الحكومات الشرق اوسطية لا يمكنها العيش في بيئة سليمة نظيفة خالية من الفساد وذلك لان الافراد الذين يقودون هذه الحكومات يعتقدون ان من حقهم هم فقط قيادة البلد , وهم فقط سيحافظون على استقلالية هذا البلد ومؤمنون تماما ان لابديل عنهم لذا فهم يتكالبون على السلطة ويسعون بكل قوة للاحتفاظ بها , ومن اجل ذلك يجب عليهم اختلاق مشاكل تشغل افكار المواطنين وتضع خط احمر لمدى تفكيرهم وتبعدهم عن المشاركة في السلطة الا ضمن الحدود التي يسمحون هم بها, ومن الاركان الاساسية لهذه المشاكل التي تسعى السلطات لاختلاقها بين افراد الشعب , نشر الفساد بين افراد هذا الشعب وخلق حالة عدم الالتزام بالقوانين السارية والسعي نحو نشر المحسوبية والواسطة ومحاولة ابقائهم ضمن حالة الجاهلية القديمة والاستمرار باختلاق عدو خارجي دائم يرهب به هذا الشعب ,( اما انا او الوقوع بأيدي الاعداء)
وفي كوردستان كان تأثير الشعب على الاحزاب الكوردية قبل 2003 كبيرا جدا وكانت الاحزاب هي التي تتملق لهذا الشعب من اجل ارضائه , وتعاون الطرفان , الشعب والاحزاب من اجل الحفاظ قدر الامكان على تلميع صورة كوردستان امام العالم الخارجي لكسب عطفهم من اجل استمرار الدفاع عنهم ضد صدام حسين , وكان السبب الاساس لهجرة الشباب في ذلك الوقت هو الخوف من العودة الى احضان الحكومة العراقية , في حين فضل غالبية الشعب العمل والمشاركة في اعادة تأسيس الدوائر الحكومية وارساء مؤسسات الحكم الناقصة والعمل في هذه المؤسسات برواتب رمزية لم تكن تكفي ( حسبما قال احدهم لشراء كيس طحين ) .
حتى ان الحزبين الكبيرين سعيا الى التوافق في اول تجربة انتخابات من اجل المشاركة في الحكم وذلك لارضاء شعب كوردستان في ذلك الوقت , اما الان ولان رضا هذا الشعب لم يعد ضمن اولويات الاحزاب فسوف نرى صعوبة تحقيق اي وفاق بينهم .
قبل عام 2003 وعندما كانت الحياة في كوردستان تسير بصورة بسيطة وشبه عشوائية ولكن ضمن ضوابط شعبية وهي عدم الاخلال بالامن او الاعتداء على الاخرين او تجريدهم من حقوقهم الا في حدود الاحداث الفردية , لم تكن الاحزاب تشعر بالقوة التي هي عليه الان ولم تكن الاجهزة الامنية للحكومة بهذا الانضباط . لكن بعد سقوط نظام البعث وبعد ان خلت الساحة لاحزابنا واصبحت هي التي تقود الاقليم دون خوف , بدأت الحرية المنفلتة تزداد وبدأت بوادر انحسار الفضيلة وبدا الالتزام بالولاء للحزب اهم من الفضيلة او الدين او القانون , ولم يعد رادع الاعراف السماوية كافيا لردع الفساد , ولم يعد لتطبيق القوانين الوضعية اهمية اذا كانت تتعارض مع مصالح الاحزاب او المسؤولين , وتراجع الحس الوطني حتى اصبحت الوطنية هي مدى تنفيذ الاجندات الحزبية , سواء للاحزاب الحاكمة او الاحزاب المنتمية لتيار المعارضة , وتولدت سلوكيات جديدة امام المواطنين لم نكن نعهدها ( نحن الكورد ) ايام كنا تحت حكم الحكومات العراقية , هذه السلوكيات هي , ان لا وجود للوطنية بقدر ما هي المصالح التي تتحقق على حساب هذا الوطن , وان من لا يملك الواسطة او ليس حزبيا لا يستطيع ان يتعين , لا يستطيع ان يجد عملا مرموقا , لا يستطيع القبول في مؤسسة تعليمية قريبة لرغباته , وان من يملك الاموال يمكن ان يشتري به الذمم ايضا , وانتشرت قناعة لدى الشباب ان من يرغب العيش برفاهية عليه المغادرة والهجرة من هذا الوطن , والامر الاكثر ايلاما وهوعدم قدرة اي مواطن لمنعه , ما تحقق الان في وقت لم يتمكن حتى اعتى الحكام في العراق وهو صدام حسين من تحقيقه وهو سهولة انتشارالتعريب بصورة غير متوقعة داخل مدننا وبايدي وجهائنا وبمباركة شديدة من قبل احزابنا وبطريقة واسلوب شرعي ( حسب تعبيرهم ) لم نعهده ولم نكن نتصوره في يوم من الايام واصبح مصير كوردستان المستقبلي على المحك .
وبدأ تأثيرالشرائع السماوية على سلوكية الفرد يضعف واصبح الضمير الذي كان يتحكم بهذا السلوك يتوارى امام استمرار الهزائم النفسية للمواطن , ويستثنى من ملاحقة القوانين من كانت له اليد الطولى في الوصول الى اصحاب النفوذ , من ناحية اخرى اصبحت هالة التهويل لقوة الاحزاب تتعاظم وعندما يخطئ اي حزب يمكن ان تتحول هذه الاخطاء الى منجزات او محبطات لدور ذلك الحزب حسب القوة او الشعبية التي يتمتع بها الحزب في ذلك الوقت , ورويدا رويدا امتلك اعضاء الاحزاب لبعض المقومات لا يمتلكها الاخرون مثل تمتعهم بنوع من اثارة الخوف في نفوس الاخرين عند مخاطبتهم , او الحصول على منح مالية ومادية لا تمنح للاخرين او تمتعهم بنوع من الحصانة لا تشمل المواطن العادي .
وهكذا تقوقع المواطن الذي يشكل البذرة الاولى للشعب بحيث اصبح هو الحلقة الاضعف في المجتمع تهزه رياح المشاكل الاجتماعية والاقتصادية بحيث لم يعد للسياسة تلك الفرصة لاشغال فكره , فالجيوب الفارغة تحط من قدره , وخوفه على اولاده خشية الوقوع في براثن المخدرات او العاب القمار تدفعه اما الى اللامبالاة , لتتفكك الاسر بعدها نتيجة تغلغل هذه المشاكل بين افراد العائلة او على الاب البحث عن حل سماوي للحفاظ على اسرته ثم اللجوء الى منقذ من الاحزاب او من المتنفذين لانقاذ اولاده عند سقوطهم في هذا الشرك وعندها سيضطر للولوج من داخل باب الفساد .
الجزء القادم سنغوص في اسباب الفساد ومن بعدها سنحاول البحث عن بعض الحلول
التي تبدو مستحيلة في بعض الاحيان
حاتم خاني
دهوك 27 / 11 / 2024