تصريحات الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب عن رغبته بضم كندا وغرينلاند وبنما إلى أراضي الولايات المتحدة الأمريكية وتغيير أسم خليج المكسيك إلى خليج أمريكا لم تلاقي ردات فعل دولية قوية لأنه لم يدعي بأنه سيضم هذه البلدان بالقوة ، ولكي لا تختلط الأمور ولأهمية الموضوع وعلاقته بمنطقتنا قمت بأعداد هذا المقال .
بالنسبة لكندا منذ تأسيسها قبل حوالي مئتي عام تقريباً كانت دائماً فيها حركات وتنظيمات سياسية تطالب بالأنضمام إلى أمريكا ، لكن هذه المطالبات لم تكن تحقق رغبة أكثر الكنديين ، فلم تصل نسبة الكنديين الراغبين بالأنضمام إلى أمريكا أكثر من 10% في أحسن الأحوال ، لكن في السنين الأخيرة أزدادت نسبة المطالبات بإنضمام كندا إلى أمريكا بشكل تصاعدي بسبب الأوضاع الأقتصادية السيئة والفساد وإنتشار الجريمة ، فإذا ما أنتعش الإقتصاد الأمريكي مع وجود دونالد ترامب في البيت الأبيض سيجعل الفارق بين الحالة المعيشية للمواطن الكندي عن الحالة المعيشية للمواطن الأمريكي كبيرة جداً وهذا هو المتوقع عندها سيجد المواطن الكندي نفسه مضطراً للتفكير بشكل جدي بالإنضمام إلى أمريكا ، وكما هو معروف عند المجتمعات الديمقراطية يكون رأي المواطن هو الحد الفاصل ، حتى بعض المسؤولين الكنديين نظراً لتوقعاتهم بحصول هذا الفارق فقد صرح بعض منهم بإمكانية إنضمام كندا للولايات المتحدة الأمريكية إذا ما قرر الشعب الكندي ذلك ، ويمكننا مقارنة هذا الأحترام لرأي الشعب برأي الشعب الكوردي في كوردستان العراق قبل عدة سنوات عندما قرر بإستفتاء شعبي رغبته في الأستقلال قامت تركيا بحشد جيوشها على حدود كوردستان مهددة بأحتلال كوردستان وقامت إيران بمحاصرة كوردستان من جهة الشرق مهددة بإسقاط الأقليم فيما راح الجيش العراقي والحشد الشعبي بالتقدم نحو كوردستان واستقطاع أجزاء كبيرة من أراضي كوردستان وظهر حينها رئيس وزراء العراق السيد حيدر العبادي كبطل قومي أفشل الأستفتاء ، ولم يكن أستفتاء وإنما كان قيام يوم القيامة لأن رأي الشعب الكوردي يجب أن يكون صامتاً عند هؤلاء ، هكذا تواجه رأي الشعوب عندنا وهكذا تواجه رأي الشعوب عندهم . أما غرينلاند الجزيرة الخضراء والتي تعادل مساحتها تقريباً مساحة أوربا بأكملها وتقع ضمن خطوط القارة المتجمدة الشمالية وعدد نفوسها لا يتجاوز ال 55 ألف نسمة وفيها أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في حدود المنطقة القطبية ورغم أن غرينلاند تابعة للدنمارك فأن سكانها يعيشون حالة من الإستقلالية ، غرينلاند ترتبط بأمريكا أكثر من ارتباطها بالدنمارك وأوربا فبضل القاعدة العسكرية الكبيرة في هذه الجزيرة العملاقة فقد حظي سكان هذه الجزيرة بجميع الخدمات التجارية والصناعية والأنترنيت والخدمات التقنية والصحية وحتى الغذائية من الولايات المتحدة الأمريكية بشكل مباشر وعن طريق القاعدة العسكرية ، لذلك فسكان الجزيرة يشعرون بأنهم أمريكان أكثر مما هم أوربيون ، وفي أحدث تقيم هناك غالبية كبيرة من سكان غرينلاند ترغب بالانضمام إلى الولايات المتحدة الأمريكية ، وقد صرحت رئيسة وزراء الدنمارك في أكثر من مناسبة بأنها لا تعترض على ما يقرره شعب غرينلاند ، لذلك فأن تصريحات ترامب حول كندا وغرينلاند لم تأتي من فراغ إضافة إلى أهمية تابعية غرينلاند لأمريكا ستكون ضمانة عسكرية مهمة لأمن أمريكا الشمالية وأوربا سوية بمعنى أن هناك أرتياح أوربي لضمان أمن أوربا في مواجهة المد الصيني والروسي فيما لو أنضمت غرينلاند إلى الولايات المتحدة الأمريكية ، فالداعي لإنضمام غرينلاند إلى أمريكا داع عسكري أمني بالدرجة الأساس .. أما مطالبة ترامب بتسمية خليج المكسيك بخليج أمريكا يعود إلى أن الأراضي الأمريكية التي تطل على خليج المكسيك هي أكبر من حجم السواحل المكسيكية ولكن سبب تسمية هذا الخليج بخليج المكسيك هو سبب تأريخي لأن قبل حرب الأستقلال كانت جميع السواحل الممتدة على خليج المكسيك هي أراضي مكسيكية وحتى ولاية تكساس ذات الساحل الممتد لألاف الكيلومترات إضافة لسواحل لويزيانا وفلوريدا معظمها كانت مكسيكية أما الأن فمعظم المدن التي تطل على خليج المكسيك هي أمريكية وليس هناك مبرر لإستمرار إطلاق تسمية خليج المكسيك على الخليج الأمريكي وهذا حق شرعي دولي وهو بالضبط ما يشبه وضع الخليج العربي الذي يسمى بالخليج الفارسي في وثائق المنظمات الدولية مع العلم أن جميع سكان ساحل الخليج من الشرق والغرب والشمال هم من العرب فليس هناك أي مبرر لاستمرارية تسميته بالخليج الفارسي ومن حق الدول الخليجية شرعاً تقديم طلب رسمي للمنظمات الدولية والمحكمة الدولية بتعديل أسم الخليج الفارسي إلى الخليج العربي كما ستفعل الولايات المتحدة الأمريكية مع خليج المكسيك ، أما بنما ، فالحقيقة لم يطالب ترامب بضم بنما إلى الولايات المتحدة الأمريكية ولكنه طالب بجعل قناة بنما تحت الوصاية الأمريكية نظراً لأهمية هذه القناة الدولية على الأمن القومي الأميركي والأمن القومي لدول أمريكا اللاتينية ، فهناك أحتمالية كبيرة أن تساند دول أمريكا اللاتينية الطلب الأميركي . ففي حال تحققت سياسات وتحركات ترامب حول كندا وغرينلاند وقناة بنما وخليج المكسيك فأن الهيمنة العسكرية ستكون أمريكية بلا منافس وبشكل مطلق ، بناءاً على ذلك قد تلجأ روسيا والصين للمحاكم الدولية لأفشال المحاولات الأمريكية ولكن الأمور تبدو محسومة أمريكياً ولا تحتاج إلا إلى مدد زمنية طويلة لتطبيقها .