مطبوعات مكتبة خاني 2017 دهوك
عدد الصفحات 224
من الكتب الجديدة التي قرأتها مؤخراً هذا الكتاب.. الذي يحمل عنوان (تاريخ شنكال القديم 3550 ق.م 1515 م).. وأول ما لفت نظري قبل قراءته.. الفترة الزمنية.. التي حددها الكاتب للبحث فيها.. وهي فترة تمتد لزمن طويل شملت على 5065 سنة.. يصعب فيها لأي كاتب وباحث مهما كان ضليعاً في التاريخ.. البت بها والتطرق اليها.. من خلال كتاب بعدد صفحات متواضعة.. وتحتاج الى دراسات جماعية.. تقوم بها مراكز بحثية متخصصة بالتنسيق مع الجامعات والكليات.. التي تهتم بالتاريخ..
وهو تاريخ متشعب.. يشمل تاريخ المدن.. وتاريخ الشعوب.. وتاريخ الحروب.. وتاريخ الحضارة وتاريخ اللغات.. وتاريخ الأديان.. وغيرها من التفرعات.. التي تتوقف عندها الدراسات الجادة.. التي غالباً ما تختصر زمن البحث.. الى الساعات الأخيرة.. او الايام الأخيرة من التاريخ المحدد للبحوث..
لكن المؤلف اختار هذا الزمن الطويل.. للعوم فيه.. كمن يود الغوص في عمق البحار ولا يجيد السباحة.. فتراه يغرق من أول وهلة.. وهو يدخل المياه الضحلة بالقرب من الشاطئ..
بالرغم من انه ـ أي الكاتب ـ قد عرف بنفسه:
بانه حاصل على شهادة بكالوريوس في التاريخ.. من كلية الآداب.. في جامعة الموصل عام 1999 وعمل مدرساً.. وله نشاطات ثقافية واجتماعية.. وصدر له كتاب آخر سابقاً.. بعنوان شنكال خلال العهد الملكي 1921 ـ 1958..
والطامة الكبرى هنا.. مع هذا الكتاب.. تبدأ مع تصفحك له من أول وهلة.. حيث يصدمك باللغة المفككة والمتواضعة.. التي لا ترتقى لمستوى السادس ابتدائي.. حينما ترى الكاتب لا يفرق بين المذكر والمؤنث ولا الأفعال وازمنتها.. فيستخدم المضارع بصيغة الماضي.. والماضي بصيغة المستقبل.. وهكذا مع ال التعريف التي يستخدمها بشكل خاطئ.. فتقف لتتساءل:
عن المستوى الهابط للجامعات العراقية في ذلك الزمن المر.. ومنها جامعة الموصل العريقة.. التي باتت تخرج طلبة.. وتمنحهم شهادات البكالوريوس.. وهم لا يجيدون كتابة سطر واحد صحيح باللغة العربية.. ولا يتوقف الامر عند هذه الحدود.. وتستكمل التساؤل.. محاولاً الاستفسار عن مسؤولية الجهات التي ساهمت في انتاج هذا الكتاب وطبعه والغاية من الترويج له!
في المقدمة منها مكتبة خاني.. كيف تقبل وتقدم على طباعة هكذا كتاب.. دون مراجعة وتدقيق لغوية ناهيك عن الجهات الأخرى.. التي سطرها المؤلف في متن تعريفه بنفسه.. باعتباره كادراً حزبياً في صفوف الحزب الذي ينتمي اليه.. وعمله في عدة مجالات ثقافية وإعلامية.. ما بين اعلام حزبي.. ونقابة صحفي كردستان.. ومراكز ثقافية متعددة.. منها مركز لالش المدعوم مالياً من قبل حكومة الإقليم في كردستان..
وجميعها لم ينتبه الى الوضع المتدني وغير المقبول في الوسط التعليمي.. وحالة الهبوط المعرفي الخطرة.. دون ان نغفل مسؤولية الكاتب المباشرة أيضاً في هذا المجال.. طالما ولج ميدان البحث.. وضرورة إدراكه لأهمية اللغة في إيصال المعلومة للمتلقي..
اسوق هذه الملاحظات النقدية الأولية.. كبداية.. قبل الدخول في مناقشة متن الكتاب.. من دون هدف أو دوافع شخصية.. لأني حقيقة لا اعرف الكاتب.. ولم التقي به.. ويهمني أنْ يكثر الكتاب المهتمون بشؤون المجتمعات المضطهدة.. التي تعرضت للعنف والقسوة والتهجير في العراق.. وتاريخ المدن التي تعرضت للحروب والخراب.. وشهدت احداث دامية.. كمدينة سنجار.. التي هي موضع البحث.. في هذا التاريخ الذي حدده البازو لكتابه عبر ثمانية فصول سبقها مقدمة..
منها ثلاث فصول لتغطية 3550 قبل الميلاد شملت بحدود 50 صفحة فقط.. جهد فيها الكاتب في تجميع وربط عدة حوادث تاريخية استقاها من مصادر وكتاب سابقين.. شملت التسمية والطبيعة الجغرافية.. في الفصل الأول.. لم يكن موفقاً فيها.. وحشر في ثناياها مغالطات عفا عليها الزمن.. كما هو الحال مع ذكره في باب التسمية.. تسمية سنجار.. منسوبة الى بانيها (سنجار بن دعر بن بويب) ص15..
كعادة “المؤرخين” العرب.. الذين سعوا لربط كل التسميات بشخصيات خيالية وهمية.. لا وجود لها في الواقع غالباً.. او ربطوها بشخصيات استبدادية حاكمة.. كـ سنجار بن دعر.. او سنجر السلجوقي.. معتمداً على تخريفات وتحويرات وشطحات ياقوت الحموي وابن الكلبي.. وغيرهم من مزوري التاريخ.. الذين قالوا: (سميت سنجار باسم بانيها وهم بنو البلندي بن مالك بن دعر بن بويب بن عنقاء بن مدين بن إبراهيم) (1).. كأن ياقوت الحموي كان ضابط سجل مدني لتاريخ المدن.. من عصر ما قبل اختراع الكتابة والتوثيق.. معتمداً على خياله وما نقل له شفهياً..
او (انّ أصل التسمية سنجار كوردي … ولا شك ان أصل التسمية شنكال هي كردية عربت) ص16.. ولا أدري كيف يمكن للكاتب ان يقنع نفسه بوجود مفردة كردي في تلك العصور الغابرة.. ليسع من خلالها لأقناعنا بهذا الوجود التاريخي للكرد.. في ذلك الزمن السحيق ايضاً..
علماً ان التسميات القبلية التاريخية.. التي كانت تستخدم في ذلك الوقت.. لم تكن وفقاً لكل المصادر.. تعتمد مفردة كردي او الكردية.. ولم تكن الشعوب والقبائل في حينها.. قد وصلت لحد تسمية مجموعة عرقية بغطاء قومي بهذا الاسم.. وانما كانت العبارات والتسميات المتداولة القريبة من هذه التسمية كأسلاف بشرية للكرد.. تشمل الميديين والكردوخين او الكدردوكين والخالتين والميتانيين والحوثيين والهوريين او الحوريين الخ.. وهي تسميات سبقت الوجود الكردي بآلاف السنين.. التي يمكن اعتمادها مقارنة بتاريخ المدينة.. التي سكنتها وتواجدت فيها عدة قبائل ومجموعات بشرية معروفة للباحثين والمختصين بعلم التاريخ..
لهذا فإن ما جاء في هذه الصفحات.. وما تلاها.. عن مراحل ما قبل الميلاد.. لا يرتقي الى مستوى البحث العلمي.. ولم يستطيع الكاتب انْ يقنعنا.. بأنه اكتشف.. او استنتج شيئاً جديداً.. بالرغم من وجود المادة الخام بين يديه.. التي فشل في التعامل معها.. ولم يستطيع الاستفادة منها.. وبقي يسردها كأخبار تاريخية ليس أكثر.. وكررها وكرر تسمية شنكال لأكثر من 800 مرة في كتابه بشكل ممل.. مصراً على: (ولا شك ان أصل التسمية شنكال هي كوردية عربت وصحفت وتغيرت تسميتها عبر العصور) 2 متغافلاً انّ التسمية سابقة للوجود الكردي.. بحكم اسبقية وجود الانسان للأديان بشكل عام.. وأسبقية الأديان ومنها الدين الايزيدي للتسميات القومية والاثنية.. وكافة التكتلات العنصرية الحديثة..
امّا ما كتبه في أكثر من مائة صفحة لاحقة لغاية صفحة 166.. ابتداء من الفصل الرابع.. بعنوان شنكال في العهد الإسلامي.. الذي تفرعت منه عناوين.. (شنكال في العهد الراشدين).. هكذا كتبها بدلاً من انْ يكتبها في العهد الراشدي.. ومن ثم (شنكال في العهد الدولة الاموية) وأيضا هكذا كتبها بدلاً من أن يكتبها في عهد الدولة الاموية..
ولن ازعجكم ببقية الأخطاء اللغوية.. التي تكررت للأسف.. من دون تدقيق وتمحيص لغوي.. واستمرت مع بقية العناوين التي شملت.. الدولة العباسية.. الحمدانية.. العقيلية.. دولة السلاجقة.. الآتابكية.. وأهمية شنكال في الصراع الايوبي ـ الزنكي.. وسقوط اتابكية شنكال.. ومن ثم أخيراً شنكال ودورها في الحروب الصليبية..
ومن ثم الفصل الخامس.. الذي احتوى على عناوين: (وصول المغول الى شنكال.. حصار بدر الدين لؤلؤ.. مبادلة شنكال بدمشق.. شنكال في عهد الأمير شرفدين.. استيلاء بدر الدين لؤلؤ على شنكال.. شنكال في عهد المماليك.. معركة سنجار وسقوطها في يد المماليك.. إضافة الى فقرات وعناوين أخرى تتناول سنجار في عهود الايليخانيين والجلائريين وغزو تيمور لنك.. وما تبعه من عهدي قره قوينلو وآق قوينلو ومن ثم الدولة الصفوية)..
فتحتاج الى علبة مهدئ.. لكي تستطيع انْ تتواصل مع صفحاتها.. لكثرة المعلومات الخاطئة.. التي اعتمدها واقتبسها من المصادر الإسلامية والمؤرخين العنصرين العرب.. الذين كان هدفهم.. قلب الحقائق وتزوير الوقائع.. والغاء الشنائع.. وسأتوقف عند البعض مما يستوجب الرد والتصحيح..
كما قال في ص 105 نقلاً عن مصادره المزورة لحقائق التاريخ..
(يرى آخرون أن اهل شنكال استغلوا فرصة غياب الجواد وخروجه للصيد، فراسلوا بدر الدين اللؤلؤ حاكم الموصل واستدعوه وذلك لسيرة الجواد السيئة فيهم، فسار إليهم بدر الدين لؤلؤ وفتحوا له أبواب المدينة فدخل البلد، وكان بدر الدين لؤلؤ قد استمال جماعة من أهل شنكال اليه فتأمروا على الجواد) 3 ص105
وفي ص 133 يقول وسأنقلها للأمانة كما وردت بأخطائها النحوية:(وقعت شنكال تحت سيطرة العثمانية سلمياً وانهزم امامه الجيش الصفوى وتشتت في الصحراء) وفي ذات الصفحة يقول ايضاً.. ويا للسخرية..
(الا ان الوضع تغير تماماً عندما خضعوا لسيطرة الدولة العثمانية، اذ تمتعوا بكامل الحرية في معتقداتهم وممارسة طقوسهم الدينية فترة من الزمن)..
ويضيف.. في محاولة للتبرير.. من خلال العودة للحديث عمّا جرى فعلاً.. من تجاوزات بشعة ولا يمكن اغفالها والقفز عليها.. معتمداً على الريكاني.. (اذ ان سياسة العثمانيين الجيدة تجاه الايزيدية لم تستمر طويلاً، بل اتخذت مساراً معاكساً من ذلك بالكامل، اذ اتخذت ـ (اقرأها اخذت والتصحيح من عندي ص. ك) ـ بتوجيه العديد من الحملات العسكرية (الفرمانات) ضدهم ولا سيما في منطقة جبل شنكال وبأوامر مباشرة من السلطان العثماني في إسطنبول، أحياناً تتولى الامارات المحلية قيادة تلك الحملات لأسباب اقتصادية وتأمين الحصول على الموارد الزراعية وأخرى تتعلق بالناحية الأمنية، اذ كان الايزيديين يعرقلون الطرق على التجار وقوافلهم، فكان لا بد من تأمين المواصلات) 4
والأسوء من كل هذا.. ما سطره في ذات الصفحة.. مستكملاً هراءه.. هذه المرة معتمداً في نقله على ما نسبه لعلي تتر نيروي في مجلة لالش العدد 15 لسنة 2001..
(في سنة 1516 تعاون ايزيدية منطقة شنكال مع القوة العثمانية بقيادة عمر بك وكركود بوختان ومساعدة أبو المواهب ابن الشيخ أدريس البدليسي، وحاربوا (القزلباش) الجيش الصفوي الإيراني وتم قتل 200 منهم وبعد مقتل قره خان شقيق والي ديار بكر، أصبحت المناطق التالية بيد الكورد (شنكال ـ جرمين ـ بيره جك ـ ميردين)
وحينما عدت لمراجعة العدد المذكور من مجلة لالش بقسميه العربي والكردي للتأكد.. وجدت ان ما نسبه للباحث عليّ تتر نيروي.. الذي نشره مادته بالكردية في ص 165 ـ 174 غير دقيق بخصوص تسمية سنجار.. وانما لكاتب اخر نشر مادته باللغة العربية تحت عنوان (شنكال… اسم وتاريخ) بتوقيع (خ. شنكالي) في الصفحة 115 ـ 122.. وهذا مجرد نموذج ومثال لاقتباساته غير الدقيقة التي كررها مع آخرين فهو ينسب لعتاة العنصرين العرب من مزوري التاريخ استخدامهم لتسمية (شنكال) وينسبها لكتبهم ومؤلفاتهم بهذا التحريف غير الأمين لأبسط دلالات البحث العلمي..
الأنكى من كل هذا.. انّ المؤلف يتحدث عن سنجار كمدينة إسلامية.. متناسياً مجازر وفرمانات التاريخ وما حلّ بسكناها من مذابح وتجاوزات.. وما حدث فيها من متغيرات بحكم استقرار الجيوش والعساكر التي تمركزت فيها.. وحولتها الى ديار خاضعة للحكام المستبدين.. الذي فرضوا اتباعهم على سكانها مع مرور الزمن. ومنحوهم الأراضي والمزارع.. وأصبحوا ينسبون للمدينة ليشكلوا جزء صغيراً من تكوينها الاجتماعي والاثني المتحكم بسكانها.. رغم قلة عددهم..
وفي هذا المجال أيضا.. يسوق الكاتب بسذاجة.. اكذوبة خطيرة.. معتمداً على تخرصات وتلفيقات.. استقاها من مصادر غير دقيقة.. غرضها التلاعب بحقائق التاريخ.. وخلق تاريخ مفتعل لأهالي سنجار تم تنسيبه للإيزيديين منهم تحديداً.. على امتداد أكثر من صفحتين بين 89 ـ 90 تحت عنوان شنكال ودورها في الحروب الصليبية ليقول بلا خجل:
(وفي معركة حطين الشهيرة كما ذكرنا سابقاً شارك قوات شنكال والمتمثلة بالايزيديين مع السلطان صلاح الدين الايوبي وتمكنوا من دحر الصليبيين في يوم السبت 4 تموز 1187 م وانتهت بانتصار السلطان صلاح الدين الايوبي وسقوط مملكة القدس الصليبية)5..
يا للهراء.. يواصل الكاتب هذا الهذيان التاريخي.. هذه المرة معتمداً على مصدر شفهي.. منسوب لرجل باسم (قاسم عطو اوصمان) التقاه الكاتب ليأخذ منه هذه المعلومة التاريخية “المهمة” كأننا في عهد أبو هريرة والبخاري وصحيح اكاذيبهم.. التي حاول البازو تقليدهم.. فانتج لنا هذه البضاعة الهابطة.. تحت هذا العنوان من البحث..
بهذه الاسطر انهي ما أردت قوله.. مختصراً الكثير.. مما يمكن قوله.. بحق هذا الكتاب المزيف لتاريخ سنجار..
ــــــــــــــــ
صباح كنجي
28/12/2024
1ـ ياقوت الحموي ـ معجم البلدان ـ ج3.. ص 262
2ـ شكر خضر مراد البازو.. تاريخ شنكال القديم.. ص 16
3ـ شكر خضر مراد البازو.. تاريخ شنكال القديم ص 105
4ـ نفس المصدر للبازو ص133
5ـ نفس المصدر ص 90