الفنُ وَالشِّعرُ يَتناغَمانِ بِعُمقٍ بمَعرضِ طاعُون – يَحيَى غَازِي الأَمِيرِيِّ

 

بِتفاعلٍ وَتَناغمٍ وتناسق هرموني بين الفَنِ وَالشِعرِ حلقنا بعيداً برحلة عبر نوافذ الإبداع في فضاءات ثقافة بلاد الرافدين، مهد الحضارات (سومر)، استمتعنا بلذة انتشاء عبر تلك الرحلة التي احتضنتها في صالة (كاليري أور) مساء السبت (2024.11.2) بافتتاح معرض الفنان التشكيلي المبدع (جعفر طاعون).

حيث تبهرك محتويات جداريته الكبيرة الشاسعة المساحة التي غطت معظم جدران القاعة الرئيسة لصالة العرض، والتي ابدعتها ريشة الفنان (طاعون)والتي نتجت عن تمازجِ أفكار وهواجس وتفاعلات وعواطف وأحلام وآمال الفنان عبر رحلة سنين عديدة يختزنها بالذاكرة.

عند بدأ افتتاح المعرض تحدث الفنان (جعفر طاعون) عن المعرض وفكرة اختياره لهذا الشكل من العرض جدارية كبيرة للوحات متسلسلة لتكوين لوحة واحدة؛ وبعدها قدم ضيف الأمسية الذي يشاركه المعرض بقراءات لنصوص شعرية، الشاعر (د. خزعل الماجدي).

سريعاً وبترتيل مُتقن لقصيدةٍ رائعةٍ معبرة، بعثتْ الروح باللوحاتِ المعروضة، بكلمات تستنطق الصور والمكونات المتنوعة التي تختزنها تلك الجدارية واللوحات المكملة لها التي تنوعت بأشكالها واحجامها ومضامينها، أنه صوت الشاعر والأديب والباحث الجهبذ (د.خزعل الماجدي) شد الحضور له وهو يتلو بصوت جميل قصيدته المؤثرة الموسومة (مهاجرون) التي أستوحاها من هذا العمل الفني الإبداعي، والتي جاءت متناغمة ومنسجمة مع الصور الفنية التي تزخر بها لوحات المعرض.

وقبل البدء بقراءة قصيده (مهاجرون) تحدث (د. الماجدي) عن المعرض والقصيدة، التي كتبها بعد مشاهدته للمعرض قبل افتتاح العرض بعدة أيام، وقد عبر عن لوحات المعرض بقوله (أنها تمثل رحلة الإنسان الرافديني/ السومري) والتي لم تتوقف لغاية اليوم.

أدناه مقطع من (قصيدة مهاجرون) والتي كتبها (د. الماجدي) بخط يده، والتي أخذت حيز في (مكانين) منفصلين من جدار المعرض، لتكون مع اللوحات (بانوراما) متناسقة متكاملة مع فكرة لوحات المعرض.

{مهاجرون

مهاجرون في المكان

لا بيت لنا لا ضلَّ، ولا أمان

يسوطنا الظلام

نرحلُ في قوافلِ الموتِ

وفي المراكب المحطمة،

لعمقِ بحرِ الظلمةِ السحيقة

يتبعنا أنيننا وَذُلّنا

المدنُ الزاهيةُ اختفت وجاء حتفنا

يحصدنا الواحدُ بعد آخرٍ

لا أسم لنا، لا سطرَ، لا عنوان

مهاجرون في قيودنا

في صمتنا الشاسع في سلاسل الطِعان

التِيهُ بعضُ سجننا.. والبحرُ بعضُ مائنا

والمدنُ الدخان.

ماذا فعلناهُ لكي نغرقَ في النسيان؟

أكان ذنباً أنّنا كتبنا!

وأننا سطرنا الحروفَ وابتكرنا جنة الجِنان!

أكان ذنباً أننا، من دمنا وطيننا،

ومن غناءٍ عانقَ السماء والقيعان

شقشقَ فجرُ الأرضِ

ثم ازدهرت حضارة الإنسان.

كنت قد أخبرت أبنتي الفنانة التشكيلة (ريام الأميري) والتي جاءتنا ضيف قادمة من (ستوكهولم) أخبرتها عن موعد المعرض، وكذلك سترافق المعرض، مشاركة للشاعر للفنان والكاتب والباحث (د. خزعل الماجدي)، بقراءات شعرية، تحمست كثيراً للحضور، وقبل الذهاب لقاعة المعرض، ذهبت مبكراً لإحدى متاجر بيع الزهور لشراء (باقتان) من الورد، لإهدائها للفنان (جعفر طاعون) والأخرى للشاعر الضيف (د. خزعل الماجدي)

{وعندما سألت أبنتي الفنانة (ريام) بعد مشاهدتها جدارية ولوحات المعرض، وسماعها القراءة الشعرية، عن انطباعها ومشاعرها؟

  • كان جوابها:
  • في لوحات المعرض تبرز الدهشة لصور كثيرة من بلادنا وأبرزها العيون السومرية الواسعة، وفي اللوحات والقصيدة فيها الكثير من الحنين لبلدنا الحبيب العراق وهواجس قلق وخوف من الاغتراب.
  • تم أضافت: لقد شاهدت اليوم عملاً جميلاً متكاملاً جمع بين الفن والشعر.}

فعلاً، كان لمشاركة الدكتور (خزعل الماجدي)، بهذه القصيدة وبقية القصائد التي قرئها بعدها، قد أعطت بعداً عميقاً للوحات والصور الفنية من خلال كلمات القصيدة. فقد عملا معاً بتناغم كبير لجمع الثقافة (العراقية الرافدينية) الأصيلة ببودقة واحدة واخراجها بهذا الشكل الرائع، فقد جسد كل واحد منهما أفكاراً ومشاعراً عميقة، مكملة بعضها لبعض، فجاءت النتيجة أكثر تأثراً وجمالاً.

هذه إحدى ابداعات أبناء بلاد الرافدين في الغربة، نعم انها الحقيقة التي نحملها معنا أينما نذهب ونقيم، فلن تتوقف أو تخبو أو تغيب أو تخمد أو تنطفئ جذوة الحب والاحتجاج والكفاح والإنتاج والإبداع من نفوس وعقول أبناء بلاد بين النهرين وعبر ألاف السنين.

حضر حفل الافتتاح جمهور متنوع الجنسيات من الفنانين والكتاب والمهتمين بالفن والأدب، وقد شرفت المعرض بزيارتها مديرة متحف الفنون التشكيلية في مدينة لوند.

مالمو في 2024.11.04