بيان صادر عن جبهة العودة والبناء
بعد عقودٍ من القمع الممنهج وتجفيف الحياة الاجتماعية والسياسية الذي مارسه النظام السوري بحقّ الشعب السوري، انطلقت الثورة السورية العظيمة عام 2011، ثورة الحرية والكرامة، والتي دفع السوريون خلالها أثماناً باهظة في سبيل الخلاص من الاستبداد والطغيان. لقد أدت هذه الثورة إلى تدمير مدنهم وبلداتهم وقراهم، وأجبرت الملايين على النزوح إلى المخيمات ودول الجوار أو الشتات.
وعلى مدار ثلاثة عشر عاماً، قدم السوريون تضحيات جسيمة: مئات الآلاف من الشهداء، والمعتقلين، والمغيبين، و المغتصبات اللواتي تعرضن للانتهاكات في سجون النظام وأقبية أجهزته القمعية. ولم تكن هذه التضحيات عبثية؛ فالنظام سقط أخيراً بفعل دماء السوريين ومعاناتهم وصمودهم، وليس بفعل البنادق وحدها.
طوال هذه السنوات، لم يفقد السوريون الأمل في الخلاص، ولم يتخلوا عن مطلبهم في بناء دولة سورية جديدة، دولة لكل السوريين، تقرر مصيرها إرادة شعبها دون تدخلات خارجية أو فرض مسارات لا تعبر عنهم.
ملاحظات على المرحلة الراهنة
لكن في لحظة النشوة بسقوط النظام، تفاجأ السوريون، في الداخل والخارج، بسلوك سلطة الأمر الواقع الجديدة، التي استأثرت بإدارة المرحلة الحالية. هذه المرحلة، التي يفترض أن تكون تمهيداً لمرحلة انتقالية، لم ترتقِ إلى المستوى المطلوب بعد، حيث لا تزال تقتصر على معالجة الفوضى المؤسسية والمعيشية والأمنية.
وقد تجلّى هذا الاستئثار بتعيين رئيس حكومة مؤقتة ينتمي إلى الفصيل الذي لعب دوراً رئيسياً في إسقاط النظام، دون التشاور مع النخب السياسية السورية أو إشراكها في عملية ترتيب البيت الداخلي والمشاركة في إدارة المرحلة. هذا الإقصاء أعاد إلى الأذهان ظلال الاستبداد، إذ بات يخشى الكثيرون من أن ذهنية التفرد بالقرار سترافق سوريا الجديدة، ما يعيد إنتاج ممارسات النظام السابق.
كارثة في السياسة الخارجية
سلطة الأمر الواقع الحالية أظهرت افتقاراً واضحاً إلى الخبرة السياسية الخارجية. ففي الأيام التي تلت سقوط النظام، انسحبت إسرائيل من اتفاقية فك الاشتباك لعام 1974 وتوغلت في الأراضي السورية، مستهدفة منشآت عسكرية تعود ملكيتها للشعب السوري. هذه المنشآت، التي بُنيت بعرق السوريين، استخدمها النظام في قمعهم طوال السنوات الماضية، ومع ذلك، لم يصدر عن سلطة الأمر الواقع أي موقف واضح يدين العدوان الإسرائيلي أو يطالب المجتمع الدولي بالتصدي له.
هذا التقصير في إدارة السياسة الخارجية قد يكون ناجماً عن تغييب النخب السورية ذات الخبرة في التعامل مع المجتمع الدولي وقنوات الاتصال مع الغرب. وهو ما منح إسرائيل ذريعة لاستغلال هذا الفراغ السياسي لصالحها.
نحو سوريا جديدة
إن سوريا الأسد قد سقطت، ومعها أبدها المزعوم. واليوم، سوريا الجديدة يجب أن تكون ملكاً لكل أبنائها، حيث يحق للجميع المشاركة في بناء مستقبلها دون إقصاء أو استئثار.
بناءً على ذلك، تعلن جبهة العودة والبناء رفضها للخطوات الانفرادية التي قامت بها سلطة الأمر الواقع، وتطالبها بتغيير مسارها عبر:
1.تهيئة الظروف الأمنية: لضمان عودة جميع السوريين الفاعلين في الشأن العام.
2.إشراك النخب الوطنية: في إدارة شؤون البلاد، بما يحقق توافقاً وطنياً شاملاً.
3.اعتماد الشفافية والمشاركة: في اتخاذ القرارات المتعلقة بالمرحلة الانتقالية.
نؤكد أن هذه المرحلة هي من أدق وأخطر المراحل في تاريخ سوريا الوليدة، ويجب أن تُبنى على أسس تعكس تضحيات السوريين وتطلعاتهم لدولة تسودها الحرية والعدالة والمساواة.