الحملة الانتخابية في أقليم كوردستان على الجرار بعد مرور أكثر من 30 سنة على حكم الاحزاب الكوردية و خاصة الحزب الديمقراطي الكوردستاني و الاتحاد الوطني الكوردستاني. خلال مسيرة الحكم هذه حصلت الكثير من التغييرات و التطورات و لكنها لم تؤدي الى تغيير مقاليد الحكم و استمر نظام الحكم و بأختلاف بسيط خلال جميع تلك السنوات.
و هنا يتبادر الى الذهن العديد من الاسئلة التي أحتار الكثيرون الاجابة عليها و مجملها تتمحور حول السر و راء بقاء الحكم بيد الحزب الديمقراطي الكوردستاني أولا و تناغم الاتحاد الوطني معه على الحكم رغم الاختلافات بينهما. ماهو السر؟
أولى تلك الاسئلة هي هل السبب في بقاء نظام الحكم على ماهو علية نجاح الحزب الديمقراطي في أدارة سدة الحكم و بهذا أستمرار الدعم الجماهيري لها؟
هل السبب استتباب الامن في الاقليم تحت ظل تلك القيادة؟ أم الحالة المعيشية الجيدة التي تم تأمينها للمواطنين؟ أم الحريات الديمقراطية التي تم توفيرها للمواطنين بعد أنتهاء النظام الصدامي؟ أم التضامن و التكاتف بين الحزبين اللذان تقاسما السلطة في الاقليم؟
أم أن المعارضة ضعيفة و غير متمكنه و لهذا لم تحصل على التأييد الجماهيري كي يتم تغيير السلطة في الاقليم؟
أم أن جميع هذه العوامل لا دخل لها في بقاء حزبي السلطة و القضية تقتصر على التزوير و تخويف المواطنين كما يدعي البعض.
أم أن الدول الاقليمية و خاصة أيران و تركيا قاما بفرض هذين الحزبين و تقاسما السلطة بهذه الطريقة وتحويلها الى مناطق نفوذ لهاتين الدولتين كما يدعي الكثيرون؟
أم أن الشعب الكوردي بمجملة لم يرتقي الى حالة التمييز بين الصالح و الطالح من الاحزاب و في تصورهم ليس هناك فرق بين دولتي الخروف الابيض و الاسود؟
كل هذه الادعاءات تم تداولها من قبل وسائل الاعلام الكوردية و من قبل الاحزاب و القوى المتحاربة في الاقليم و لكن الجميع أبتعدوا كل البعد عن العوامل الحقيقية لفوز الاحزاب السياسية و خاصة في الدول الديمقراطية أو نصف الديمقراطية.
ففي دول الديمقرطية الحقيقية كالسويد مثلا يعتبر الاقتصاد و الحالة المعيشية و القدرة الشرائية هم الاساس في تصوت الشعب لهذا الحزب أو ذاك حيث الاعلام مستقل و كل الاحزاب تحصل على نفس المساحة الاعلامية ماعدا مواقع التواصل الاجتماعي و بعض الجرائد المحسوبة على هذا الفكر السياسي أو ذاك. و قد تضعف هذه المعايير الثلاثة أعلاه في حالة تعرض البلد الى خطر كما في حالة أنضمام السويد الى حلف شمال الاطلسي بعد مخاوف الحرب الروسية الاوكرانية عندها تتغلب كفة الاحزاب القومية و البرجوازية لأنها ببساطة تدعم تخصيص ميزانية قوية للجيش على حساب الخدمات الاجتماعية الاخرى. و الذي يحصل في تلك الحالات هو تغلب الشعور القومي على الاقتصادي لدى المواطن ناهيكم عن مشاعر الخوف من اللاجئين الذي وصل الى حوالي 20% من مواطني السويد.
في دول الرأسماليات الديمقراطية يختلف الامر تماما فألاموال و التمويل يلعب دورا رئيسيا في ترجيح كفة هذا المرشح على المرشحين الاخرين. و أمريكا هي أفضل مثال على ذلك ففيها الرأسماليون لديهم كلمة الفصل. فأي مرشح يحصل على أكبر تأييد من قبل الشركات فهو سيفوز في الانتخابات لا محالة. و عندما يتفق الحزب الديمقراطي الامريكي أو الجمهوري الامريكي على مرشحيهم للرئاسة فأن هذا الاتفاق مبني على الدعم الذي يحصلون علية من قبل الشركات التي تدعمهم و من خلال تأمين الرأسمال تقوم تلك الاحزاب و المرشحين بحملاتهم الانتخابية و جمع التأييد الشعبي. و في هذا القنوات الاعلامية لديها كلمة الفصل في دعم هذا المرشح أو ذاك و بطرق أعلامية علمية مدروسة الى ابعد الحدود.
أما الدول النصف الديمقراطية و التي فيها يتوحد الجيش و الشرطة مع الحزب أو الشخص الحاكم كما تركيا و روسيا فأن العملية الانتخابية كلها غير مضمونه و تقوم القنوات الرسمية و غير الرسمية المملوكة للحزب الحاكم بالدعاية للحزب الحاكم. كما تقوم بأستغلال الجيش و الشرطة و حتى الدوائر الحكومية من أجل ضمان فوز الحزب الحاكم. حتى ميزانية الدولة هي في يد الحزب الحاكم. و في هكذا أنظمة من الصعب أن يتم تغيير نظام الحكم فيها بسهولة. و يصبح تداول السلطة السلس بين الاحزاب أمرا نادر الحدوث. و العشرون سنة الاخيرة في تركيا و روسيا خير دليل على ذلك.
عودة الى أقليم كوردستان و الحملات الانتخابية الجارية الان و لنبدأ بمقارنة الاقليم بتلك النماذج الانتخابية الثلاثة لنرى أن هناك مزيجا من العوامل تتداخل في أقليم كوردستان و تجعل من الطبيعي و الحتمي أن يفوز الحزب الديمقراطي الكوردستاني بأكثرية الاصوات يليها الاتحاد الوطني الكوردستاني و من ثم قوتي المعارضة الرئيسيتين الجيل الجديد و جبهة الشعب ومن ثم الاحزاب الاسلامية.
فعراقيا يعمل الحزب الديمقراطي الكوردستاني أعلاميا بشكل أكبر على الفكر القومي و ضمان أرجاع المناطق الكوردستانية أكثر من القوى الاخرى التي جعلت من معادات الحزب الديمقراطي الكوردستاني الحاكم شعارها الرئيسي. و في هذا تكون قد أعتمدت كما أحزب اليمين السويدي على الحس القومي و المخاطر الخارجية على الدولة و بسببها فازت تلك الاحزاب في الانتخابات.
رأسماليا فأن الحزب الديمقراطي الكوردستاني يمتلك قدرة مالية هائلة كما أن الالاف من الرأسماليين الكورد و غيرهم يدعمون الحزب بسبب السياسات الاقتصادية التي تسمح للاغنياء الاستثمار في الاقليم و لا ننسى الشركات التركية و الخليجية و العراقية التي تستثمر في الاقليم. و بهذا يكون الحزب الديمقراطي قد حصل على الرأسمال بنفس طريقة الانتخابات الامريكية و ضمنت الرأسمال الذي يضمن لها التفوق على القوى الاخرى. نعم هناك وجود رأسمالي في السليمانية ايضا و لكن مقارنة بأربيل فأنها محدودة.
عسكريا و أمنيا فأن الحزب يملك قواة مسلحة تدين بالولاء الى الحزب و الى رئاسة الحزب. كما أن القوى الامنية أستطاعب أستتباب الامن و ضمان تاييد الحزب في العملية الانتخابية ناهيكم عن أمتلاكها لجميع القنوات الاعلامية التي وحدت السلطة بالحزب و هي الناطق الرسمي بأسم الحكومة و الحزب. و بهذا تكون قد حصلت على الضمانة العسكرية و الاعلامية ايضا للفوز بالانتخابات.
و من هنا نرى ان الحزب الديمقراطي الكوردستاني قد جمع بين التجارب الثلاثة للانتخابات في الدول ذات الديمقراطية الحقيقية، دول الديمقراطية الرأسمالية و الدول النصف ديمقراطية. يليها الاتحاد الوطني الكوردستاني و لكن في رقعة جغراقية اصغر و ضمن ظروف مختلفة. تلك الظروف تجعل المنافسة قوية بينها و بين قوى سياسية اخرى نشطة في مناطق السليمانية تحديدا و ليس في جميع مدن أقليم كوردستان. نعم الحزب الديمقراطي الكوردستاني ايضا لا يتمتع بنفوذ عسكري و سياسي كبير في محافظة السليمانية و لكن التناسب السكاني بين محافظة السليمانية و حلبجة و بين أربيل و دهوك هو ليس في صالح الاتحاد الوطني الكوردستاني و كفة الميزان تميل أجمالا للحزب الديمقراطي الكوردستاني.
من الحملات الانتخابية و التجمعات الحاصلة نرى بشكل واضح أن الحزب الديمقراطي الكوردستاني و من بعده الاتحاد الوطني الكوردستاني يستطيعان جمع عدد كبير من المواطنين بينما الاحزاب المعارضة لا يستطيعون الى الان جمع نصف ما يجمعة الحزب الديمقراطي الكوردستاني.
أهم عامل اخر في الانتخابات الحالية هو الوضع الدولي فكما الاحزاب اليمينية السويدية أستطاعت الفوز بسبب حرب أوكرانيا و عدائهم للاجئين من خلال حزب الديمقراطي السويدي فأن الظرف العالمي و الحرب الحالية بين أسرائيل و أيران تصب في مصلحة الحزب الديمقراطي الكوردستاني. فالاتحاد الوطني لديه علاقات قوية مع أيران و الحشد الشعبي و حتى محافظ كركوك الكوردي حصل نتيجة ذلك التقارب بينما الحزب الديمقراطي الكوردستاني لم يدخل ذلك التحالف و الخلاف الاسرائيلي الايراني بحد ذاته خلق ظرفا تصب فيها مصالح أمريكا و أسرائيل الى جانب فوز الحزب الديمقراطي الكوردستاني و ليس الاتحاد الوطني الكوردستاني أو القوى المعارضة التي لا تمتلك قوة عسكرية على الساحة العراقية.
كل هذه العوامل و عوامل أخرى ترجح كفة الحزب الديمقراطي الكوردستاني أولا و بنسبة أختلاف كبيرة عن باقي الاحزاب و يليها الاتحاد الوطني الكوردستاني ولكن بنسبه أقل بكثير.
قوى المعارضة تعتمد في حملاتها على خطاب أقتصادي و حريات ديمقراطية و أمنية و قانونية و حتى القسم منها لديها خطاب قومي أيضا و لكن هذه العوامل هي ليست الحاسمة في الحصول على صوت المواطن مادام وعي المواطن هو بالحدود التي نعرفها فأن قوى المعارضة سوف لن تستطيع الحصول على أصوات المواطنين.
على القوى السياسية أن تنطلق من هذا المنطلق في حملاتها و تعلم أن الحزب الديمقراطي الكوردستاني هو الذي سيقوم بتشكيل الحكومة و يحصل على أغلبية الاصوات و أنها تضر بنفسها أكثر عندما تكثر من العداوة. فأي حزب يريد أن يشارك في السلطة فأنه سوف يجلس في الاخير مع الحزب الفائز.
البرنامج الجيد و الرصين و النزاهة هي ليست العوامل التي تؤدي بالناخب دوما الى مبنى البرلمان و لا تؤدي أيضا الى تشكيل الحكومة بل العوامل التي ذكرناها أعلاه على الرغم من التناقضات التي تحمل في طياتها هي الحاسمة في بقاء الاحزاب أو فوزها.
الحزب الديمقراطى الكوردستانى حزب عريق استطاع رئيسه ان يوحد كورد العراق لفترة معينه ويقودثورة ويحقق مكاسب ومنجزات ولولا الانقسام والانشقاق الذى حصل فى الستينيات من القرن الماضى بين البارزانى الاب وجماعة المكتب السياسى ( بقيادة ابراهيم احمد ومام جلال ) والتنافس الذى حصل بين الطرفين وتحول الى خلافات وصراعات واقتتال داخلى وكسر عظم بين الطرفين منذ ذلك الوقت والى اليوم والحق ابلغ الاضرار بقضية الكورد فى الداخل والخارج . لكان لكورد العراق ومنذ زمن بعيد دولة وعلم فياترى متى يستطيع رمز كوردى وزعيم حكيم ان يوحد الكورد ويقودهم الى بر الامان وشاطىء النجاة ويحقق حلم الملايين