مقال في موسيقى شنكال –

 

 

لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يتطور مجتمع وهو يلهث وينشد الحداثة، دون أن يلتفت الى الفنون التي يمتلكها، وأولها الموسيقى.

الموسيقى الجنائزية رافقتنا منذ الأزل، وقد حان الوقت لركنها على جنب كموروث ديني وشعبي كان يحمل فلسفة نوعية في مسألة خلود الروح بعد موت الجسد ورحلتها الأبدية من القبر الى الآفاق الرحبة بانتظار القيامة، أو ربما الرجوع ثانية الى الحياة بطريقة أخرى كالتناسخ مثلا وتخضع للعقاب والثواب.

يضحك علينا من يقول لنا (لنمضي قدما..) نمضي الى أين؟ ونحن لا نمتلك من الموسيقى الا أساطير الأولين وغزل اللاحقين الفاحش.

ومما زاد الطين بلة، ولادة جيل المخيمات، الذين يحملون أسماء وألقابا لا تمت للإيزيديين بصلة. والتي لسان حالنا يقول فيهم، مع الاعتذار للشاعر الرياشي:

أن أولاد الخيام … كثروا يارب فينا

ربي أدخلني بلادا… لا أرى فيه النازحينَ.

البدء من جديد من الصفر، ستكون محاولة لا بأس بها، وأنا هنا لا أدعى إطلاق شعار (أنظر ورائك بغضب…) أي نبذ وأهمال كل الماضي، لا يجوز لكي تبين تقدميتك وحداثتك أن تسخر من الأيزيدياتي وتتشدق بمقولات بعض الفلاسفة الذين بطبيعة الحال لا تفهمهم، وشر البلية ما يضحك.

يقول سليم مطر في كتابه (الذات الجريحة):

“باسم الخوف من العشائرية شرعنا باحتقار كل تقاليد وتراث أهلنا، صرنا نخجل حتى من أسمائنا من ثيابنا من لهجاتنا من مأكلنا. حتى الخمور نحتسيها للتمرد على الدين وتقليد الغربي”. وكأنه يخاطبنا نحن الأيزيديون، في وقتنا الحاضر.

لذلك؛ علينا أن نلتفت الى تجارب الآخرين ونقرأ علوم الآخرين ونستفاد من خبرة الأخرين، ونتهيأ لرحلة زادها طبيعة حوض جبل شنكال وخيال ألف شاعر وحنجرة ألف مغني وأنامل ألف موسيقي، ولنعمل الفرح برغبة.

يقول الأستاذ على الشوك في كتابه الممتع (الموسيقى والميتافيزيقيا) وهو ينبهنا كيف يمكن أن نتقدم في علوم الموسيقى التي نحملها بين أيدينا قائلا:

“… العود أقل روعة من الكيتار في صوتيته، لكنه كان واعدا وذا آفاق تطورية في أبعاده الشكلية، أو الجسدية. فمنه نشأت الآلات الوترية الأخرى، بما في ذلك البيانو، والكمان…”.

وماذا عنا؟ الا نمتلك القدرة على استنباط آلات حديثة من الطنبور وهو أي الطنبور من الوتريات أيضا؟ حسنا لماذا لا نستسيغ الاستماع والعزف على البيانو أو العود أو الكمان، وهي آلات تدخل اليوم في توزيع وعزف الموسيقى العالمية الكلاسيكية بحداثة مدهشة؟ مع أننا نستخدم في طربكاتنا آلة الأورغ الحديثة!!!

عند كتابتي لكتابي (آل حربا) كنت أتواصل مع العازف على الطنبور، الشاب العبقري (خيري مراد حربا) وقال لي من جملة ما قاله بأنه لديه مقطوعات موسيقية على الطنبور. استمعت الى تلك المقطوعات وكانت بلا اسم يمكن العثور على بعض النبوغ في كيفية التنقل من الأعلى للأسفل على الأوتار، على كل حال كانت معزوفات قصيرة ولكنها ممتعة، ويمكن التأسيس عليها في بناء موسيقى تتسم بالحداثة.