سمعت قبل ايام من راديو الدانمارك، بأن وزير الهجرة والاندماج (Kåre Dybvad Bek) من الحزب الاشتراكي الديمقراطي الدانماركي الحاكم مع الائتلاف اليميني في الدانمارك، قد أرسل دعوة لممثلي الجاليات الاجنبية المقيمة في الدانمارك للاجتماع حول مناقشة ظاهرة معاداة السامية، التي انتشرت في الآونة الأخيرة في البلاد حسب قول الوزير والمزمع اجراءه يوم الخميس 24/أكتوبر من الشهر الجاري، وذلك للقاء مع وزير الهجرة والاندماج ووزير المدينة والريف من الحكومة والكنيسة، ولم يتم تنفيذه ورفض عدد من ممثلي الجالية االاسلامية هذه الدعوة. وصرح الناطق باسم المسلمين في كوبنهاغن عرفان زهور أحمد لاحقاً، وقال للوزير: يمكن ان تزورنا ونناقش معكم مسالة العداء للسامية وكذلك إسلام فوبيا (أي كراهية الإسلام). رد الوزير: بان رفضهم للدعوة، يعني معاداتهم للسامية، في الوقت الذي نسى او تناسى الوزير بان العرب هم أيضا من العرق السامي! واليوم أصبحت هذه المسالة تتداول بين الدانماركيين، بان العرب هم يعادون السامية والشعب اليهودي، في الوقت الذي كان تاريخياً ولاتزال ممارسة معاداة السامية واضحة في الدول الأوربية من قبل الاوربيين أنفسهم، الذين طردوا اليهود من بلدانهم.
فإذا كان الوزير صادقا في دعوته، كان من الاجدر ان يكون عنوان الدعوة لمناقشة مسالة حوار الحضارات والأديان بين هذه الجاليات، بدلا من معاداة السامية، وبذلك فإن دعوته هذه ذات مغزى سياسي بامتياز، بدلا من معنى الحوار المجتمعي. والسؤال الذي يطرح نفسه لماذا هذا الاجتماع في هذا التوقيت، في الوقت الذي تمارس إسرائيل منذ 7/ أكتوبر من العام المنصرم حتى اليوم أبشع حرب عدوانية وبدعم الحكومي والسياسي والعسكري والمعنوي مع دولة إسرائيل، لإبادة الشعب الفلسطيني المناضل من أجل حقوقه الوطنية والقومية المشروعة وإقامة دولته المستقلة على أراضيه المحتلة.
سبق وان قامت الناشطة المدنية والنائبة السابقة في البرلمان الدانماركي من أصل تركي (Özlem Cekic) بإنشاء منتدى باسم (مقهى الحوار)، بهدف تعزيز العلاقات الاجتماعية بين الجاليات المقيمة في الدانمارك، من خلال توسيع الحوارات البناءة والعمل المشترك مع الجهات الحكومية، وخاصة المؤسسات العاملة في مجال الهجرة والاندماج، وأن دعم هذا النشاط يمكن ان يساهم في حل كثير من المعضلات في هذه المسالة.
اليوم أصبحت ظاهرة العداء للأجانب وخاصة العرب والمسلمين واضحة للعيان من قبل الأحزاب اليمينية والشعبوية في كثير من البلدان الاوربية، منها في البلدان الاسكندنافية، فعلى سبيل المثال، أقدم المتطرف الدانماركي راسموسن بالودان، اليميني المتطرف ورئيس حزب (هارد لاين) الذي أسسه عام 2017، على حرق القرآن مرتين في السويد، مدينة مالمو والعاصمة ستوكهولم، وذلك بحماية من الشرطة السويدية.
وقام ايضاً بتنظيم الاحتجاجات والمظاهرات ضد المهاجرين في المناطق التي يقطنها المهاجرون المسلمون في المدن الكبيرة في الدانمارك، وإحراق القرآن، والتحريض ضد مجموعة عرقية معينة، ونشر الكراهية ضد الأجانب. ولم تتخذ السلطات الحكومية اية إجراءات قانونية مناسبة وملوسة ضد ممارساته العنصرية.
سبق وان أحد الصحفيين قابل رئيسة وزراء الدانمارك (Mette Frederiksen) عشية احداث 7/ أكتوبر
بين حماس وإسرائيل، وقالت اثناء المقابلة: بانها قدمت باقة ورود (بوكيت) لقبر أطفال اليهود، الذين تم قتلهم واختطافهم أثناء هجوم حماس على جمهور اليهود الذين كانوا في الاحتفال على حدود مع قطاع غزة. سألها الصحفي، لماذا لم تقدّمي أيضا الورود لأطفال فلسطين الذين يقتلون بمئات بصواريخ وقنابل الإسرائيلية في قطاع غزة. فأجابته، وقالت: أستغرب من سؤالك وانت دانماركي!؟
أن تشكيلة الحكومية الحالية بقيادة الحزب الاشتراكي ليست متجانسة ويمنية، وتتوجه نحو ترويج
وتطبيق نموذج “اللبرالية الجديدة” في سياستها الاقتصادية والاجتماعية، وبمجاراة السياسات الامريكية والوحدة الاوربية في العلاقات الدولية، وبشكل خاص ما تجري من الحروب و/أو فرض الحصار الاقتصادي في المنطقة وضد روسيا الاتحادية واستفزاز الصين الشعبية، وكل من لا ينفذ سياساتهما في المحافل الدولية.
ختاماً، ووفق هذه المعطيات، أرى بأن هناك تراجع واضح للعيان من الحكومة الحالية في سياستها تجاه الأجانب وخاصة من منطقة الشرق الاوسط، سواءً من حيث قبول لاجئين جدد و/أو تراجع في برامج الاندماج للاجئين المقيمين في البلاد، وخاصة في سوق العمل، فعليه لا يمكن التوقع آي الحوار من هذا النوع تكون ثماره إيجابي بين الأطراف المعنية ومؤسسات الحكومة الدانماركية.