دكتوراه في التاريخ الإسلامي من جامعة مدريد
لطالما كان هنالك نقاش بخصوص العلوم الإنسانية وخاصة التاريخ فيما هو فن أو علم. حقيقة، أن التاريخ هو علم له منهجيته وأدواته وطرائق بحثه الخاصة به. في الكثير من الأحيان يتشابك علم التاريخ مع غيره من العلوم المساعدة البينية كالآثار والمخطوطات والنقود.. الخ لرسم، والوصول الى الحقيقية الشبه كاملة (العلوم الإنسانية وحتى التجريبية عامة، تبقى نسبية وهناك دائما هامش قليل للخطأ مهما استندت الى الرصانة العلمية في أبحاثها لأنه عمل وجهد بشري في نهاية الأمر). أذا كان هذا هو حال الذكاء البشري، فكيف يكون حال البحث التاريخي وعلم التاريخ عامة في حالة الذكاء الاصطناعي. لا مانع، بل على العكس تماما، يجب دمج التكنولوجيا الحديثة في علم التاريخ والعلوم المساعدة الأخرى والاستفادة من التقدم العلمي التكنولوجي الحديث في تدريس مادة التاريخ، وتقريب معالمه ومضامينه في دراسة الماضي والحاضر للطلبة، بأسلوب عصري يحاكي التكنولوجيا القريبة من واقع الطلبة اليومي. هنالك نقاط يجب شرحها من أهمها، جدوى الذكاء الاصطناعي في مجال الدراسات التاريخية، وخاصة في موضوع المشاعر والحيادية وتنمية وتعزيز المخيال العقلي لرسم صورة حادثة تاريخية لدى رجل الأنسان الآلي صاحب الذكاء الاصطناعي.
لقد اخترعت البشرية عبر الزمن وحتى يومنا هذا آلاف الأدوات التي مكنتها من زيادة القوة والبراعة لأداء المهام التي كان من المستحيل على الإنسان القيام بها في أوقات لاحقة. لقد شهدنا ثورات صناعية وتكنولوجية وثورات في مجال الطاقة غيرت حياتنا بشكل ملحوظ، هذا الأشياء، هي مجرد محصلة طبيعية لتطور وتقدم العقل والذكاء البشري. ولكن ما نراه الآن، بأن هذا التطور التكنولوجي قد بدئ يتطرق الى كيان ووجدان الأنسان العاقل بحد ذاته، فلم يعد بمثابة اكتشاف أدوات وأساليب أو أستباط أفكار ونظريات فقط، بل أصبح يشكل تهديد للوجود البشري بتركيزه على الذكاء وما يرتبط به من عمليات فهم وأدراك عقلي والذي يعتبر الجوهر الأساسي الذي يحدد هويتنا كنوع بشري. الذكاء الاصطناعي من حيث المبدأ، كالكثير من الاكتشافات البشرية الأخرى، له تداعيات سلبية وإيجابية، فهي أذا ليست جيدة أو سيئة “في حد ذاتها”، بل كل ذلك يتوقف على كيفية استخدامنا له. الذكاء الاصطناعي قادر على القيام بعمليات تحليل وبحث شديدة الدقة والتعقيد، ولكن في الكثير من مجالات المعرفة يفتقر الى المشاعر والعواطف والآمال والألآم البشرية الحقيقية. أضف الى ذلك، أن بني البشر هم من يقومون بتطوير هذا الذكاء الاصطناعي ووضعة في رأس ذلك الرجل الآلي (أي بما معناه القيام بعملية البرمجة من خلال أدخال كم هائل من المعلومات الى ذلك الدماغ الاصطناعي). وقد يدركون مستقبلا بأنهم قد قاموا بخطوة كبيرة وصحيحة ولكن في الطريق الخطأ. أذا، بالعودة الى موضوعنا الرئيسي، كيف يؤثر الذكاء الاصطناعي في مجال التدريس والبحث التاريخي؟
الذكاء الاصطناعي ودراسة التاريخ
التاريخ هو العلم الذي يدرس ماضي البشرية وعمليات التغيير والاستمرارية التاريخية الزمنية التي مرت بها على مر العصور. وللقيام بذلك، فإنه يعتمد على التحليل النقدي للمصادر الأولية والثانوية التي توثق الأحداث التاريخية. ومع ذلك، فإن التاريخ ليس علمًا دقيقًا كما أشرنا سابقا، بل يخضع لتفسير ومنظور المؤرخين، وإلى العبارة الشهيرة “التاريخ يكتبه المنتصرون”، ولذلك ينبغي أن نضيف، أن القصة التاريخية تعاد كتابتها باستمرار في ضوء الاكتشافات الجديدة، أو الحساسيات الجديدة للمجتمع تجاه موضوعات معينة.
لن أتحدث عن النشر الأكاديمي التاريخي بقواعده المحددة، بل عن مجال أكثر انتشارًا إلى حد ما: وهو أن عامة الناس يبحثون عبر الإنترنت، سواء في المدونات أو ملفات البودكاست أو مقاطع الفيديو أو وسائل التواصل الاجتماعي عن مواضيع ومحاضرات ودروس تاريخية, لقد أصبح الذكاء الاصطناعي يجعل الأمور أسهل بالنسبة لهم من خلال إنشاء المحتوى الذي يحتاجونه، سواء كان رسومات او دروسا أو نصوصًا، أو خرائط مع بعض التعليمات البسيطة لهذه التطبيقات من خلال قاعدة بيانات كبيرة وهذا ما يطلق عليه رقمنة العلوم الإنسانية والتاريخ (الأرشيف الإلكتروني) بشكل خاص. وهذا أيضا سلاح ذو حدين، فقد يتزايد انخفاض الجودة والمعلومات الخاطئة حول الموضوعات التاريخية بشكل كبير على الإنترنت، والذي بدوره يشوه الحقائق التاريخية ويخلق جو من التناقض والتضارب بين الكم الهائل من المعلومات التاريخية المتدفقة. ولكن في النهاية هذا لا يعني أننا ضد الذكاء الاصطناعي بل نحن مع تقنينه وتنظيمه.
ختاما، يجب أن يشترك الجميع في تحسين أداة الذكاء الاصطناعي في مجال العلوم والتوعية التاريخية. ولتحقيق ذلك، من الضروري إشراك خبراء التاريخ والأخلاق والتكنولوجيا في عملية التطوير هذه. بالإضافة إلى ذلك، من المهم للمعلمين وعامة الناس وخاصة طلبة التاريخ، أن يكون لديهم فهم أساسي لكيفية عمل الذكاء الاصطناعي وكيفية استخدامه، حتى يتمكنوا من تقييم مدى صحته وفائدته ومصداقيته في دراسة التاريخ وفهم الماضي البشري والقيام بمحاكاة تاريخية في القاعة الصفية من خلال أدوات الذكاء الاصطناعي.