أعظم أكتشاف استطاع قادة دولنا الوصول إليه وتقديمه كهوية تعريفية لهم ولشعوب المنطقة هو أن النصر الحقيقي أن لا تعترف بالهزيمة مهما كانت الهزيمة مرة ، وهذه حالة تم أكتشافها وتم تقديمها كبراءة اختراع لدول العالم . لماذا عدم الاعتراف بالهزيمة ؟ الشعوب وقادتها الذين يعترفون بالهزيمة كالشعب الياباني وإمبراطورها في الحرب العالمية الثانية عندما اعترفوا بالهزيمة واستسلموا ولو لم يفعلوا ذلك لما كانت هناك دولة اسمها اليابان اليوم ولكن اعترافهم بالهزيمة جعلت اليابان اليوم تاج على رؤوس الأمم والشعوب لأنهم أدركوا الحقيقة وحافظوا على كرامتهم وكرامة شعوبهم وتصرفوا بما يمليه عليهم الواقع فاستطاعوا أن يعيدوا وجودهم بين الأمم بكل ثقة واقتدار والشعب الإيطالي وقادتها فعلوا الشيء نفسه وغيرهم من القادة والشعوب أعادوا انفسهم بعد الهزيمة وأثبتوا للتأريخ بأن الهزيمة ليست نهاية الحياة وإنما عدم الاعتراف بالهزيمة هي نهاية الحياة ، لذلك حياة شعوبنا فيها اختلال غير متوازن من سيء إلى أسوأ والسبب هو أننا نعتبر الاعتراف بالهزيمة عار فنظل نتحمل تبعات الهزيمة من إهانات وخسائر و ذلة وحصار ونزوح جماعي وقتل الأطفال وتدمير البنى التحتية والعيش في العراء والأوبئة والأمراض مقابل أن لا نعترف بالهزيمة لأننا نعلم بأننا شعوب وأمم لا تثق بنفسها وتأريخنا يشهد بأن من يسقط أرضاً لن يستطيع النهوض ثانية لأننا لا نمتلك ثقافة وعقلية النهوض بعد السقوط بل نمتلك ثقافة انتظار الموت بعد السقوط ، أي أن تركيبتنا ليست كالشعب الفيتنامي ولا الشعب الياباني ولا الشعب الهندي ولا غيرها من الشعوب التي تعترف بالهزيمة وتتنازل لتعيد نفسها وتعيد وجودها بقوة ، فهي شعوب تثق بنفسها ، الهزائم تلاحقنا في كل مكان ولا نعترف ، هذا العراق تدمر تدميراً كاملاً في الحرب ضد التحالف الدولي التي كانت تقودها الولايات المتحدة الأمريكية في تسعينيات القرن الماضي بعد احتلال الكويت ، بعد كل الدمار خرج صدام حسين على شاشات التلفزة يضحك ويقول بكل وقاحة إنتصرنا وهزمنا العدو ، حماس اليوم منتصرة بماذا ؟ لا أدري وحزب الله منتصر ، حتى لو بقي شخص واحد في غزة وشخص واحد في جنوب لبنان سيرفع يده بإشارة النصر … فمن ينتظر بيان الاعتراف بالهزيمة فهذا شخص يعيش الوهم ، متى أصبح الإنسان له قيمة كي نعترف بالهزيمة ونحافظ على الإنسان ، المسألة لا تقف عند حد الإدعاء بالنصر زوراً بل يتعدى ذلك بكثير هو أن خسائر العدو التي نذيعها ونحصيها كل يوم لو جمعناها على مدار عام لأصبحت تعادل خسائر الحرب العالمية الثانية ، بل الأدهى من ذلك الشروط التي يضعونها قادتنا في المفاوضات ، طبعاً المفاوضات تتوسط بها بعض الدول لإنقاذ حياة الأبرياء من النساء والأطفال والعجزة والمرضى من الموت المحقق ومن الهلاك ، يقف قادتنا العظام ليقولون للعالم بشكل واضح وصريح بأنهم يريدون وقف إطلاق النار لكن بشروط المنتصر بعد أن ظنوا أنهم منتصرون . هذه الأمور لا نذكرها في هذا المكان للمزاح وللسخرية ولكن نذكرها لنكون حريصين على كشف الخلل العقلي الذي يعيشه قادتنا ، فهذا خلل عقلي مخزي يجب علاجه ويجب علاج عقول من يعيشون النصر الوهمي من مثقفين وإعلاميين ومطبلين ، فإلى متى تتكرر هذه الفضائح وهذه العيوب ؟ ففي كل معركة تعاد الأمور بنفس السيناريو ( تنتفخ الأوداج بعد تخزين السلاح وحفر الانفاق والشحن العقائدي ثم الهجوم في غفلة من الزمن ثم مباشرة التوسل لوقف النار والبكاء على قلة الدواء وعدم توفر الأوكسجين في المستشفيات والحاجة إلى حليب الأطفال ) هذا السيناريو نفسه تكرر في العراق عدة مرات وفي إيران وسوريا ولبنان واليمن وفلسطين وبنفس الطريقة وكذلك في دول عربية وإسلامية أخرى لأن التركيبة العقلية مستنسخة عندهم ، بينما العدو الجبان كما يسمونه لا يشتكي ولا يبكي ولا يصرخ مع العلم هو المهزوم حسب الإعلام عندنا … الاعتراف بالهزيمة يعني الاعتراف بالفشل ، نحن والحمد لله لايوجد عندنا قائد فاشل ، هذا تأريخنا أمامكم يمكنكم استعراضه على مدى 1400 عام هل ظهر عندنا قائد اعترف بالفشل ، لو كانت حماس اعترفت منذ اليوم الأول لهجوم السابع من اكتوبر بالفشل لما قتل طفل فلسطيني واحد ولما تشرد غزاوي واحد مع العلم كان الفشل واضحاً ويفهمه حتى المجنون ، ولو اعترف حزب الله بالفشل منذ اليوم الاول لتفجير البيجر لما اصاب جنوب لبنان هذه الجراح وهذه المآسي ، ولكن الواقع يقول بأن تبعات الهزيمة أهون عندهم من الاعتراف بالهزيمة ، وهذه هي علتنا عندما تكون العقول محجورة وكرامة الناس مهدورة والكذب مباح فأننا منتصرون !