الدولة العميقة لنظام الأسد…كيف إنتهت؟ – الكاتب/سمير داود حنوش

لايمكن لعقل بشري أن يتخيل صورة ماكنة حديدية وهي تطحن جسماً بشرياً لِتُحيله إلى كتل من اللحم والعظم، تعجز الكلمات عن وصف ذلك المشهد حين يقف التاريخ خجلاً من شيء إسمه الإنسانية.

بماذا يختلف أولئك الطغاة الذين يثرمون شعوبهم بمثارم تطحنهم ومن ثم يرمون ما تبقى منهم إلى أسماك النهر؟ بماذا يختلف الحاكم الديكتاتوري عن أصحاب الغرابيب السود وجنود داعش؟ .

يسقط الطغاة وتُفتح معهم أسرار قصورهم المليئة برائحة الدم وذاكرة القتل الذي لم يتوقف عندهم طيلة حكمهم، ذلك الصندوق الأسود الذي يُفتح لحظة المغادرة.

أقبية وزنازين وذكريات على جدران السجن ومصانع للكبتاغون ورائحة كريهة لمساجين قضوا نحبهم من التعذيب وآخرون فقدوا عقولهم وألسنتهم، والصنف الأخير الذي أصابه لُطف السماء بالخروج بأقل الأضرار، ذلك هو ملخص نهاية عهد بشار الأسد الحاكم الذي كان يدعو لتحرير الجولان المحتلة، سيناريو إنتهى بسقوط طاغية.

سأل أحد المذيعين الرئيس السوري السابق الذي قتل ما يقارب مليون سوري وهجّر أكثر من ستة ملايين “هل تنامون الليل؟” أجابه بشار “نعم وأنام مبكراً” فأيُّ ضمير كان يحمله ذلك الحاكم تجاه شعبه.

قالها الرئيس الليبي المخلوع مُعمّر القذافي في القمة التي عُقدت في دمشق عام 2008 حين إجتمع القادة العرب في إشارة إلى إعدام صدام حسين قائلاً “سيأتي دور كل واحد منكم، ما حدث لصدام ينتظركم أيضاً” المفارقة إن لقطة الكاميرا سجلت ضحكة بشار الأسد من بين القادة الذين كانت تتردد ضحكاتهم في القاعة.

في غضون ساعات إستطاعت إسرائيل أن تدمر ترسانة النظام العسكرية، ومعامله الكيمياوية ومعدات حربية كان يحتفظ بها في معسكراته وأقبيته، ولا ندري سبب هذا الإحتفاظ بهذا الكّم الهائل من السلاح وهو الذي لم يطلق إطلاقة واحدة بوجه الجيش الإسرائيلي، قد يكون إحتفظ بهذا السلاح ليقمع شعبه أو يزيد من إذلاله، أو ربما كان يجمع ذلك السلاح كي يصبح هدفاً للطائرات الإسرائيلية.

حتى من كان حليفه بالأمس أصبح يتبرأ من ذلك الحلف، ليس من الغرابة في حلفائه بالعراق أن يتهمون النظام بأنه كان “علّاساً” للإسرائيليين حين كان يمنحهم المعلومات عن مواقع تواجد قيادات ومقرات الحرس الثوري الإيراني في سوريا وهم الذين كانوا يُحشدون للقتال إلى جانب حليفهم القديم قبل سقوطه.

نعم لقد تغيرت المواقف بسقوط الأسد بعد أن تبدلت المصالح، لقد تم تقطيع الهلال الشيعي الذي رسمته إيران، حيث لم يبق سوى العراق بعد أن كان ممتداً من إيران إلى لبنان.

هنيئا للسوريين ما إبتغوا بعد أن عادت إليهم دمشقهم وحماهم وحمصهم حين رحل عنهم حاكمهم “طبيب العيون” الذي أصابه عمى الضمير منذ سنين.

في كلمات لخصت فرحة الإيرانيين بسقوط الأسد تقول مريم رجوي في جانب من رسالتها “مع سقوط النظام الذي كان في الـ 45 عاماً الماضية داعماً للفاشية الدينية الحاكمة في إيران بإرتكاب أكبر الجرائم بحق الشعب السوري والشعبين الفلسطيني واللبناني، بدأ عصر جديد في هذه المنطقة، وحان وقت إسقاط نظام الملالي، لقد إنهار الآن العمق الإستراتيجي للدكتاتورية الدينية في إيران ويجب طردها من جميع دول المنطقة”.

وكأن سيناريو الأسد كان مشابهاً للعراق حين منح الإيرانيين والروس الذين دعاهم ليدافعوا عن نظامه من خلال منحهم قواعد عسكرية ومقرات، وخصّ الإيرانيين بإعطائهم فرص الإستيلاء على مناطق سكنية وتجارية سواء بالشراء والإستثمار أو من خلال وضع اليد عبر ميليشياتهم، كان بإمكان ذلك النظام أن يُشبع شعبه بكل هذه الثروات بدل الغرباء ليدافعوا عنه أوقات الأزمة، لكنه حُكم الطغاة.

سيظل سجن صيدنايا وحبال الشنق السميكة وطوابقه ما تحت الأرض السرية شاهداً على فترة نظام متوحش، قد تجعل من هذا المكان مسرحاً لمن يفكر بإخراج فيلم رعب عن هذا المسلخ البشري.

لانعرف مايخفيه المستقبل للسوريين إن كان خيراً أو شراً، ولكن نتمنى أن لاتتكرر تجربة العراقيين في وطنهم حيث القتل على الهوية والطائفية والسلب والنهب، لكن المؤكد أن القرار سيكون بيد الشعب السوري في تحديد مصيره وأن تبدأ صفحة جديدة للأشقاء تعيش فيها الطيور والعصافير بعد أن رحل عنهم الأسد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *