافعاً للمجتمع ، في الحالة الأولى وهي حالة قطع يد السارق هو تطبيق لنص قرآني عمل بها الفقهاء لإرضاء الله دون أي تلاعب ، وفي الحالة الثانية عمل بها العقلاء العلماء كحقيقة علمية مدروسة وأيضاً لإرضاء الله لأن الله حتماً سيرضى عن العمل العلمي الصحيح النافع يضاف إليها إرضاء المجتمع وإرضاء ذات السارق وإرضاء لعياله ، إذا كان الله يرضى عن تصرف العقلاء ويعتبره عملاً صحيحاً ومقبولاً فهذا يعطينا دلالات بأن الله يقف مع العقل لا مع النص . فهل هذا يعني بأن النص خطأ أرتكبه الرب ؟ النص موجود في الكتاب لكن ليس فيه أية تفاصيل حول قطع اليد فقط اقطعوا يد السارق ولا يمكن للإنسان مهما بلغت منزلته وعلميته أن يضيف التفاصيل من عنده على حكم الله . أو يكون وكيلاً بأسم الرب ، فكل عمليات قطع اليد التي حدثت فعلاً وأقرها الفقهاء على طول ١٤٠٠ سنة ولكل المذاهب كانت اجتهادات شخصية ليست لها تفاصيل بالنص القرآني ولا يمكن أن ترضي الله لأن الله لا يمكن أن يرضى عن سلوكين متناقضين بنفس الوقت ، فمن حقنا أن نسأل من الذي اخطأ الفقهاء أم العقلاء ؟ لا يوجد عاقل يستطيع القول بأن العقلاء قد أخطأوا لأن أحياء النفس هو احياء للمجتمع وللناس جميعاً وهذا مبدأ من مبادىء القرآن الكريم ، أما الفقهاء فقد أخطأوا عندما رفضوا الانصياع للعقل وقتلوا النفس فكأنهم قتلوا الناس جميعاً حسب القرآن واعتبروا النص هو قانون ثابت ، وعندما احتاجوا إلى تفاصيل قطع اليد اضطروا أن يختلقوا التفاصيل من عندهم والدليل هو اختلاف الفقهاء في كيفية قطع اليد ومن أين تقطع اليد ومتى تقطع اليد بينما لم يختلف العقلاء بأن إصلاح الإنسان وإعادة تأهيله هو السبيل لمنع تكرار السرقة ، فهذا يدلنا على أن أي نص قرآني ليس فيه تفاصيل واختلف فيه الفقهاء في التفاصيل حسب فهمهم البشري المحدود فأنه نص غير ملزم وحكم معلق ، أو أنه يخضع لتفسير روحي معنوي بعيداً عن البشاعة التي يفعلها الفقهاء بحق الإنسان ذلك المخلوق الذي كرمه الله . وهذا الكلام يشمل جميع الأوامر الالهية المذكورة في النصوص القرآنية التي تخلو من التفاصيل وأختلف الفقهاء في إضافة التفاصيل كل حسب اجتهاده . فعندما نتحدث عن العقل فهنا نقصد بالعقل العلمي الذي يستمد قراراته من التجارب العلمية ، فعندما يخبرنا العقل العلمي بأن الطب هو علم ، الزراعة هي علم ، الجامعات هي علم ، الصناعة علم فهذا الشيء لا يغضب الرب تحت عذر أن القرآن سمي الدين علم فقط ولم يذكر القرآن بقية العلوم بإنها علوم أو أن النص يسمي رجال الدين علماء فهذا لا يعني أن الرب يرفض تسمية علماء الطب والفيزياء والكيمياء وغيرهم بالعلماء . . الدين يأمرنا بعدم المساس بالميت وأن التلاعب بجسده حرام بينما علم الطب يأمرنا في أكثر الأحيان تشريح جثة الميت والمساس به لمعرفة اسباب الوفاة ، ولولا علم التشريح لما تطور علم الطب خطوة واحدة للأمام ، فهل أن الرب لا يرضى عن هؤلاء العلماء الذين سلكوا درب علم التشريح من خلال التلاعب بجسد الميت وكانت ثمرة أعمالهم دواء ورحمة للعالمين ؟ فهل الرب لا يرضى عن هؤلاء لأنهم خالفوا النص الديني عندما وجدوا بأن تطور علمهم لا يأتي إلا بتشريح جثث الموتى ؟ أكيد سنتفق جميعاً بأن الرب سيبارك تلك الايادي التي شرّحت جثث الموتى وتلاعبت به رغم عصيانهم للنص الديني ، الكلام أعلاه كله مقدمة لمفهوم الدولة العلمانية أي الدولة التي تبنى على أساس العلم تكون هدفها الأسمى خدمة الإنسان ورفع قيمة الإنسان بشكل علمي صحيح وتأسيس القضاء العادل وإنشاء مؤسسات علمية خدمية عملية أمينة وتسليم شؤون البلاد بيد أصحاب الاختصاص فهل هذا يغضب الرب ؟ نفس هؤلاء العقلاء الذين رضى الله عنهم في معاملة السارق قاموا ببناء الدولة العلمانية ومنحوا الإنسان الاحترام و الحرية والكرامة والعزة ، والرب في جميع نصوصه المقدسة يؤكد على مكانة الإنسان وقدسيته ، فهم يلتقون مع الخالق في اهدافهم الإنسانية بل هم عباد الله المخلصين ، فهل الذي يعطي للإنسان القدسية مثلما أعطاها الرب للإنسان عندما أمر الملائكة أن يسجدوا له على صواب أم الذي يقود الناس للموت وللمهانة بأسم الرب على صواب ؟ الدولة العلمانية العلمية تتوافق مع كل ما ذكرناه أعلاه ، أما الدولة الدينية فإنها تخالف كل ما ذكرناه وتعتقد بإنها تعمل امتثالاً للنصوص الدينية وإنها تضطر للمذابح والحروب وقتل الناس لأن النص القرآني يآمرها أن تفعل ذلك بغض النظر عما يصيب الناس من الالام والويلات ، وهم مصرون عليها لأن في حساباتهم الإنسان عديم القيمة طالما هناك إرضاء لله كما يظنون ، لذلك نقول يجب النظر إلى مبادىء الدين الأساسية التي يريدنا الله تطبيقها لا إلى نوع الإنسان ولباسه الديني الذي يطبقها ، فلم يفلح الفقهاء ورجال الدين طوال تأريخهم في تطبيق مبادىء الدين الأخلاقية السامية ولم يفلحوا ببناء الإنسان السوي السليم ولم ينجحوا في بناء الأوطان بل طبقها ونجح في تطبيقها من سلك طريق العلم ولم يلتفت للنصوص الدينية ولا إلى تأويلاتها وهؤلاء هم أصحاب العقول العلمية الذين حاباهم الله لخدمة البشرية دون تمييز بين سيد وعامي ، بين أبيض وأسود ، بين مؤمن وكافر ، فهؤلاء حتماً سيحبّهم الله ويسدد خطاهم وينصرهم نصراً عزيزا .

One Comment on “أيهما أصح ، تطبيق حكم الله أم تطبيق حكم العقل ؟- كامل سلمان”

  1. يا استاذ الكريم. خلق الله انسان باحسن تقويمة . ولكن هم شرحو و فصلو كيفما يريدون . و القرآن الكريم غير كامل. ولكن 90 المسلمين جهله ولا يعرفون شي عن دينهم و فقط يتسمعون كلام المللالي و الكذابين. ولا يقرؤون لايعرفون الحقيقة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *