في عالم اليوم أي صراع أثني أو عرقي أو ديني أو طائفي يحدث في أي بلد بالعالم لابد وأن ينتهي إلى التدخل الدولي الذي سيفضي في نهاية المطاف إلى قرار أممي بالتقسيم ، العالم يسير بهذا الإتجاه ، لأن التعايش يصبح مستحيلاً بعد الصراع والقتل والسبي والإغتصاب والإبادات الجماعية ، فالصراعات العنصرية ترتكب فيها كل أنواع الإجرام من إبادات جماعية وإغتصاب وتعذيب ، فمن غير المستبعد أن نجد عدد الدول المنضوية تحت راية الأمم المتحدة تزداد بشكل مطرد في المستقبل القريب نتيجة التقسيم المستمر لكثير من البلدان ، صحيح أن الديمقراطية هي حل حضاري للحفاظ على الوحدة الجغرافية للبلدان لكن التجربة أثبتت بأن معظم شعوب العالم لا تفهم المعنى الحقيقي للديمقراطية ولم تستطيع التكيف مع الديمقراطية . التقسيم يضمن سلامة وكرامة الاقليات في كل مكان .. فمثلاً العراق كبلد عريق لم يستفد من الديمقراطية ولم يتمكن من جعل الديمقراطية كحل لخلافاته المذهبية والعرقية فظهرت عندنا سطوة الأغلبية التي أبقت على حرمان الأقليات من حقوقها . اليوم سوريا هي نموذج أخر لعدم تقبل الأخر ، فليس من الصواب أن تبقى الاقليات تستنزف دماءها فقط لأجل الحفاظ على جغرافية وحدة الأرض ، فدم الإنسان أغلى من الأرض والوطن . هذه تركيا دولة ديمقراطية لكنها لا تسمح للكورد بممارسة حقوقهم القومية بل وتطاردهم خارج حدودها بحجة الحفاظ على أمنها القومي . إيران دولة دينية تمنع القوميات من ممارسة حقوقها بحجة الدين والمذهب . نحن هنا نتساءل لماذا الدروز في سوريا يفضلون العيش تحت الاحتلال الإسرائيلي عن العيش في بلدهم سوريا كما سمعنا من خلال وسائل الإعلام ؟ لأنهم ببساطة يعلمون تماماً إنهم في ظل الأحتلال الإسرائيلي قادرون على ممارسة حقوقهم القومية والدينية بكل حرية ولا يثقون بأي نظام عقائدي يحكم سوريا .
أن عملية أحترام حقوق القوميات والطوائف والأديان والأقليات ليست منة و ليست تكلفة وليست جريمة وليست خروج عن الطبيعة البشرية ، فلماذا لا ينصاع لها قادة الأنظمة الشمولية ؟ . العالم اليوم يقاد من قبل دول عظمى بيدها كل شيء وتتحكم بكل شيء وهذه الدول العظمى تؤمن بحرية الفكر وحرية المعتقد وحق الفرد بالحياة وحرية المرأة فمن يحيد عن هذه المبادىء لن يصمد طويلاً ، سينهار ويخسر ويدمر بلده ، فقد خسر الاتحاد السوفياتي وتقسمت أراضيه وخسرت يوغسلافيا وتقسمت وخسرت السودان وتقسمت وخسرت كوريا وتقسمت وسيتم تقسيم أية دولة لا تعطي لشعوبها وأقلياتها الحقوق الكاملة عاجلاً أم آجلاً .
قديماً كانت الشعوب الضعيفة والأقليات ترضخ للقوي وتبدل دياناتها وعقائدها وتبدل حتى قومياتها خوفاً من القتل والإبادة ، وما ظهور الإمبراطوريات العظيمة في التأريخ إلا نتيجة للقوة المفرطة في اخضاع الآخرين وسلب حقوقهم وجعل الناس أمة واحدة تحت وصاية جهة واحدة بالقوة والعنف و عندما يسقط القوي تعاد الشعوب الضعيفة والأقليات إلى طبيعتها الأولى وتعود أكثر قوة وعزيمة من ذي قبل . هذه المعادلة تغيرت اليوم فلم يعد القوي يستطيع فعل ما كان يفعله من قبل ، فاليوم الكلمة الأخيرة للشعوب مسنودة من العالم الحر ، فعلى جميع الأقوياء الأشداء فوق رؤوس شعوبهم وفوق رؤوس الأقليات أن يغيروا أفكارهم وتطلعاتهم ويؤمنوا بحق الضعيف بالحياة بما يؤمن وبما يعتقد ، فما يحدث في منطقتنا هو أن حكامها أعطوا العذر للدول العظمى وللعالم الغربي أن تحاربهم وتكسر شوكتهم وتهينهم لإنهم أهانوا شعوبهم وأهانوا الأقليات التي تعيش بين ظهرانيهم فتلقوا صفعات مهينة ، فهذه إسرائيل التي كان الجميع ينبذها أصبحت هناك أطياف واسعة من شعوب المنطقة تعلق عليها الآمال في إنقاذها . فلماذا أختارت هذه الأنظمة لنفسها الإهانة والذلة ، ولماذا لم تحسب حساب كرامة شعوبها ؟ . من أكبر المنافع والإيجابيات للتقسيم أنه لم يعد هناك حاجة إلى التنظيمات المسلحة ولا حاجة إلى تدخل الدول الأخرى ولا حاجة إلى رفع الشعارات القومية والشعارات الدينية ولا حاجة إلى الأبطال القوميون والرموز المصنعة ، لأن الشعوب ستنشغل بتطوير نفسها وبناء ذاتها ، ستزول كل مظاهر التعصب القومي والديني والمذهبي و ستنتهي ظاهرة الإرهاب والتنظيمات الإرهابية ، يعني كل اسباب الفوضى والدمار والتخلف ستختفي . أظن بأن الجميع يشاطرني الرأي بأن هذا هو ما نسعى اليه من التخلص من كل هذه الهموم والالام . وكما قلت في مقال سابق قبيل سقوط نظام بشار الأسد بأن سوريا ذاهبة إلى التقسيم والأن أكرّر سوريا ستتقسم ، العراق أيضاً سيتقسم ، إيران هي الأخرى ستتقسم وحتى تركيا سيشملها التقسيم طالما هناك ظلم وحيف وجور ضد الاقليات والطوائف والأقوام ، وهذه ليست أمنية أن نرى الفرقة والضياع لهذه الدول العريقة المحترمة ولكنه الواقع الذي صنعته ايادي الحقد والكراهية . وملخص القول لو كنا نؤمن بحق الإنسان وحقوق الأخرين لما آلت إليه أوضاعنا إلى ما نحن عليه ! .