ذلك هو عيد صوم ئيزيد الذي يحل في اول جمعة من الكانون الأول الشرقي, لماذا هذا التوقيت ؟ إنه توقيت أجنبي لجأ إليه الداسنيون بعد الإسلام والقضاء على تقويمهم وتراثهم الزرادشتي الداسني فعدل الفرس تقويمهم إلى شمسي هجري والئيزديون حاولوا التوفيق بين تقويمهم الشمسي السابق والهجري القمري المفروض فاخترعوا حساباً معقداً لضبط مناسباتهم ومواعيدهم الشمسية بالحساب الهجري وهو حساب معقد ليس التعامل معه سهلاً:
(الأساس + تسلسل الشهر + عدد ايام الشهر الشرقي – 30 إذا كان الحاصل أكثر من 30 = اليوم القمري)
فاتخذوا من التقويم الميلادي الشرقي الرومي الأرثذوكسي حساباً لمناسباتهم .
لاشك أن هذا العيد قد سبق جميع التقاويم فلم يكن يتحدد باليوم او الشهر بل بالمناخ, والتحديد المناخي في الحسابات القديمة المعتمدة على الملاحظة بالعين المجردة لم يكن دقيقاً باليوم ولا الشهر فكل التقاويم القديمة جداً كانت قمرية ولا يمكن الإعتماد عليها في تحديد المناسبات السنوية ومواعيد الزرع وغيرها والتي تتطلّب توقيتاً مناخياً فصلياً ثابتاً في السنة, وكان الإنسان أيضاً يحاول بكل جد وخبرة من ضبط التقاويم وتثبيت المناسبات في أدق مواعيدها الفصلية الزراعية فكان التحديد المناخي أهم شيء في حياة المجتمع الزراعي الداسني, كما لم تكن لديهم آلات وأدوات للتحديد الدقيق باليوم المحدد للمناسبة فكانت الملاحظة بالعين المجردة هي وسيلة تحديد يوم استدارة الشمس وتحديد النقاط المناخية وهذا مستحيل أن تكون دقيقة بدون آلة حديثة فكان الحساب تقديرياً وبالملاحظة قد تكون صحيحة في بعض السنين وقد تسبق اليوم الصحيح بعدة أيام وقد تتأخر عنه بأيام بحسب حالة الطقس والمناخ في تلك الفترة في السنوات المختلفة, لكن في العموم الغالب حتى بالملاحظة العينية فالمراقب الدقيق لا يمكن أن يخطأ بأكثر من أسبوع ولهذا السبب بالذات فإن أعيادنا القديمة كلها تتأرجح ضمن أسبوع محدد: الإسبوع الأول من الشتاء عيد الصوم والأسبوع الأول من شباط بداية الربيع عيد خضر الياس واسبوع منتصف الربيع عيد السرصال, ولا أظن أن التثبيت الدقيق للتقويم الشمسي قد سبق زرادشت فهو بإعتكافه عشر سنوات ودراسته لحركة الشمس توصل إلى هذه الدقة في تحديد الفصول 1/ فرفردين الإعتدال الربيعي وهو عيد نوروز بداية الربيع ورأس السنة الكوردية بالحساب الإيراني القديم 21 آذارغربي, فيكون 1/ ديَ ماه إستدارة الشمس 21 ك1 وهو عيد الشمس وبداية فصل الشتاء , و 1 ميهرماه الإعتدال الخريفي وبداية الخريف 21 أيلول, وأخيراً 1 خورداد الإنقلاب الصيفي 21 حزيران وبداية الصيف .
أما تثبيته في يوم معين من الأسبوع مثل الجمعة أو الأربعاء أو الخميس, فهذا قد تم بعد تطور الحساب والتقاويم عند البشر و بموجب معتقدات ذلك الزمن لأسبابٍ هم يعتقدونها, بالتأكيد يوم الجمعة والأربعاء مقدستان حتى اليوم أما الخميس عيد الخلود فربما يدل على أصل العيد غير الكوردي (سومري مثلاً) فشعوب العراق قد إقتبست الكثير من بعضها, وأنا أعتقد أن تقديس الجمعة قد سبق الأربعاء, لأنها مشتقة من إسم إله (إيناهيتا) إله الماء المقدس بينما الأربعاء إسم عدد إعتيادي, وإستدارة الشمس هي أهم أقدم حدث مناخي طبيعي لاحظه الإنسان وفي المناطق الجبلية قارصة البرودة ومن حقه أن يخاف على نزول الشمس والصوم من أجلها وملاحظتها بدقة حتى أصبحت إلهاً لهم , بينما في الجنوب الحار والصحراوي فقد كان الإهتمام بالقمر ومن أجل الحساب والتقويم وذلك بعد تطور حضارة البشر ولذلك فقد إقترن إسم الصوم عندنا بإسم الشمس ( رؤزً / رؤزًي) باللغة الكوردية و عند الاقوام الاخرى إسم الصوم لا يُشابه إسم الشمس في لغاتهم أبداً وكان عددها كبيراً قبل زرادشت: جلة كبير 40 يوم يتبعه الجلة الصغير 20 يوماً, بدءاً من يوم توقف الشمس في تلك الليلة فسهروا وصاموا حتى عادت صباحاً, هكذا إعتبرت المناسبة مركبة هي بداية جلة الشتاء وبداية فصل الشتاء وليلة الشفبراة وإستدارة الشمس فلكياً وصوم ئيزيد دينياً, عيد واحد بخمسة مناسبات .
لماذا نُسب الصوم للإله ئيزيد؟ فذلك يبدو أن الإله ئيزيد كان أعظم الآلهة عند ذلك القوم في ذلك الحين, أما تقليص الصوم إلى ثلاثة أيام للعامة فأظن أن ذلك كان من إصلاحات زرادشت في تشجيع الزراعة فعفا عوام الفلاحين من الصوم وقلصه إلى ثلاثة أيام رمزية وترك الخيار للمتزهدين ورجال الدين وهو كذلك حتى اليوم.
أما زحف المناسبة عن الموقع الفلكي الصحيح فتلك هي بسبب تعديل التقاويم عدة مرات بعد تطورها عبر العصور واختلاف العلماء في التحديد بالعين المجردة في كل محاولة لتحديد الأصوب, ثم تاثير المعتقدات الأخرى عليها جراء الحروب وتغيير السلطات المختلفة وفرض معتقدات المنتصر, فمثلاً ليلة الشفبراة ليست مقتبسة من الإسلام لكنها الآن تدور مع المناسبة الإسلامية ليلة 15 شعبان يوم تغيير القبلة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام, ويبدو أن في أحد السنين قد تصادفا في نفس الليلة وبسب سيطرة الإسلام فقد زحف معه بعد ذلك , ولا تزال طوائف إيرانية تحتفل بتلك الليلة ويسمونها (شب جلة) اي ليلة الأربعانية في نفس الموعد بداية الشتاء الإيراني , كما أن يومي الجمعة التاليين هي أيضاً أعياد عيد كشكة بيرافات/ بيلندة الصغير وعيد بيلندة الكبير حين تأكدوا من عودة الشمس و إرتفاعها بوضوح لا يقبل الجدل, وحتى بهذا التوقيت الزاحف ببضعة أيام, تكون أيام الجمعة الثلاثة المتتالية هي عيد في هذا العام والقادم والذي بعده , ثم يتقدم عيد الصوم ببضعة أيام في سنوات تالية وهكذا الإختلاف لا يتعدى الأسبوع على مدار السنين.
10 ك1 2024
حاجي علو