عندما تسخّر الحكومات الشيطانية عملاء لها في المنطقة من البديهي تكون وجهة التكليف ان يظهر هذا العميل بمظهر على اساس انه يخدم بلده هذا امر متعارف عليه ، وهنالك من يقحم نفسه في زمرة العملاء لكي يستغفل من استاجره عسى ولعل يخدم بلده فتارة يؤذي وتارة يشافي ، وهناك عملاء كما نقولها بالعراقي ( يلعب على الحبلين ) .
والحديث عن هوية العميل تكون اما بوثيقة او حديث شارع او مذكرات سياسي وكلها لا تؤكد الحقيقة بما فيها الوثيقة ، نعم الاثر الحقيقي هو ما يصدر من افعال ومواقف من هذا الشخص او ذاك .
السيد نوري السعيد من اكثر السياسيين في العراق جدلا فهناك من يترحم عليه حتى الان وهناك من يتهمه بالعمالة ، فالذي يترحم عليه لانه وجد فيه مواقف تتفق ورغبته والعكس بالعكس ، والسؤال هل نوري السعيد رجل سياسي مخضرم ؟ الجواب نعم وبلا شك ويستخدم دهاءه بالخبث وبالنفع.
اوراق التاريخ التي كتبت عن تلك الفترة التي كان فيها نوري السعيد رئيس وزراء اكثر من مرة ذكرت كثيرا من المواقف المتناقضة ، لكن اغلبها ان لم يكن كلها كان نوري لم يلتفت الى الاصلاح الاجتماعي والثقافي لذا كانت له عقدة مع الحزب الشيوعي الذي كان منهجه استقطاب المثقفين وبسبب التعسف الذي لاقاه الحزب الشيوعي اصبح له تاريخ .
من اهم المصادر التي يمكن معرفة شخصية نوري السعيد هم من عاشوا معه عن قرب وهنا علينا معرفتهم في صدقهم ، فمثلا السفير الانكليزي موريس بيترسن ( 1938 ـ1939) كان يرى نفسه هو الحاكم على العراق حتى اكثر من المندوب السامي وقد اصطدم كثيرا بنوري السعيد ووصفه باسوء الصفات ويتهمه بتهافته على السلطة وذكر بعض من مواقفه مثلا مع رشيد عالي الكيلاني الا ان السعيد رد عليه بعدما اطلع على مذكراته وما يخصه من كلام رد بمقال نشر في جريدة لواء الاستقلال في 5 كانون الثاني 1951 ـ طبعا اطلع على المذكرات بعد ان نشرت بكتاب ـ تصرف السفير الانكليزي طبقا لاخلاقيات الدبلوماسية التي يذكرها نجدة فتحي صفوت ان تكون مقابلته للملك ورئيس الوزراء و وزير الخارجية تكون وفق موعد يحددوه مسبقا الا ان الانكليزي لا يلتزم بذلك لذا كان محل استهجان السعيد ـ .
في كتاب العراق في مذكرات الدبلوماسيين الاجانب معلومات عن ما يخص نوري السعيد وعلاقته بالسفير الامريكي ( والدمار غولمان) ( 1954 ـ 1959 ) يرى هذا السفير ان السعيد رجل سياسي محنك واشار في مذكراته عن زيارة سرية قام بها السعيد والوصي عبد الاله للسفارة الامريكية تعد سابقة خطيرة تدل على خفايا لهما مع الامريكان وبخلاف الاخلاق الدبلوماسية حي لا يذهبان بل هو ياتي.
ويؤكد السفير الامريكي ان ما يعلنه نوري السعيد عن فلسطين بخلاف ما يؤمن به ويرى ان العرب يجب ان يتعاملوا مع الكيان ويوقفون المقاطعة ولا يستطيع ان يعلن ذلك خوفا من العرب ، وعند مقتله قال لقد خسر الكيان الصهيوني بمقتل السعيد .
اما ما ذكره الجواهري في مذكراته فانه يثير الجدل مثلا ذكر ان رزوق غنام صاحب جريدة العراق قال للجواهري وهو في المستشفى التابع للسجن بان غدا سيتم اغتيال بكر صدقي وهو في طريقه لتركيا قال له ومن يغتالهم قال نوري السعيد وبالفعل تم اغتياله ومعه قائد القوة الجوية ، علما ان رزوق غنام من انصار نوري السعيد .
وحتى ان الجواهري يذكر حدثا في السبعينيات مع تاجر الماس يوناني يثير الشكوك حول وفاة ملك فيصل الاول بعد ما حقنته امراة شقراء جميلة اخر حقنة ويعتقد الجواهري انها على علاقة مع الملك وان الملك اشترى لها الماسة بخبرة هذا اليوناني وكان السعيد وتحسين قدري موجدين مع الملك.
نوري السعيد كان يحاول التوافق بين العمالة للانكليز وخدمة بلده هذا ما يراه الكثير من السياسيين لكن حقيقة الامر من خلال قراءة التاريخ انه ثعلب لنفسه حتى انه تعسف في كثير من قراراته التي صدرت ضد مظاهرات الشعب ، والغى الاحزاب والصحف وهو من عين النواب بحجة الانتخابات وذكر ذلك عند معارضة المجلس لقراراته فقال لهم “اتحدى اي واحد منكم يثبت انه دخل هذا المجلس بدون ارادة الحاكمين ” فلم يرد احد عليه . جرجيس فتح الله يقول انا لا احب هذا الرجل لكنه سياسي مخضرم وذكي والانكليز لا يجدون افضل منه في ادارة الدولة لذا كانوا على تجاذب معه مرة لهم ومرة عليهم .
قصص الشارع تتحدث عن من التقى به منهم تجار ابن احدهم تحدث لي قائلا قابل ابي السعيد ومعه التجار للشكوى على الكساد فواعدهم بانه سيكون هنالك حل وبعد يومين منح لوزارة الدفاع تخصصيات مالية لتجهيزها من السوق العراقية فاصبحت حركة في السوق ، وهو ايضا السعيد امتدح عراقي خادم صفع انكليزي اساء الادب له وطالب الانكليز بحبس العراقي فلم يحبسه . ويقول الجواهري انه وياسين الهاشمي على راس سياسيي العراق ، وذكر موقف له مع السعيد عندما التقى به في لندن قال له السعيد انت في لندن فلا تقصر من الملذات للانتقام من الاستعمار الانكليزي .
اخيرا هل يستحق النهاية التي حصلت له ؟ من وجهة نظري غير صحيحة التنكيل والقتل امر مرفوض .