الشاعر عبد الرحيم محمود مقاوماً و مقاتلاً- بقلم الكاتب: عمر رمضان صبره 

 

  فإما حياة تسر الصديق وإما ممات يغيظ الهدى.
هذا بيت الشعر الذي يحفظه عن ظهر قلب كل فلسطيني وعربي وحر وإنساني هو لأبو الطيب عبد الرحيم محمود.
ولد شاعرنا العريق عبد الرحيم محمود عام 1913 في قرية عنبتا لأسرة فلسطينية متوسطة الحال، وقد درس الابتدائية في قريته، ثم اختار طولكرم لتكملة تعليمة المرحلة الثانية وبعدها التحق بكلية النجاح الثانوية، وبعد انتهاء الدراسة انتقل لمدرسة البوليس الفلسطيني لمدة عام ثم استقال من الخدمة لرفضه تنفيذ أوامر مدير البوليس البريطاني.
عام 1933عاد إلى كلية النجاح والتحق بالهيئة التدريسية وظل حتى عام 1937، والتحق بالثورة الفلسطينية بقيادة المجاهد الفذ عبد الرحيم حاج محمود، وأصبح الانجليز يبحثون عنه فذهب إلى دمشق ثم إلى بغداد والتحق الكلية العسكرية لمدة عام تخرج منها برتبة ملازم ثاني، وفي بغداد تعرف على الشهيد المقاوم عبد القادر الحسيني وعلى القائد الشيوعي الفذ فؤاد نصار.
عمل شاعرنا الجميل مدير مدرسة ابتدائية في البصرة، وفي عامي 1940-1941 ظهرت ثورة رشيد عالي الكيلاني في العراق والتحق بها وعندما فشلت الثورة هرب من العراق عائداً إلى فلسطين.
عاد إلى التدريس في كلية النجاح وتزوج ابنة خاله وانجب منها الطيب وطلال ورقية.
عندما صدر قرار التقسيم عام 1947 دخلت الجيوش العربية إلى فلسطين حتى قدم استقالته من التدريس والتحق بجيش الإنقاذ.
شارك الشاعر الكبير في عدة معارك مقاوماً الاحتلال حتى استشهاده في معركة الشجرة 13/7/1948، ودفن الشاعر في مدينة الناصرة التي أحبته وأحبها وعشقها.
يعتبر أبو الطيب شاعرا مهماً بالفترة من العشرينات حتى الأربعينات من القرن الماضي هو ضمن أشهر أربعة شعراء ابراهيم طوقان وعبد الكريم الكرمي (ابو سلمى) وعبد الرحيم محمود ومطلق عبد الخالق، وتميز عنهم عبد الرحيم محمود بأنه فارس مقاوما ويحمل روحه على راحته، ومات شهيدا.
 بالإضافة لأهمية الشاعر عبد الرحيم محمود الشعرية وتجربته الرائدة بالشعر والمقاومة و الجهاد الا أنه يمتاز بامتياز خاص ويعتبر صاحب نظرة خاصة للحياة الاجتماعية وإيمانه بالشعب بديلا عن القيادات العربية الرجعية حيث حملها الشاعر المسؤولية بالإضافة للمسؤولية إلى الاستعمار البريطاني والحركة الصهيونية، خصوصاً طعنهم الثورة الفلسطينية 1936 وهزيمتهم بحرب 1948.
فيقول الشاعر عن أن الثورة الاجتماعية هي الحل:
يا أيها الشعب العظيم أجدت للمجد الطلاب
من عاش ما بين الوحوش يكن له ظفر وناب
والنار تضمن والحديد لمن تساءل أن يجاب
حكمها فيما تريد ففيها فصل الخطاب.
واعتبر أن الثورة الاجتماعية هي الضامن للثورة الوطنية وشرطا لحرية المجتمع والإنسان فهذه الأبيات الشعرية تعبر عن هذه الحرية:
اتينا للحياة فلي نصيب كما لك أنت في الدنيا نصيب
فلم تعدو وتغصبني حقوقي. وتطلب أن يسالمك الغصيب
فانصفني ولا تجحف فإني أخوك إذا دعا الخطب والعصيب
والشاعر الكبير من وحي المشاركة الفعلية في الثورة فكتب قصيدته الشعرية الشهيره الشهيد وفاءا لشهيد ودوره الوطني:
سأحمل روحي على راحتي والقي بها في مهاوي الردى
فإما حياة تسر الصديق وإما ممات يغيظ العدى
ومن سماته الرائدة تشبث بالهوية الوطنية والقومية والتشبث بالتراب الوطني وتمسكه بتراثه العربي والثقافة والحضارة العربية ويعبر هنا بأحد قصائده:
لن يستعيد العرب سالف مجدهم ولسانهم غرض لرمي سهام
إن يرفعوا ما انقض من بينانهم فالضاد أول حائط وعام
لقد تميز الشاعر عبد الرحيم محمود برؤيا بعيدة المدى وتنبئ نكسة ونكبة 1967 الثانية قبل حدوثها باثنين وثلاثين عام حين يخاطب الأمير سعود في قصيدة “نجم السعود”، التي ألقاها في مسقط رأسه عنبتا بتاريخ 14/8/1935 في حفل استقبال الأمير قائلاً:
يا ذا الأمير أمام عينك شاعر ضمت على الشكوى المريرة أضلعه
المسجد الأقصى اجئت تزوره أم جئت من قبل الضياع تودعه
وغدا وما أدناه لا يبقى سوى يهمني وسن نقرعه
ختاماً
يعتبر الشاعر الفلسطيني عبد الرحيم محمود ايقونة لشعر المقاومة والقتال من أجل الحرية، فقاتل بسلاحه حتى نال الشهادة، وتحدث بشعره عن مشاعر الثوار الذين دافعوا عن حق شعب فلسطين في حماية أرضه ومقدساتها.
ويعتبر كتاب الأعمال الكاملة للشاعر عبد الرحيم محمود (القصائد – المقالات) التي جمعها وقام بتحقيقها الشاعر عز الدين المناصرة في دمشق والصادر عن دار الجليل، 1988.
رحم الله شاعر فلسطين ورحم الله شهداء فلسطين.