تركيا على عجالة من أمرها و تحاول بشتى الطرق مصادرة سوريا و بسط نفوذها عليها مستغلة في هذا علاقاتها مع بعض أطراف المعارضة السورية و أضطرار المعارضة السورية اللجوء الى تركيا بسبب أعطاء أمريكا دور تطبيق قرارات الامم المتحدة بصدد سوريا و تغيير النظام في سوريا بشكل سلمي سنة 2013. و لكن تركيا و بدلا من أن تمارس دورا حياديا قامت بأستغلال ذلك الدور من أجل تنفيذ سياساتها القومية التركية في سوريا. فقامت بضرب المعارضة السورية ببعضها و تقسميها الى معارضة كوردية و معارضة عربية اسلامية. و قامت بدعم داعش أيضا من أجل القتال ضد الكورد و ضد فصائل سورية اخرى و بهذا غيرت أتجاه الثورة السورية من ثورة تعمل على أسقاط النظام و تغيير نظام الحكم الى ثورة تقوم بمحاربة الكورد في سوريا. و من أجل ضمان مصالحها قامت بالتوغل عسكريا في سوريا و أحتلال العديد من المناطق و حاولت مؤخرا بكل قواها أن تقترب من الاسد و تتصالح معه ألا أن الاسد و رغم ضعفه رفض التصالح مع تركيا و أشترط على تركيا سحب قواتها من سوريا و عدم التدخل في الشؤون السورية و بعدها سوف يقوم بالتفاوض مع تركيا و أردوغان.
و نتيجة لذلك الرفض ألغت تركيا اتفاقها مع حكومة الاسد و روسيا و أعطت الضوء الاخضر بالتعاون مع أمريكا و اسرائيل و حتى روسيا و ايران لقواة المعارضة باسقاط النظام و لكن تركيا في نفس الوقت قامت بتوجية نصف المعارضة للقتال ضد الكورد و أقليم شمال و شرق سوريا. ليس من أجل السوريين بل تقولها تركيا بوضوح من أجل حماية المصالح و الحدود التركية. و في هذا أيضا تستغل تركيا المعارضة السورية من أجل مصالحها القومية. فتركيا تدعي أن قسد خطر على تركيا و لهذا تعاديها و تركيا لا تعادي قسد لأنها خطر على سوريا. و لا تدعي حتى ذلك.
أستعجال تركيا ببسط نفوذها على دمشق ما بعد الاسد هو من أجل ضمان مصالحها في سوريا و من أجل أن لا يتحول النظام الجديد في سوريا الى نظام قومي اسلامي كالنظام التركي الذي هو الاخر نظام قومي أسلامي.
من المستحيل أن يستطيع نظامان قوميان أسلاميان يحتل فيها أحدهما أراضي الاخر أن يكونا اصدقاء. تركيا لم تتخلى عن أطماعها القومية وغير مستعدة لأعادة الاراضي السورية القديمة و الجديدة التي سيطرت عليها.
النظام القادم في سوريا قد يكون نظام أسلامي سني و لكن تركيا هي ليست دولة أسلامية فقط كي تستطيع دولة سورية اسلامية التعاون معها. فتركيا لديها أطماع و هي تستخدم حزب العمال كورقة لبسط نفوذها على سوريا و العراق أيضا و ألا فأن حزب العمال لم يبقى منه سوى عدد قليل جدا من المقاتلين الذين لا يصل عددهم الى 5000 الاف مقاتل في عموم تركيا و العراق. فهكذا عدد لا يستحق أن تخاف منه تركيا الى هذا الحد. تركيا التي هي سادس دولة في القوة العسكرية في العالم. تركيا بنفسها لا تريد القضاء على حزب العمال الكوردستاني من أجل الاستمرار في التدخل و التوسع على حساب دول الجوار.
و اذا كان النظام القادم في سوريا نظاما قوميا أسلاميا فهذا يعني أن الخلافات سوف تظهر بسرعة أكثر بين الدولتين. و لهذا من غير المستبعد أن تعمل تركيا على ابراز دور أسرائيل كي تستطيع من خلال أخافتها بأسرائيل أجبار الدولة السورية الاسلامية القومية بالتحالف مع تركيا.
الكل يعلم أن تركيا تدعي معاداتها لأسرائيل و ألا ماذا فعلت تركيا لقطاع غزة؟ أين هي تهديدات اردوغان؟ أليست حماس حركة سنية اسلامية؟ ألم تتعاون تركيا مع ايران في سوريا فلماذا لم تتعاون مع ايران من أجل حماية الفلسطينيين في غزة؟
السيناريو الاخر الذي قد تلجئ الية تركيا في حال عدم تعاون الدولة السورية مع تركيا و عدم رضوخها لارادة تركيا فأنها ستعمل على ضرب القوى السورية ببعضها و تقوم بخلق حرب أهلية في سوريا. و من الان نرى بوادر هذا الخلاف حيث أن سيطرة هيئة تحرير الشام على القرار السياسي في سوريا و تحول الجولاني الى القائد الاوحد في سوريا قد تنتج منه مخاوف و خلافات. هذه السيطرة لا تروق للعديد من الفصائل التي تحارب الان في الشمال السوري بناء على أوامر تركيا.
الدولة السورية القادمة لا تستطيع أن تكون دولة سنية اسلامية متطرفة معادية للشيعة و معادية للطوائف الاخرى و معادية للكورد. فدولة سنية متطرفة تعني دولة تعادي حتى أسرائيل و هذا سيؤدي بحد ذاته الى تدخل دول في سوريا و عودة الخلاف العلوي السني و السني الاسلامي العربي الكوردي و السني العربي الاسلامي الارمني و السرياني و هذا يعني أيضا حرب أهلية في سوريا. و من أجل تفادي هكذا خطر فأن القادة الجدد في سوريا عليهم أن لا يكونوا متطرفين دينيا. و تبدوا من الان على الجولاني هكذا توجه وطني و ليس اسلامي متطرف.
سوريا تحتاج الان الى حكومة و طنية تشمل الجميع و يحس فيها الجميع أنهم مواطنون سوريون و متساوون في الحقوق. و هذا يعني دولة لا تقبل التسلط التركي القومي الاسلامي و دولة لا تقبل أحتلال أراضيها من قبل تركيا و تحافظ على الاقل على سوريا بحدودها قبل الحرب الاهلية و ليست حدود سوريا قبل الحرب العالمية و قبل أستقطاع أدنة و ألاسكندرونة و هتاي منها و تلحقها سنة 1923 بتركيا.
تركيا تقول اليوم في أعلامها و بمناسبة و غير مناسبة أن حلب و الموصل و حماة و حمص هي من أراضيها، و هذا توجه قومي متطرف و عدم أعتراف بالحدود و المواثيق فلمادا لا تطالب دولة أسلامية قومية سورية أيضا بأراضيها التي يتحدث حتى سكانها باللغة العربية و ليس التركية و هذا بحد ذاته دليل على أن تلك الاراضي كانت عربية. و هذا يعني أن الدولة السورية القادمة من الصعب أن ترضي أن يتم أحتلال أكثر لأراضيها.
لذا فأن شهر العسل بين تركيا و سوريا زائل لا محالة و سوف يأتي وقت الطلاق شاءت تركيا أم ابت و شاءت سوريا أو أبت حيث لا يصح الا الصحيح. الطلاق بين سوريا و تركيا سوف لن يحدث في حالة واحدة فقط و هي أن تتنازل تركيا عن فكرها القومي التوسعي المتطرف و هذا صعب المنال حسب تأريخ الدولة التركية.