جاءت الديانات السماوية، حاملةً رسائل من الخالق، لهداية الإنسان للجنة ونعيمها الذي لا ينضب، فصورت الجنة كموطن للسعادة المطلقة والراحة الأبدية، كرحمة وهدية منه سبحانه لعباده المؤمنين..
من دلائل الرحمة الإلهية التي تجلت في التاريخ، قصة بني إسرائيل حين أنعم سبحانه عليهم بالمنِّ والسلوى، طعاماً يسد جوعهم ويشبع حاجتهم، ليكون ذلك دافعاً لهم للدخول في دين النبي موسى والتقرب للخالق، وطاعته والإلتزام بأوامره ونواهيه.
على نفس المنوال إستكمالا وتكاملا، جاء الإسلام برسائل تؤكد أهمية الجانب المادي في حياة الإنسان، ففي القرآن الكريم، جاءت آية تقول “المال والبنون زينة الحياة الدنيا” لتبرز دور المال في تلبية احتياجات الإنسان، وتحقيق استقراره وسعادته، كما وردت العديد من الأحاديث عن أمام البلغاء علي ابن أبي طالب عليه وأله أفضل الصلوات، لتدل على أن السعادة لا تتحقق إلا بوجود المال، الذي يضمن الكفاف ويؤمن الحياة الكريمة، إضافة إلى المسكن الذي يعد ركيزة من ركائز الاستقرار.
هذه الرسالة الإلهية والأحاديث الشريفة، تحمل دلالة واضحة، على أن توفير الاحتياجات المادية الأساسية للإنسان، مدخل أساسي لتقوية الإيمان بالافكار، وتوطيد العلاقة بين الإنسان وخالقه، والبناء العقائدي يبدأ في جانب منه، بنهاية توفير الماديات الأساسية.
إذا ما نظرنا إلى الوضع في لبنان، نجد أن المقاومة الإسلامية، تمكنت من بناء قاعدة شعبية قوية، ليس فقط من خلال الخطاب الديني والعقائدي، بل من خلال توفير الدعم المادي للأفراد، بدءاً من المساعدات الغذائية، وصولاً إلى الخدمات الصحية والتعليمية لكافة تنظيماته، فلقد أدرك الحزب أن الإنسان، لكي يكون متمسكاً بدينه وعقيدته، يحتاج أولاً لتلبية احتياجاته الأساسية، وهذا النهج أدى إلى ترسيخ العقيدة الجهادية، لدى جزء كبير من الشعب اللبناني، ما جعلهم أكثر مقاومةً والتزاماً.
في العراق الصورة تبدو مختلفة تماماً، فالحركات والتيارات العقائدية منها، تطالب الأفراد بالتمسك بالعقيدة ومواجهة “الهجمات الفكرية” دون أن تبذل جهداً كافياً، لتوفير مقومات الحياة الكريمة، فهناك ثلاثة ملايين عائلة تفتقر للسكن، وهناك نقص في الخدمات الأساسية كالدواء والتعليم، وارتفاع فاحش بأسعار العقارات والبضائع، جعلت من الصعب على العراقي، أن يؤمن بأهمية الدفاع عن النظام السياسي، لما يعانيه في حياته اليومية، وهنا يكمن التحدي الكبير: كيف يمكن أن يطلب من الإنسان، أن يدافع عن فكرة أو عقيدة، في وقتٍ لا يجد فيه ما يسد رمقه أو يحفظ كرامته؟
لا يمكن أن تكون العقيدة راسخة دوماً، دون أن يترافق ذلك مع تلبية الاحتياجات المادية للأفراد، فالإيمان لا يُبنى في فراغ، ويصعب أن يزدهر في بيئة يسودها الفقر، فالخالق أوجد الإنسان بطبيعة تحتاج إلى الطعام والمسكن، والأمان قبل أن تدفعه إلى النضال.. نعم يحصل ذلك، لكن لفئات قوية العقيدة وشديدتها، وهو ما يندر حالياً مع الأسف إلا لقلة.. وخاصة من قبل جيل زي، الذي ولد في ظل التطورات التكنلوجية، ورأى العالم عبارة عن قرية صغيرة، وهو لن يؤمن حتى يرى المساواة مع اقرانه خارج الحدود.
لذلك على التيارات والأحزاب السياسية، أن تدرك أن بناء الإنسان، يبدأ برغيف الخبز قبل بناء الأفكار.. فالخالق لا يُعرف من خلال الكلام فقط، بل بالفعل الذي يلبي حاجات الناس، ويؤمن لهم حياة كريمة، ليكون الإيمان نتيجة حتمية لهذا العطاء.