صبحة بغورة تكتب : فزاعة الأزمة بين الإسلام والغرب

  • وضع رئيس الوزراء البريطاني كيرستارمر النقاط فوق الحروف ليزيل الغموض عن سر وحقيقة زعمه بوجود أزمة قائمة في المجتمعات الأوروبية تجاه الإسلام، كما اقترح لها الحلول ووضع جملة من التصورات المستقبلية لإنقاذ بريطانيا وأوروبا من المد الإسلامي .

 

نشرت صحيفة ” ذا صن” البريطانية  في عددها الصادر بتاريخ 1/8/2024 مقالا تناولت فيه تصريحات كير ستارمررئيس الوزراء البريطاني،السياسي والمحامي وزعيم حزب العمال منذ أبريل 2020  حول ما اعتبره ” الصراع بين الإسلام والغرب”  إذ أوضح أن حقيقة الأزمة تكمن في الإسلام ذاته برغم أنه أكد أنه  “دين حضارة ” واعترافه أنه يزداد تألقا داخل المجتمعات الأوروبية ، مقترحا أن الحل هو مقاومة الإسلام!! وذلك عن طريق دفع المسلمين المقيمين ببريطانيا نحو مغادرتها ومغادرة الدول الأوروبية ومنع الهجرة إليها مجددا ، وفي المقابل فتحها لرعايا الشعوب غير الإسلامية وتسهيل اجراءات هجرتهم وتبسيط شروطها نحوها، ولم يغفل رئيس الوزراء البريطاني عن تجديد دعم بلاده والدول الأوروبية لإسرائيل ، متوقعا نشوب حرب كبرى في الشرق الأوسط .

لم يوضح كير ستارمر طبيعة الأزمة المزعومة التي ادعى وجودها بين الإسلام والغرب ، ولم يتطرق إلى مدى تداعياتها الهدّامة على القيم الأوروبية ، ولا إلى حجم انعكاساتها المدمرة لاستقرار المجتمعات الأوروبية، إذ لم تتضمن تصريحاته أي اتهامات صريحة للدين الإسلامي يكون من شأنها أن تمثل خطورة جسيمة على بريطانيا وغيرها ، بل بالعكس لقد اعترف أن الإسلام ينتشر داخل المجتمعات الأوروبية وأنه “يزداد تألقا ” فأين يكون الخطر هنا ؟ المعروف أن البريطانيين والألمان أكثر الشعوب ألأوروبية إعمالا للعقل حتى في أبسط شؤون حياتهم وهم كثيري التأمل والملاحظة قبل الحكم على الأشياء ، والأكيد أنهم سيستدعون هذه المهارات عندما يتعلق الأمر بالعقيدة ، وتشير الاحصاءات إلى تزايد عدد الأوروبيين الذين يعتنقون الدين الإسلامي سنويا خاصة من بريطانيا وألمانيا ، ولم يجبرهم أحد على تغيير عقيدتهم بقدر ما تجاوبوا عن اقتناع مع النشاط الدعوي الإسلامي ومع إفرازات الأوضاع الإنسانية حولهم خاصة تأثرهم العميق مع صبر وإيمان ضحايا اعتداءات الكيان المحتل على قطاع غزة وغيرها .

إن ما ذكره رئيس الوزراء البريطاني يدخل في إطار الذكرى السياسية لوعد بلفور عام 1948ذلك إنه بدا يعني حقا استرجاع ما مضى من مواقف وأحداث بمرها وليس بحلوها في شكل شريط يمر أمام المخيلة.. في مثل هذه الحالة سيرى المرء في تمام الاستغراق بأحداثها التي تأخذه من واقعه لحين من الوقت قد يطول كما قد يقصر حسب حجم الحدث الذكرى وعلى حسب وجود رغبة ذاتية في إطالة أمد الاستغراق فيه،أي الاستسلام الطوعي لعملية اجترار ماض أنه  يستحق منه متعة إعادة معايشته من جديد أو إعادة تأمل تفاصيله لأخذ الدرس والعبرة، هذا الاجترار العقلي يجده يفرض نفسه عليه فرضا دون استئذان، دون مقدمات ، وبغير مبررات، أي أنه يستحضره العقل الباطن لا إراديا  من باب المقاربة بين المبررات والأحداث أو انطلاقا من المشابهة بين الظروف والوقائع مع أحداث حالية تحمل نفس الملابسات وتسير نحو نفس النهايات مع اختلاف أبطالها ، وبالطبع اختلاف الزمان وربما أيضا المكان تصديقا للمقولة الشهيرة أن التاريخ يعيد نفسه .

مثل هذا الحال الذي يمر به رئيس الوزراء البريطاني يكاد يقع على المستوى الشخصي داخل دائرة الأسرار الخاصة به ، فتراه يسبح فيها وحيدا، وبقدر سلبية وعمق وحساسية ما تحمله الذكرى بقدر ما تصعب عملية التخلص منها سريعا ، فجاذبية أي ذكرى سياسية تعتمد على حجم ما تكتسبه من أهمية ومن الكم المعلوماتي المتوقع معرفته منها ،وتبقى الذاكرة الجماعية البريطانية و الأوروبية تحتفظ بأبشع صور الجنود ضحايا مغامرات الحروب الصليبية والاحتلال البريطاني للعديد من الدول العربية والإسلامية . لقد غزت بريطانيا دولا وممالك، وقهرت الشعوب ونهبت ثرواتهم، وها هي يسوؤها اليوم انجرار مجتمعها طوعا لعقيدة من استعمرتهم من قبل ، فتريد أن تسترجع مجدا ضاع منذ أن أصبحت بريطانيا تابعة لإرادة الولايات المتحدة وسواء كانت الذكرى السياسية شخصية أو جماعية فإن مجالها الزمني سيكون أكبر من تلخيصه في عبارتين لأن الأمر يتعلق بشأن سياسي بلغ من درجة تعقيده أن تحوّل إلى قضية طرفاها خصمان يقفان على خط النقيض أو ان يكون ثمة عدة أطراف تستشعر أهمية تواجدها في القضية لمصلحة لها فيها ،وهنا جاز لنا التوقع بأن الحل لن يكون في الأمد القريب، بل قد يستغرق سنوات، وحديث بعض المسؤولين والمتابعين والمصادر التي توصف بالمطلعة عن المراحل التي قطعتها القضية وعن طبيعة المناورات المحيطة بها هو من قبيل التعليقات الإعلامية أو القراءات السياسية الممكنة بشأنها ولن تر مصداقية تصريحاتهم  نفس درجة من حضروا فصولها وشاركوا فعلا في صنع حلها فهؤلاء لديهم ما يقولون ، والرأي العام يمكن أن يطالبهم بحقه في المعرفة حول رأيهم لتفسير وتوضيح ما حدث ، وهذا ما نراه فعلا من خلال البرامج التي تمنح مجال الحوار مع الشخصيات التي كانت في فترة ماضية مسؤولة ، لذالك يتم إبرازهم كشاهدين على العصر  وكما يلاحظ حجم ما يخصص من حلقات لسماع ذكريات شخص مسؤول حول شان سياسي ما ، أو المساحة الواسعة التي تفردها الصحف اليومية لنشرها على مدى عدة أعداد متخذة من أدق التصريحات وأخطرها عناوين لها تضمن بها رفع مستوى المقروئية .

لم يتمكن رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر من كبح حنقه في صدره فاستعاد ذكريات بعض مظاهر التلوث التاريخي لماضي بريطانيا مع الدول العربية والإسلامية ولم يكن بعد قد تخلص من قيود وواجبات التحفظ المهني ، ولم يتلطف ليرفع الغبن السياسي عن من ظلمتهم  بريطانيا وجار عليهم التاريخ، فكان كمن يستنطق حديث السياسة مع التاريخ حول قضية تجددت  تداعياتها أو جرت إثارتها يٌراد منها عمدا الإيهام بمحاولة كشف جوانب ظلت في طي النسيان في الزوايا المظلمة .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *