٢٠٢٤/١٠/١٦
ايامٍ قليلة تفصلنا عن يوم الاقتراع الخاص والعام لانتخابات اعضاء الدورة السادسة لبرلمان كردستان، بعد يومٍ من انتهاء الحملة الانتخابية الساخنة للأحزاب والقوائم والمرشحين المستقلين المشاركين فيها، حملة مختلفة عن الحملات الانتخابية السابقة لما كان يحملها من حماس وشعارات وحركات وسلوكيات غير مألوفة وغير مقبولة في المجتمع لبعض الاشخاص حتى وصلت حدّ التجريحات والانتقادات اللاذعة والاتهامات التي تجاوزت حدود المصالح العليا وخطوط الأمن الوطني للإقليم، جعل الجمهور ينتظر بلهف وشوق لمثل هذه الخطابات لا للاستفادة منها أو الاستمتاع بها ومعرفة برنامج ذلك الحزب بل لمشاهدة الحركات البهلوانية المزعجة وغير اللائقة لشخص يقف امام الجمهور وكانّه فقد السيطرة على نفسه ويحرضهم على التقليد والتفوه بكلمات بعيدة عن اللياقة ويضرب جميع أسس الخطابة عرض الحائط.
كل حزب وقائمة ومرشح افرغ كل ما بجعبته خلال الأيام السابقة من برنامج ووعد وزيارات في سبيل إقناع الجمهور( الناخبين) بالتوجه الى مراكز الاقتراع والتصويت لصالحه، من الناخبين ممن كانوا فريسة سهلة للإقناع ومنهم مَن كانوا متمسكين بموقفهم السياسي وتشبثوا برأيهم لصالح حزب معين، أما القسم الآخر فكانوا متأرجحين بين التصويت لصالح هذا الحزب أو ذاك، في حين ربما نسبة لا بأس بها قرروا عدم المشاركة بالانتخابات من الاول، وهذا هو مصدر الخوف والقلق لأنه وحسب استطلاعات الرأي المنجزة من قبل الجهات الرسمية فإن نسبة المشاركة ستكون قليلة.
يوم التصويت هو يوم القرار الحاسم وهو يوم الإرادة الحرة والمشاركة الفعلية في صنع القرارات السياسية ورسم الخطوط العريضة لمستقبل البلاد للسنوات القادمة، بالرغم من التوقعات والتكهنات من قبل المختصين بالشأن الانتخابي بضعف المشاركة إلا ان عنصر المفاجأة يكون حاضراً بشكل واضح في الساحة وهذا من طبيعة الأمور، فكم من مرشح كان مطمئناً بالفوز إلا أنه تفاجئ بقلة الأصوات والعكس صحيح تماماً، لأن قراءة توجهات الناخبين وأفكارهم أمر صعب للغاية بالاضافة الى كثرة الوعود وعدم الالتزام بها وفقدان الثقة وإيمانهم بأن المرشح الفائز لا يخدم إلا نفسه والمحيطين به.
توقع نتائج الانتخابات قبل إعلان نتائجها الأولية وحتى النهائية أمر حساس جداً ويتطلب العلم والدراسة والخبرة ومعرفة الماضي والحاضر ومدى تاثير برنامج وخطب المرشحين والقادة السياسيين على الجمهور ، إن القليل من المحللين من يصيبون الهدف ويأتي توقعاتهم صحيحة او قريبة من الواقع.
بالرغم من كل ما قيل في الحملة الانتخابية، فإن النتائج المعلنة من قبل المفوضية العليا المستقلة للانتخابات هي التي ستتحكم في الموقف، ومن هنا تفتح الأبواب لكل الاحتمالات من التحالفات السياسية لتشكيل الحكومة الجديدة، حيث تبدأ جولات وصولات من الحوار والتفاوض للوصول الى صيغة تفاهم وتوافق بين الأطراف التي ترغب المشاركة في حكومة ائتلافية.
مرحلة تشكيل الحكومة الجديدة في إقليمه كردستان صعبة للغاية خاصةً عندما لا يملك طرف معين العدد الكافي لتشكليها وإنها ستحتاج الى دعم الأطراف الأخرى التي لا تقبل إلا بتحقيق أهدافها وربما يكون لها تحفظات على قضايا وشخصيات وترفع من سقف مطالبها وتطالب بوزارات معينة والا لا يكون مستعداً للمشاركة، وان المدد القانونية لتشكيل الحكومة محدودة بأيام وهذا يمثل ضغطاً كبيراً على الكتلة البرلمانية الأكبر للإسراع بإجراءاتها.
الأيام القادمة ستكون صعبة وحاسمة ومليئة بالتحديات حتى نشهد ولادة حكومة جديدة، ليست كسابقتها، لأن قوائم جديدة شاركت وتغيرت القوانين وتعددت الدوائر الانتخابية وهذا ما سيولد بالتأكيد نتائج جديدة ليست بالحسبان.
على القوى السياسية اولاً أن تقبل النتائج وترضى بما حصل عليها من مقاعد وأن تطلب بعدّد مقاعدها إذا قرّرت المشاركة في الحكومة، او أن تعمل كمعارضة تحت قبة البرلمان كإحدى أسس الديمقراطية.
ان إطلاق الأحكام المسبقة ووضع الشروط التعجيزية والتحفظات دلائل على عدم الرغبة في الحوار الوطني ومحاولة تأخير تشكيل الحكومة التي ستكون لها عواقب قانونية وخيمة وسلبية على العملية السياسية في الإقليم.
ثانياً ان تحتكم الى الطاولة المستديرة وتبدأ بالحوار البناء والتفاوض والتفاهم السليم بعيداً عن التخوين والاتهامات المتبادلة وتبدأ بصفحة جديدة وتمسح كل ما قيل خلال فترة الدعاية الانتخابية وتعمل يداً بيد من أجل كُردستان آمن ومستقر ومزدهر.
نعتقد أن الخريطة السياسية في الإقليم سيشهد تغيراً وأن ولادة الحكومة ستكون عسيرة ويستغرق مخاضاً طويلاً ونرى جولات وجولات من الحوار حتى نصل إلى ساعة الولادة والوليد القادم يفتح عينيه بعد عناء طويل، خاصةً وان الخطب التي ألقيت خلال فترة الحملة الانتخابية تشير إلى إعادة التحالفات السياسية اي إنهاء التحالفات الحالية وهذا ما سيعقد المشهد السياسي وتكون ولادة الحكومة قيصرية في ظل تمسك القوى السياسية بشروطها وتحفظاتها.
أملنا كبير بالقوى السياسية في الإقليم على اختلاف وجهات نظرها وألوانها بأن يكونوا على قدر المسؤولية ويشاركون في خدمة المجتمع ويعملون لأجل المصالح العليا المشتركة وكل ما قيل كان للاستهلاك الانتخابي.
والله المستعان