كاتب فلسطيني مقيم في رام الله
المجموعة القصصية شبابيك الجيران (حكايات من أوطان جريحة) للمثقف والكاتب والناقد والباحث الصديق عبد الغني سلامه قد صدرت عن دار الشروق، ط1، 2023، في 224 صفحه من القطع المتوسط.
هي مجموعة قصصية جديرة القراءة، فهي لكاتب تسكنه الكتابة والإبداع، فتقرؤه باحثا سياسيا واجتماعيا وثقافيا، وكاتبا قصصيا.. ففي رصيده أربع مجموعات قصصية ورواية، وعدة كتب سياسية.. إنه يعبر عن ذاته وكيانه بكتابة قصصه وحكاياته وبحوثه .
تتكون هذه المجموعة من ست عشرة قصة، مزينة بغلاف للفنان التشكيلي المبدع (نزار فالوجي)، وقدم القاص إهداء مجموعته بنصه إلى (كل المنسيين والمهمشين والمعذبين في ربوع الأرض.. إلى كل من انحاز إلى إنسانيته، فرأى العالم جميلا.. الى حبيبتي الأبدية خلود..)، ثم وجه كلمة شكر إلى أصدقائه الذين اطلعوا على المجموعة قبل استكمالها ونشرها، وذكر السادة الأكارم صافي صافي وخليل ناصيف وصونيا خضر وتحسين يقين ورائد حواري وفراس حج محمد.
وقد ركز القاص في مجموعته على عدة قضايا في المجتمع الفلسطيني (سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية).
ومن إحدى هذه القصص قصة (مقهى الانشراح) التي تتحدث عن مدينة رام الله وتعبر عن أحوالها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.. وهي تعالج عبر حبكة قصصية صراع الجيل الحالي مع الاحتلال وضياع البوصلة.. “ضياع الجيل الحالي، وخاصة من تتراوح أعمارهم بين 15 و30 عاماً، وهو الجيل الذي نشأ في ظل اتفاقيات أوسلو، وعلاقاته بالثورة الفلسطينية محدودة، حتى على مستوى الذاكرة، وهو جيل يعاني من التيه لغياب الدليل البوصلة والقائد الملهم، والنظرية والحزب والتنظيم القادر على تنظيمهم بعيداً عن التناقضات”.
ويقص على لسان أحد زوار المقهى ” لعنت الساعة التي جاء بها الاحتلال، تحرق كل أحلامي مع عجلات الكاتوشوك التي أشعلها الشبان، فملأت السماء بالدخان المختلط مع قنابل الغاز، كدت أختنق، سمعت صليات الرصاص من كل اتجاه، لم أعرف هل أهرب، أم أواصل البحث عن سهام! علمت أن سيارة إسعاف نقلتها إلى مستشفى رام الله، فقد استنشقت كميات كبيرة من الغاز، حتى أغمي عليها… في المساء تمكنت من زيارتها، دخلت غرفتها بعد أن غادرها أهلها، كانت ترتدي على كتفيها الكوفية السمراء، وتلوح بشارة النصر، ولما دنوت منها أحست باضطرابي وخجلي، تعانقنا بحرارة.. ثم بكينا بصمت).
وعلى لسان آخر معبرا عن ضياع الحال والمعاناة اليومية للشباب الذي يعيش تحت الاحتلال (مضت سنوات على تخرجي، اشتغلت في تنظيف الحدائق، ومندوب مبيعات، ومساعد بليط، و”كاشير”، لم ترق لي أي مهنة منها بالكاد كانت تغطي مروق سجائري.).
مقهى الانشراح.. هناك تشابك بفارق المجتمعين الفلسطيني والمصري، إذا استدعينا للذاكرة رواية (الحب تحت المطر) للروائي المرحوم نجيب محفوظ.
وقضايا حقوقية في قصة (من يجرؤ على شتم الرئيس) التي تتحدث عن حالة سفاح قربى وتعنيف وتعذيب واستغلال نفوذ وسلطة.. فيختم قصته (في اليوم التالي، قرع الباب شاب أنيق بثياب رسمية، وسلم سمر رسالة مختومة من قيادة المخابرات، وبداخلها النص التالي: يحضر شخصان فقط من العائلة، لاستلام جثة عبد الغفار، بعد دفع 25 فلسا رسوم ثمن الرصاصة التي تكلفت بإنهاء حياة الخائن الذي تجرأ على شتم الرئيس.).
أما قصة (ميليشيات أبو الكلاب) فهي تتحدث عن واقع العراق، والصراعات السياسية فيه، والعمليات الإرهابية وتفجيرات الشوارع، واستغلال الثروات والفساد السياسي، والاقتتال الداخلي بعد سقوط نظام (صدام حسين). ومقارنته بالصراع السياسي الذي حدث قبل مئات السنين بين أبناء الخليفة العباسي (هارون الرشيد) من حروب واقتتال فيما بينهم.. وهي مقارنة بين التاريخ والواقع حول صراع السلطة في العراق.. وبدا الكاتب متأثرا بما كتبه الروائي الكبير (عبد الرحمن منيف) في روايته العبقرية أرض السواد.
(هات ما عندك يا وزيرنا المؤتمن.
مولاي، سيكون للأمين والمأمون جيشان، وأخشى أن يشب صراع بينهما..).
(إذا طلبت من جماعتك دعمنا في التصويت على مشروع كهرباء البصرة، لك عندي مليونا دولار تستلمها الآن، ومثلها بعد التصويت.
سأنتظر عرض المالكي، فهو أسخى منك عطاء، وإن كنت أعذب منه لسانا…).
بالإضافة إلى قصصه التي تعالج الصراع العالمي حول الفضاء والتكنولوجيا والانترنت.. كما يسرد في قصته (مجرد برغي) على لسان (مستر دوغلاس) عضو الكونجرس عن الحزب الجمهوري: لم تعد الإمبراطوريات تعتمد على امتداد أراضيها، ولم تعد تقوم على القوة العسكرية، بل بقدرتها على السيطرة على عالم الإنترنت واحتكارها التحكم بالمعلومات والبيانات الضخمة).
وختاماً.. سأترك القارئ يكتشف وحده الجوانب الفنية والإبداعية في هذه المجموعة القصصية التي توصف بأنها (نص سهل ممتنع جميل) يستحق القراءة والتأمل، إذ هو يعالج القضايا الإنسانية عبر نص أدبي.. يقول (سلامه) أنها تركزت حول ثلاث قضايا هي الانسان والتطور التكنولوجيا، وأثر كل عنصر منها على الآخر.. مع التنويه إلى أن القضية الثالثة (القيم الأخلاقية الفاسدة) تترك لا شك علامتها على المشروع الوطني فيما يعاني الوطن من سلوك الإنسان وأطماعه في الماضي والحاضر، وما صاحبها من محاولة اختصار الانسان إلى (روبوت).