تحت رحمة الدعاية والإعلام .- كامل سلمان

العالم أصبح تحت رحمة الدعاية والإعلام ليس حلماً بل واقعاً ، فالإعلام أصبح يتحكم بعقولنا وأفكارنا وكذلك تفعل أساليب الدعاية ، عندما سُئل الملياردير صاحب شركة فورد للسيارات ، ماذا لو أفلست من المال وأعطيناك مئة دولار ماذا ستفعل به ؟ قال سأعمل على مشروع صناعي أو تجاري بعشرة دولارات فقط وسأصرف التسعين دولاراً المتبقية للدعاية لهذا المشروع إيماناً منه بأهمية الدعاية والإعلام في تسويق نتاجاته ، نعم هذه حقيقة في عالم اليوم ، مايدور حول العالم من أحداث وتغيرات نجد فيها بصمة الدعاية والإعلام واضحة بشكل لا غبار عنه وللإعلام حصة الأسد في تعظيم الأحداث أو تحجيمها ، فمثلاً في صراع الإنتخابات الأمريكية لم تكن المرشحة الديمقراطية كمالا هاريس سوى أمرأة نكرة لم يسمع لها صوت يذكر وكأنها كانت طوال وجودها كنائبة للرئيس الأمريكي جو بايدن دمية صامتة ولكن فجأة الإعلام الأمريكي أستطاع أن يحولها بين ليلة وضحاها إلى رمز للديمقراطية وبعبع يهدد الجمهوريين ويعرقل حساباتهم الإنتخابية ويضعها في موضع المنافس القوي في هذه الانتخابات ، غورباتشوف الرئيس السوفياتي الراحل الذي في عهده سقطت اتحاد الجمهوريات السوفياتية وتفتت هذه الدولة العظمى ، لم يكن غورباتشوف سوى وزيراً للزراعة قبل تلك الأحداث ولكن الإعلام الغربي جعل منه شخصية اسطورية مما دفع الشعب السوفياتي إلى الإلتفاف حوله وأختياره قائداً للبلاد لينهار الأتحاد السوفياتي على يده .. الحرب الروسية الأوكرانية مرة تشعرنا وسائل الإعلام بأنها ستكون البوابة لحرب عالمية ثالثة ومرة هي حرب منسية عديمة الأهمية ، الإعلام أصبح يتحكم بتوجهاتنا وأمزجتنا وحتى في قراراتنا ، فوسائل الإعلام المرئية والمسموعة استطاعت أن تدخل بيوتنا وحياتنا بشكل واسع . الحقيقة التي يجهلها معظم الناس وهي إن شبكات الإعلام مرتبطة بسياسات الدول أو جهات متنفذة ولا يوجد إعلام حر مستقل فهذا وهم بل الأكثر من ذلك فإن بعض وسائل الإعلام مرتبطة بأجهزة مخابراتية تتلقى التعليمات والمعلومات من خلال تلك الأجهزة بشكل مباشر وتقدمه لتلك الوسيلة الإعلامية كسبق صحفي أو مقال تحليلي .. الإعلام بشكل عام لا يخلو من الكذب ولكن نسبة الكذب تزداد عند إعلام الدول الضعيفة لأن الصدق سيكون صدمة للناس لكثرة الفضائح في هذه الدول ، لهذا السبب نجد معظم شعوب الدول الضعيفة لا تصدق ما تروجه وسائل إعلام بلدانها ، وهذه نقطة جوهرية خدمت إعلام الدول القوية وجعلتها محل ثقة مطلقة . من منا رأى بعينه أحداث غزة بالتفاصيل التي نسمعها؟ من منا رأى كوكب المريخ ؟ من منا رأى الأساطيل البحرية تتجه صوب بحر العرب والمحيط الهادي والبحر المتوسط ؟ فقط وسائل الإعلام قالت ذلك ، بالإعلام فقط أدخلوا الرعب في قلوب الحكومات والشعوب . كثير من الأشياء نسمعها ونرى لها صور حول العالم ولا نعرف حقيقتها لأن وسائل الإعلام نقلت ذلك ونحن مجبرون على تصديقها فلا نملك ما يدحض رأي الإعلام . فالإعلام أصبح فكر فلسفي يقود العالم بشكل هادىء وسلس دون أن يشعر به الناس بحيث أصبح الناس كالقطيع يقادون إلى حيث يريد من يقف وراء الوسائل الإعلامية الكبيرة ، لأن الوسائل الإعلامية الصغيرة أو المحلية هي تنقل ما تبثه الوسائل الإعلامية الكبيرة فهي كالتاجر بالجملة والتاجر بالمفرد أي بمعنى تبعية إجبارية . إنها بحق لعبة دهاة هذا العصر الذين حولوا العالم كله دمى تردد ما يقوله الإعلام ، الإعلام يجعل القريب منك بعيد والبعيد عنك قريب كما غنتها نجاة الصغيرة . مشكلتنا مع الإعلام هي أن جميع الحروب كانت بدايتها بتحريض إعلامي أو بكذبة إعلامية مختلقة أو بتعظيم إعلامي لحادث بسيط ، ونفس الإعلام يقوم بتعبئة وتجييش الجيوش لديمومة زخم المعركة وكذلك الإعلام قادر على تطييب الخواطر وتقريب القلوب لفك النزاعات والحروب ، وكأن الفنان بترتيب الكلمة يعرف كيف يوصلها لعقل المتلقي حتى على مستوى القادة والسياسين ، من يكتب تمجيداً لهذا الطرف أو ذاك يحصل على مقعده إعلامياً أما من يريد أن يكون له مقعداً وهو يكتب بضمير حي فهو في المكان والزمان الخطأ . فالإعلام اليوم سلاح يحسب له ألف حساب بل هو السلاح الأكثر فعالية في رفع العزيمة أو تثبيط العزيمة ، وقوة الإعلام عند الدول دليل قوة العقول التي تقود ذلك البلد ، اليوم أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي باب إعلامي آخر يدخل البيوت ولجميع أفراد العائلة صغيرهم وكبيرهم وحتى الرياضة أصبحت وسيلة إعلامية غير مباشرة ، فمن لا يجيد العزف في الوسائل الإعلامية فمن الأفضل أن لا يراهن على شيء .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *