“فيدرالية” في نظر خريجي معهد الوحدة الأبدية، شر مستطير – ماهر حسن

لماذا يُعامل مصطلح “الفيدرالية” وكأنه وحش أسطوري خرج للتو من أعماق البحر ليبتلع “الوطنية السورية” المسكينة؟ وكأنها ليست مجرد مفهوم سياسي، بل هي طاعون يهدد تطور سوريا، فهل هي حقًا كذلك أم أنها مجرد فكرة معدية تنتقل من عقل لآخر عبر فيروس التهويل؟ يبدو أن هؤلاء باتوا يخافون من الفيدرالية اكثر مما يخافون من ضياع سوريا نفسها!

مجرد ذكر كلمة “فيدرالية” أمام أحد خريجي “معهد الوحدة الأبدية”، تنقلب  ملامحه وكأنك اقترحت استدعاء جن من العالم السفلي، أو ألقيت تعويذة شيطانية تهدد بانهيار الكون سريعًا، تبدأ نظريات المؤامرة بالتدفق: “هذا مخطط خارجي”، “تقسيم سوريا قادم”، “سايكس-بيكو.2”. يبدو أن بالنسبة لهؤلاء، المركزية ليست نظام حكم، بل إرث إلهي مفقود، وكأن جبريل نفسه أوحى بها يومًا ثم سرقها “الأشرار المطالبون باللامركزية”. يروّجون لمركزية وكأنها كانت حلاً سحريًا لكل مشاكل سوريا، متجاهلين أنها هي نفسها سبب تلك المشاكل. فتحت ظل المركزية، كانت الأطراف تُنسى عمدًا، وكأن الوطن مجرد دائرة صغيرة في خريطة لا ترى أبعد من العاصمة

الفيدرالية لا تعني أن تتحول المدن إلى قارات مستقلة تطلب تأشيرة للسفر بينها، حيث لم نسمع أن تكساس انفصلت يومًا لتعلن قيام “جمهورية البرغر”، ولا أن بافاريا هددت العالم بتقسيم ألمانيا من أجل “الكرواسون”.

الوطنية عند بعض القوميين هي فكرة هشة للغاية، تتهاوى بمجرد أن يطالب أحد بحقوقه. يعتقدون أن مجرد الحديث عن الفيدرالية أو اللامركزية هو خيانة للوطن، وكأن الوطن مصنوع من كرتون قابل للاشتعال! الوطنية الحقيقية، ليست أن تفرض سيطرة مطلقة على الجميع، بل أن تعترف بأن الوطن للجميع، وليس لفصيل واحد يتحكم في المركز كأنه إرث أزلي.

إذا كان المكون الكوردي يريد حقوقه في إطار نظام فيدرالي، فلماذا يُنظر إليه وكأنه يخطط لتفجير القارات الخمس؟ هل المطالبة بالعدالة أصبحت خطرًا على “الوطنية”؟ أليس الأفضل أن يشعر الجميع أنهم شركاء في الوطن بدلًا من الإصرار على حبسهم في غرفة مظلمة بحجة “الوحدة الوطنية”؟

المركزية، التي يعتبرها البعض حائط الصد الأخير ضد التقسيم، هي في الحقيقة السبب الأول الذي جعل كل المناطق السورية تعاني من الإهمال والتهميش لعقود. إذا كان النظام المركزي هو المثال الأعلى للوحدة، فلماذا لم نرَ إلا المزيد من الانقسام والغضب؟ الفيدرالية، ببساطة، تقدم طريقة لتوزيع السلطة بشكل منطقي يضمن الحقوق للجميع دون أن يحتكرها أحد.

لكن دعونا نكن صادقين: المشكلة ليست فقط مع كلمة “فيدرالية”، بل مع أي فكرة تتضمن كلمة “حقوق”. لدى البعض حساسية مفرطة تجاه هذه الكلمة، وكأنها قنبلة موقوتة تهدد المنطقة. المطالبة بالحقوق، وفقًا لهم، تعني الانفصال، والعدالة تعني الفوضى، والمساواة تعني نهاية العالم.

يا هؤلاء، حتى الأجهزة المنزلية لديها أدلة استخدام متعددة تناسب احتياجاتها المختلفة، فلماذا ترفضون فكرة أن المكونات السورية المتنوعة تستحق أن تُدار وفقًا لخصوصياتها؟ لماذا يُعامل الشعب كأنه مجموعة من الروبوتات يجب أن تنفذ أوامر المركز بلا تفكير؟

الفيدرالية ليست الشرير الذي يختبئ في الظل ليُطيح بسوريا. هي مجرد فكرة بسيطة: أن تتيح للمناطق إدارة شؤونها المحلية، بينما تبقى القضايا السيادية في يد الدولة المركزية. النظام الفيدرالي يمنح الجميع مساحة للتنفس والعمل، بدلًا من جعل الجميع تحت رحمة قرارات مركزية غالبًا ما تكون بعيدة عن الواقع.

إذا كانت الفيدرالية تخيفكم، ربما عليكم أن تخافوا أكثر من استمرار نظام مركزي أثبت فشله لعقود، وأن تفكروا بحلول حقيقية بدلًا من التمسك بخوفكم وكأن سوريا لعبة قابلة للكسر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *