الإقليم والابتزاز المالي: هل التقسيم هو الحل للأزمة؟- عباس سرحان

 

 

لا تزال العلاقة بين بغداد وأربيل محكومةً بالشد والجذب، حيث يستمر قادة إقليم كردستان في رفع مطالبهم للحصول على حصص إضافية من الموازنة العامة في بداية كل سنة مالية.

وعلى الرغم من تجاوز حصص الإقليم في الموازنة العامة العراقية حدود استحقاقاته، فإن هذا الابتزاز السياسي المستمر يتسبب في وضع الحكومة العراقية في موقف صعب، يجعلها بين خيارين، إما قبول الابتزاز، أو التصعيد الذي قد يؤثر على استقرار البلاد.

من ناحية أخرى، تجدر الإشارة إلى أن حصة إقليم كردستان من الموازنة العراقية تقدر بحوالي 17%، في حين أن العراق يواجه أزمة اقتصادية خانقة.

ملاحظة: (يفترض أن تكون حصة إقليم كردستان من الموازنة العراقية 11% استنادًا إلى عدد السكان (أي ما يعادل نحو 5 مليون نسمة من أصل 45 مليون نسمة في العراق).

رغم ذلك، يستمر الإقليم في مطالبة بغداد بالمزيد من الأموال، مع رفضه تسليم وارداته النفطية وغير النفطية التي تقدر بمليارات الدولارات. هذه المناورات المالية قد تؤدي إلى خلق فجوة غير عادلة بين بغداد والإقليم، خاصة في ظل الفقر المنتشر في وسط وجنوب العراق.

التدخل الأمريكي وحسابات الإقليم

الأمر الأكثر تعقيدًا في هذه القضية هو التدخل الأمريكي غير المباشر في زيادة حدة هذا الضغط الكردي على بغداد.

واشنطن، تشعر أن الخلافات بين بغداد وأربيل قد تكون أداة ضغط على الحكومة العراقية، تُشجع الإقليم على اتخاذ مواقف أكثر تشددًا. فيما ترى الحكومة العراقية نفسها في موقف صعب جدًا، حيث تتخوف من تدخل أمريكي مباشر في الشؤون الداخلية للعراق، الأمر الذي قد يؤدي إلى تغيير النظام السياسي القائم.

ولا يبدو أن هناك توافقًا داخليًا واضحًا في بغداد حيال الابتزاز الكردي المستمر، إذ يسود القلق بين القوى السياسية في العاصمة من أن التصعيد قد يؤدي إلى تدهور الأوضاع بشكل أكبر. الحكومة العراقية تُفضل معالجة الأمور بشكل تدريجي في محاولة منها لتفادي التصعيد المفتوح.

موقف الإطار التنسيقي

وفي هذا السياق، يعتبر “الإطار التنسيقي الشيعي” أحد الأطراف السياسية الكبرى التي تواجه تحديات مباشرة نتيجة الابتزاز الكردي، وهو محرج أمام جمهوره في وسط وجنوب البلاد بسبب انتشار الفقر والبطالة بينهم مع ان ثروات العراق تحت الأرض التي يمشون عليها.

الابتزاز الكردي يضع الإطار أمام خيارين، إما القبول بالأمر الواقع، أو التحرك لاستعادة نفوذ الحكومة الاتحادية على الإقليم.

ويمتلك الإطار الأوراق التي قد تساهم في الضغط على الإقليم، مثل الورقة الاقتصادية، بالإضافة إلى التلويح بإمكانية تفعيل القوانين التي تجبر الإقليم على تسليم وارداته النفطية.

التقسيم خيار للحفاظ على الاستقرار

في ضوء هذه الظروف، قد يصبح تقسيم العراق الخيار الأنسب في المستقبل القريب. فالإقليم سيضطر لتحمل مسؤولياته كدولة. ولن يكون بإمكانه بعد ذلك التلاعب بالموارد العراقية تحت مظلة الحكومة الاتحادية، وبالتالي سيضطر للانتقال إلى مرحلة جديدة من المسؤولية.

من جانب آخر، سيكون لبغداد فرصة أكبر لتحسين إدارة مواردها الهائلة بشكل أكثر كفاءة، وسيشعر مواطنو وسط وجنوب البلاد بالاقتناع بأن ثرواتهم لم تعد تذهب سدى وسيتم توزيعها عليهم.

هذا التقسيم يمكن أن يكون فرصة للجانبين، حيث ستتمكن بغداد من الاستفادة من مواردها بشكل أفضل، بينما سيحظى الإقليم بفرصة لتولي شؤونه بشكل مستقل دون العودة إلى صراع السلطة مع الحكومة المركزية.

ديون الإقليم لبغداد

منذ عام 2013، بدأ إقليم كردستان بتصدير النفط عبر ميناء جيهان التركي، مما تسبب في نشوء خلافات مع الحكومة المركزية في بغداد بشأن الإيرادات المترتبة على هذا التصدير. تشير التقارير إلى أن إقليم كردستان يصدّر ما بين 400,000 إلى 500,000 برميل يوميًا، وهو ما يترجم إلى عائدات مالية ضخمة.

ووفقًا للتقديرات، قد تصل عائدات النفط السنوية للإقليم إلى نحو 8.76 مليار دولار سنويًا إذا ما تم تصدير 400,000 برميل يوميًا، وهو ما يعني 87.6 مليار دولار على مدار عشر سنوات من التصدير المستمر.

أما فيما يخص عائدات المنافذ الحدودية، فإنها تتراوح بين 500 مليون إلى مليار دولار سنويًا، ليصبح الإجمالي على مدار 10 سنوات حوالي 7.5 مليار دولار. وبالتالي، فإن الديون التي في ذمة إقليم كردستان لصالح الحكومة العراقية قد تصل إلى نحو 95.1 مليار دولار.

الختام

إن استمرار الابتزاز السياسي من قبل إقليم كردستان وسط هذه الظروف يعد من القضايا المثيرة للجدل في العراق. فعلى الرغم من الاستحقاقات المالية المقررة للإقليم، تبقى مسألة تسليم واردات النفط والكمارك محل جدل دائم.

هذه الوضعية تُظهر عدم التوازن بين الأقاليم المختلفة في العراق، كما يُظهر أن ما يحصل عليه الإقليم من مخصصات مالية لا يبدو عادلًا مقارنةً بالفقر المستشري في باقي أنحاء البلاد.

وفي حال استمر هذا الوضع على ما هو عليه، فإن تقسيم العراق قد يصبح الخيار الأنسب للطرفين. فالإقليم سيحصل على استقلاله المالي والسياسي، بينما ستتمكن بغداد من إدارة مواردها بشكل أكثر فعالية مع تقليل الهيمنة التي يفرضها الإقليم على النظام السياسي العراقي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *