عاثوا في الأرض فساداً، نهبوا الوطن وأفقروا شعبه، أجاعوا اليتامى والأرامل في بلد يحكمه الإسلام السياسي، سرقوا البلاد والعِباد ولم يبقوا لنا شيئاً، حتى أرصفة الشوارع أحاطوها بجدران إسمنتية سميكة وعالية وتحولت إلى أملاك خاصة للمتنفذين، هوائنا الذي نتنفسه أصبح مسموماً بالكبريت.
في كل بقاع المعمورة دائماً ما يكون الحاضر أجمل من الماضي، إلا في العراق فعقارب الساعة تسير إلى الوراء.
شيء عجيب يحدث في هذا البلد، ثروات مهولة دخلت الوطن بفضل النفط لا بفضل العقول التي تحكم هذا البلد، يقابلها فساد طاغٍ يتصدر العراق فيه قائمة الدول الأكثر فساداً، هكذا أصبحت المعادلة كونها أصبحت من الطبيعيات عند العراقيين.
كلما إزدادت خيرات البلد إزداد معها أعداد اللصوص والفاسدين، بعد هذا التوصيف يحتار المرء أي معيار يضع الدولة العراقية فيه.
لكل شيء نهاية، وخاتمة الفساد اللامحدود هو أن تُعلن الدولة إفلاسها، لكن المصيبة إن الثمن يدفعه الفقراء والمساكين والجياع بعد ان ينتصر عليهم الفاسدين واللصوص.
جنود جاهزون للدفاع عن وطن إمتلئ بالسُرّاق والفاسدين، أرقام ولايزيدون عن ذلك ضمن بطاقات إنتخابية تُستدعى أيام الحفلات الإنتخابية لتغميس أصابعهم بالحبر البنفسجي والتلويح بإشارات الإنتخاب للفاسدين الذين نهبوا الوطن.
من المؤكد إن سلطة الإسلام السياسي مقتنعة بإبقاء الوضع على ماهو عليه لتجييش هذه الفيالق من الفقراء والجياع جنوداً جاهزين لأي حرب حقيقية أو وهمية لأعداء مفترضين تُجنّدهم نزوة حاكم أو نُخب سياسية مُوغلة بالفساد، يتم إستخدامهم كبيادق حرب رخيصة يُحركهم أُمراء الحروب والقتل، في حين يأنف هؤلاء المتحكّمون عن إشباع أفواه الجياع ولو بكسرة خبز، والغرابة هو ذلك التلذّذ والإستمتاع بالفقر والجوع كما لو أن فقرائنا يُقادون إلى الموت وهم يضحكون.
شعب يعشق الموت وكأنه خُلق ليصيح “نموت نموت ليعيش اللصوص”، يتدافعون من أجل الحصول على تذكرة مباراة لكرة قدم، بل قد يصل الحال بهم إلى الشجار والعنف، لكنه لا ينتفض من أجل فقره، كم نحن شعب غريب في طبائعه، تلك الغرابة التي سهّلت للفاسدين واللصوص السيطرة على عقولنا وتفكيرنا.
تلك الخطوة باتت أمر واقع لدى العراقيين وهم يرون ويسمعون صاغرين كيف فرضت الحكومة إستقطاعات من رواتب الموظفين بحجة تقديم المساعدات إلى غزّة ولبنان، في حين يُدرك العراقيين إنها دغدغة لمشاعرهم تجاه قضايا مصيرية، لكن حقيقة الأمر لا تعدو كونها إعلان بدائي عن إفلاس الدولة ووجوب تسديد فواتير الفساد من قوت رزقه اليومي.
موازنة العراق التي خصّصت حُصصاً للصومال وجُزر القمر من أموال العراق ونفطها الذي كان يُنير ظلام بيروت ويُديم إستبداد بشار الأسد في قمع شعبه، وأموال منهوبة تعبر الحدود إلى الجارة الشرقية بعد أن أصبح العراق الرئة الإقتصادية لها، تجد نفسها اليوم مفلسة أو هكذا تُعلن بعد أن كانت موازناتها السنوية تُعنون بالإنفجارية التي تعادل موازنات دول الجوار مجتمعة.
هل رأيتم لعنة أسوء من التي تمر على العراق وأهله، نضحك أو نبكي على سخرية القدر من حالنا.
لم يُمنح بلد فرصاً ذهبية مثلما مُنح العراق بعد عام 2003، موازنات إنفجارية، شعب غالبيته من فئة الشباب العاطل عن العمل، بلد إكتسب دعماً دولياً من الجميع حتى من أعداء الأمس عندما أصبحوا أصدقائه وداعمين لنظامه السياسي، أكثر من نصف ديونه التي أهدرها النظام السابق تم التغاضي عنها، البلد الذي كان يُطلق على حاكمه “ملك الجهات الأربعة” لموقعه الإستراتيجي، لكن الواقع الحالي يسرد لنا حكاية أسوء من قصة البؤساء لفكتور هيجو، فكل شيء ضيعوه في لحظات عبثية من زمنهم الرديء.
يُذكّرني واقع العراق بكلمات للشاعر محمد مهدي الجواهري وهو يقول “نامي جياع الشعب نامي…حرستك ألهة الطعام…فإن لم تشبعي من يقظة…فَمِن المنام”.