يبدو أن الأحداث الأخيرة في سوريا أصبحت فأل خير على العراق بعد أن ظن العراقيون بأنه فأل سوء في بداية الأمر . فقد وجد قادة بغداد أنفسهم أمام حالة لا يحسد عليها نتيجة الصدمة التي أصابتهم بسيناريو سقوط نظام الأسد والبديل الذي اختاره الشعب السوري ، فوجدوا أنفسهم أمام طريقين لا ثالث لهم إما أن يستمروا نحو تعزيز بناء الدولة الدينية في ظل ولاية الفقيه الذي قطعوا فيه شوطاً طويلاً ومتعثراً لتحقيقه أو أن يتماشوا مع التغيرات الشاملة التي تشهدها المنطقة ، الخيار الأول سيعزل العراق بلا أدنى شك نهائياً عن محيطه العربي ويبعده كثيراً عن المجتمع الدولي ويربط مصيره بمصير دولة الولي الفقيه في إيران إضافة إلى استمرار تردي الوضع الداخلي المتوتر سياسياً واقتصادياً وادارياً وحتى أمنياً ناهيك عن احتمال تعرض العراق لضربات جوية إسرائيلية ومضايقات وعداء من دول الجوار العربي وتركيا ، هذا عدا ما يخبئه الرئيس الأمريكي القادم دونالد ترامب ، وبالطبع هذا الخيار مليء بالمرارة وسوء العاقبة ، أما الخيار الثاني هو العودة إلى الدولة المدنية الصحيحة والذي سيرمم الوضع الداخلي ويعيد للعراق مكانته وسيفتح أفق الاندماج مع المحيط العربي والمجتمع الدولي ، لكن هذا الخيار لن يكون سهلاً لأن فيه خسارات واضحة لهم ، البناء ليس كالهدم .. العراق بلد كبير متعدد الطوائف ومتعدد القوميات والأديان والأفكار وإذا أراد أن يكون جزءاً مؤثراً داخل المجتمع الدولي لابد أن يؤسس لنفسه كياناً مستقلاً .. الدولة المدنية العلمانية هي الضمانة الوحيدة لإستقلالية القرار العراقي وهي الحل الأمثل الذي ممكن أن ينتشل العراق من حالة اللا دولة التي عاشها خلال العشرين سنة الماضية . تصريحات بعض قادة الكتل السياسية الأخيرة والمحسوبة على إيران تدل على أن الجميع قد أدركوا حجم المخاطر التي تحيط بالعراق فيما لو أستمروا بنفس النهج ، وعندما نقول نفس النهج نقصد ( الولاء السياسي للخارج والفساد الإداري ) نحن نعلم بأن الفاسد لا يعدل ولكن الخوف من عواقب الأمور احياناً تجبره أن يعدل أما الولاء السياسي فهي رمال متحركة تتحكم بها العواصف . من حسن حظ النخب السياسية أن المواطن العراقي تعود المسامحة و يتقبل التوبة والرجعة لمن أساء العمل وأساء التصرف ، فالطريق مازال سالكاً أمام القيادات العراقية لتغيير المسار وبناء الدولة المدنية التي نص عليها الدستور . نعم المصالحة مع الشعب والعودة إلى الذات ليست كثيراً بحق هذا الشعب العظيم ، فقد عاش العراقيون بمختلف تركيبتهم الدينية والمذهبية والقومية جنباً إلى جنب لمئات السنين كأخوة ولم تحدث بينهم الفجوة إلا بسبب الفتن والتدخلات الخارجية .. السوريون استفادوا كثيرا من التجربة العراقية السيئة فبدأوا من حيث إنتهى العراق ، بدأوا بوضع الماضي جانباً وأنفتحوا مع الجميع في الداخل والخارج ، بغض النظر عن النوايا فقد حققوا تحولات جذرية على المستوى المحلي والدولي رغم قصر مدة حكمهم التي لا تتجاوز أسابيع معدودة ، تحركات القيادات السورية جذبت الأنتباه إليها ودفعت القيادات العراقية إلى الاستيقاظ من هذا السبات الذي أساء للعراق ولشعب العراق ولمكونات العراق ، فلم يكن الكورد يستحقون كل هذا الظلم والتهميش وهم يمثلون الوجه الناصع للعراق دولياً ولا العرب السنة ولا المسيحين ولا الكورد الفيلية ولا الإيزديين ولا الصابئة ولا حتى المدنيين والعلمانيين فهؤلاء كلهم يمثلون شكل العراق الحقيقي . بالأخير لا يصح إلا الصحيح . لا أحد يرغب بالفوضى والعودة إلى الصفر وبدأ مسلسل الإنتقام من جديد طالما هناك حل موجود أساساً بين دفتي الدستور . دستور العراق دستور مدني يميل للعلمانية فهو ضمانة جاهزة لا يصح تجاوزه .. وليعلم الجميع بأن دول التحالف الدولي ليست عدوة للعراق والدول العربية الجارة ليست عدوة للعراق والكورد ليسوا أعداءاً للعراق هذه الحقيقة يجب أن يدركها القادة العراقيون ويدركون أيضاً بأن الأعداء الحقيقيون صنعوه هم أنفسهم داخل عقولهم بتأثير خارجي وحان الوقت لتنظيف عقولهم وتعديل مسارهم والعودة إلى الدولة المدنية الدستورية فمازال الشعب ينتظر منهم كل خير ومازالت الفرصة قائمة للتخلص من كل مخلفات الماضي وتخليص العراق من مرحلة اللا دولة ، عندما نقول اللا دولة لأن بعض القائمين على ادارة البلد يعتقدون بأنهم دولة أسوة بدول العالم ، للأسف هذه مغالطة كبيرة يجب أن ينتبهوا إليها ويعرفوا يقيناً بأنهم سلطة اللا دولة …. غالبية ابناء الشعب يتطلعون إلى دولة مدنية علمانية تحترم حقوق الجميع و وجود قانون يساوي بين الجميع ، وهو الحل الوحيد المتبقي لهم قبل الإنزلاق إلى مالا يحمد عقباه ، فالدول التي أرادت للعراق سوءاً تعاني اليوم من الفشل والهزيمة والضعف فمثل هذه الفرصة لا تتكرر . ملامح العودة إلى الدولة المدنية تلوح بالأفق وليس أمامهم الأن إلا أن يقولوا نعم للدولة ولا للا دولة ، وهو نفس الشعار الذي رفعه ثوار تشرين قبل خمس سنوات فأجهضوه وقتلوا شبابه ، واليوم يعودون إليه نادمين مذعنين ، بالدولة المدنية سيزول هذا العبء الثقيل والخوف المفرط الذي خلفته نجاح الثورة السورية ، وبالدولة المدنية ستتحول واجهات المجتمع إلى ورش عمل للنهوض بالدولة وهذا طريق معلوم ، وعندما نسير بالطريق المعلوم سيصبح الخوف من المجهول معدوم بدل أن يكون رعباً يسلب راحة البال .
للاستاذ كامل سلمان المحترم..
تحية طيبة..
تكتب ما نصه (سيفتح أفق الاندماج مع المحيط العربي والمجتمع الدولي).. السؤال اليس المحيط العربي السني الاقليمي.. لا يقل خطرا عن ايران .. فالارهاب من قاعدة وداعش والاخوان اديولوجيات مسمومة جاءتنا من المحيط العربي السني الاقليمي.. الانقلابات العسكرية باديولوجياته الصفراء كالبعثية والناصرية. جاءتنا من هذا المحيط من سوريا ومصر..
فكيف فهل يراد ان نرفع من وصاية ايرانية بائسة.. الى وصاية اقليم عربي سني اقليمي.
فالمحيط العربي السني الاقليمي ينظر للعراق على انه (مجرد سوق لاستيعاب ملايين من العمالة الاجنبية المصرية وغيرها.. وسوق استهلاكية لبضائع تلك الدول.. ونساء العراق مجرد اجساد يتمتعون بها عندما ياتون للعراق) كما راينا ذلك من قبل سيء الصيت من ملايين المصريين الذين ارسلتهم مصر للعراق بمن صدام..
ثانيا: تكتب استاذ كامل سلمان ما نصه (من حسن حظ النخب السياسية أن المواطن العراقي تعود المسامحة و يتقبل التوبة والرجعة لمن أساء العمل وأساء التصرف).. المسامحة لها شروطها.. اعادة مئات المليارات المسروقة.. كشف الجرائم التي اقترفوها ضد شباب العراق والعراقيين.. وكشف اجنداتهم الخارجية المخابراتية .. والقبول بمحاكمتهم بمحاكم مختصة لينالوا جاءهم العادل..
ثالثا:
تكتب استاذ كامل سلمان ايضا ما نصه (يدركون أيضاً بأن الأعداء الحقيقيون صنعوه هم أنفسهم داخل عقولهم بتأثير خارجي وحان الوقت لتنظيف عقولهم وتعديل مسارهم والعودة إلى الدولة المدنية الدستورية )..
فعلا.. العامل الخارجي (الاعداء) صدروا للعراق الاحزاب والاديولوجيات الشمولية التي مزقت نسيج المجتمع العراقي من القوميين والاسلاميين والشيوعيين السموم الثلاث على مائدة الساسية العراقية منذ 1921 لحد يومنا هذا.. فيجب حضرها بقانون انتخابي .. وحصر الاحزاب فقط بالوطنية ذات الابعاد الاقتصادية..
صديقي حسين كاظم
المقال يحث على الاستقلالية من خلال الدولة المدنية وليس على الارتماء في أحضان الأخرين ، فالدولة التي تحترم شعبها سيحترمها الأخرين غصباً عنهم ، كلامي من أوله لآخره دعوة للإستقلالية ولا استقلالية إلا بالدولة المدنية الحقيقية ، فأنا لا أبغض إيران ولا تركيا ولا السعودية ولا غيرها ولكني أبغض من يؤذي شعبي ، وعندما نكون في موقع الضعف فالكل يؤذوننا ، وهذه هي المشكلة التي يجب إدراكها ، تحياتي