جميع وجهات النظر التي تطرح حول الأزمة السورية هي مجرد توقعات قد تصيب وقد تخيب ، لكن هنالك حقائق قد لا ينتبه إليها الكثير من أصحاب الرأي ، من هذه الحقائق هي ظاهرة الدولة غير الرسمية ، أو الإقليم أو المقاطعة المنفصلة أو واقع حال أو غيرها من التسميات ، فمثلاً تايوان وهونك كونك وكشمير وكوردستان ومكاو ودول كثيرة في العالم أصبحت دول بكل معايير الدولة تجارياً وسياسياً وجغرافياً واقتصادياً وتمثيل خارجي وعلم ودستور لكنها دول غير معترف بها كدول في المنظمات الدولية والأمم المتحدة لكنها واقع حال كيانات مستقلة ، فالصين اليوم على سبيل المثال راضية على الوضع التايواني بشكل أو بآخر طالما لا يوجد اعتراف دولي بتايوان كدولة مستقلة وهي تعلم بأن تايوان دولة متكاملة صناعياً وزراعياً وعلمياً واقتصادياً وعسكرياً ولكن ليس لها مقعد دولة في الأمم المتحدة لذلك فهي تشعر بأن عودة تايوان في حضن الأم مجرد وقت وبنفس الوقت تايوان تشعر بأنها مع مرور الوقت ستكون دولة معترف بها ، ونفس الحال ينطبق على كثير من الدول التي غير معترف بها في الأمم المتحدة ، هذه الظاهرة أي ظاهرة خروج دولة أو شبه دول من رحم الدولة الأم كحل من أجل السيطرة على الإقتتال الذي ليس له نهاية بسبب العرق أو الدين جعلت بؤر الصراعات أقل حدة في العالم ، مثلما حدث في العراق في تسعينيات القرن الماضي وحتى الأن عندما أصبحت كوردستان شبه دولة في علاقاتها الخارجية وتجارتها وقراراتها وحدودها ودستورها لكنها بقيت كجزء تابع للعراق في حضورها الدولي ، فهو حل مقبول لجميع الأطراف لأنه يخفف من شدة التوترات والاحتقان القومي والعرقي والديني وتنهي الصراعات الدموية القائمة ، وهذا ما يحدث أيضاً مع أجزاء كبيرة من دول القوقاز فبالإمكان نفس الفكرة تطرح على المقاطعات التي أحتلتها روسيا من أوكرانيا أن تصبح دول مستقلة عن أوكرانيا وروسيا عن طريق الإستفتاء فتصبح حاجزاً بين روسيا وأوكرانيا وستكون أقاليم أو دول شبه مستقلة يمكن التعامل معها باستقلالية ،، لذلك فهي حالة مقبولة يتم من خلالها إيقاف سفك الدماء وتهدئة الأطراف وإحلال السلام .. بالنسبة للحالة السورية فأن الحل السلمي مستحيل بعد ما حدث من إبادات جماعية وجرائم قتل و فضائع بحق المدنيين ، فأما أن ينتهي بشار الأسد وحزب البعث الحاكم وينتهي معه ملايين العلويين والشيعة أو أن ينتهي السنة الذين يشكلون غالبية الشعب السوري ، ستستمر الحروب والدماء والقتل إلى أن يقتنع الجميع بضرورة تقسيم سوريا إلى ثلاثة دول شبه مستقلة ، جميعها ضمن الدولة السورية الأم ، دولة كوردية شبه مستقلة ، دولة سنية شبه مستقلة ودولة العلويين البعثية الموجودة في دمشق ، واقع الحال حالياً على الأرض هو ثلاثة كيانات منفصلة ستصبح شبه دول ، وهي كذلك منذ أكثر من عشرة سنوات ، ولكنها لم تكن متكافئة بسبب سوء التوزيع في المساحات الممنوحة للمعارضة السورية وقلة المساحات التي تقع تحت سيطرة الكورد ، فالظاهر هناك اتفاق ضمني غير معلن بين الدول المعنية بالشأن السوري ( تركيا ، إيران ، إسرائيل ، روسيا ) وبرقابة أمريكية على تكافؤ التوزيع لتكون ثلاثة دول منقسمة مستقلة بأسم دولة واحدة وعلم واحد في المحافل الدولية لذلك تأجج الصراع من جديد لإعادة التقسيم ، عندما يحصل كل كيان على حصته من المساحة سيتم الإعلان عن وقف لإطلاق النار ونزول القوات الدولية لمنع الاشتباكات بين الأطراف المتنازعة ولمنع المزيد من إراقة الدماء ولتطبيق القرارات الأممية التي ستصدر بهذا الشأن ، وهذه لعبة يجيدها الكبار …. الفكرة قد تستمر لعشرات السنين أن تعيش في دولة ليس لها اعتراف رسمي في الأمم المتحدة لكنها تمتلك كل مزايا ومواصفات الدولة ، وأظن بأن هذه الطريقة ستكون هي الطريقة المثلى للقضاء على بؤر الأزمات في جميع أنحاء العالم ، وبالنسبة لمنطقتنا الشرق أوسطية ستكون حلاً مثالياً نظراً لتعدد الأعراق وتعدد المذاهب والديانات إضافة إلى أن تعدد الدول ستكون ضمانة مؤكدة لأمن إسرائيل وأمن المنطقة ، وقد يسأل أحدنا لماذا هذا التقسيم لا يشمل الدول المتعددة الأعراق والقوميات والتي هي سبب كل هذه الفتن مثل تركيا وإيران ، أنا أظن بأن هذه الدول ستقع بنفس المشكلة و ستمر بنفس الخطوات مستقبلاً شاءت أم أبت لأن العالم أصبح كتاباً مفتوحاً لا شيء يمكن إخفاءه ، ولا يمكن هضم حقوق الأقليات إلى مالا نهاية ، ولم يعد المجتمع الدولي يتقبل سحق حقوق الإنسان وحقوق المعارضين ، فاليوم الدول التي تصدر الأزمات غداً ستتلقى الأزمات ، فأية دولة في العالم فيها اعراق وديانات ومذاهب متنوعة ستقع بنفس المشكلة إذا كان نظام الحكم نظاماً شمولياً وستتعرض للتقسيم غصباً عنها ، فالحروب والفوضى والصراعات الداخلية والإقليمية هي استنزاف اقتصادي مدمر تهلك البلدان ، وكلنا نعلم بأن العالم يتجه نحو المستقبل الذي أساسه التكنلوجيا والاقتصاد والذكاء الصناعي فأية حروب عرقية أو دينية تشتعل في أي بلد بالعالم لابد أن يكون الحل في نهاية المطاف تقسيمها إلى دول أو أقاليم ، والعالم كله يتذكر تقسيم يوغسلافيا إلى ستة دول كيف كانت الإبادات التي رافقت التقسيم ، فكانت وصمة عار في جبين الإنسانية فعملية التقسيم المباشر وإعلان الدول الاعتراف الرسمي في الدول المنفصلة قد يكون حلاً مكلفاً مثلما حصل في يوغسلافيا ، فالحل بالنموذج الكوردستاني أو النموذج التايواني أو النموذج الكشميري وغيرها سيكون هو الحل الأمثل والأكثر مقبولية وواقعية ، وسوريا ستكون نموذجاً أخر للتقسيم فالتعايش سوية ونسيان أنهار الدم التي اريقت لم يعد حلاً بين الحكومة السورية والأطراف المحلية الأخرى ، ومن يعول على المصالحة الوطنية فهو بعيد عن الواقع .
الأنگليز والفرنسيين دُهاة في أستعمارهم للشعوب وخاصة العربية ، عندما غالبية الشعب ( شيعة ، علويين …) نصبوا حكم سني ( معاكس ) و عندما غالبية الشعب سُنّهَ فَنَصَبّوا حكم ( شيعي ، علوي ) وهكذا في مختلف القوميات والبلدان في العالم….. أعتقد والله الأعلم ، لن تسلم الجرة في الثانية ……
صدقت ، ولكني أضيف لولا شدة الاختلاف والكراهية بين المذاهب وسلب حقوق الآخرين لما حدث ما حدث ، فيبقى العيب دائماً في هذه الشعوب وقادتها ورجال الدين فيها ، تحياتي