وأخيرا تَجَلَّت الحقيقة نوراً يُعيد تَمَكُّن الإيمان الصادق في قلوب بعض العرب ممَّن تخلفوا عن مناصرة غزة بالملموس، ليزفّ الصمود النابع من صلب القضية المصيرية لشعب فلسطيني مُسلمٍ عربي يكافح من أجل الحفاظ على كرامته وأرضه مستقلة حرة بتضحية ألاف الشهداء المنعَّمين عند ربهم في جنة الفردوس ، ويُنوِّه بما لحِقَ بالمتخاذلين المتحالفين منذ بداية طوفان الأقصى مع الباطل مِن سقوطٍ بوقْعِ رَشِّ محلول النصر المبين على جموع المهزومين المُشبَّهين بحشرات الناموس ، إذ الحق مع الزمن مهما طال فوز محقَّق ومَن يواجهون عكس تياره هُم أجساد خشبيَّة تُطْعِمُ السوس ، لتتهاوى جوفاء مِن الداخل بين مستنقعات الحسرة والندم يَعافها حتى المجوس . انتصرت غزة منذ انطلاقة ثورتها المجيدة ضد طغيان إسرائيل وليس اليوم فقط ليقين مفجِّرين أن استرجاعَ الحقِ لا يتم بالاتفاقات المبرمة داخل أفخم الفنادق العربية أو الغربية مع المعروف عنهم منذ القِدم نقضهم لكل العهود جراء تحايلهم الدائم المنحوس ، على كل قويمة أساسها العدل لمجريات الأحداث مهما كانت بالحكمة والمنطق المُوَفَّق يسوس ، بل استرجاع الحق يتم بالكفاح مهما كان صعباً مؤلماً الخوض في معتركه بجسامة التضحيات المُقدَّمة البالغة حدوداً لا تُطاق بفقدان أعز النفوس ، لكن نهاية ذاك الجهد الجبَّار نصر منزوع من جذور عدوٍ أقامها بالبهتان على أرض ليس أرضه ليبقى علامة تُجسِّم ما يسجله التاريخ للأجيال القادمة أن للأصل أصل أصيل لن تغيره جشاعة الدخلاء بقدر ما يتغيرون بسبب ما يُفرزه مِن إرادات لا تُرَى ولا تُدَرَّس في الجامعات لكنها خلايا تتكاثر تلقائياً لتسمو على مَن يضايقونها في عالمها الطيب الشريف لإدراكهم المُسبق أنهم الدخلاء عن سوء نيَّة طمعاً في الاستحواذ على أشياء ليس من حقهم الاستيلاء عليها ولو في حلم غيبوبته تنقلب عليهم في اليقظة لأفزع كابوس .
أدركت الولايات المتحدة أنها ظالمة ومن عقود منطقة شرقية مسلمة عربية ، لم ترى منها إلا الخير وتقديم ما ترجمته رخاء وثراء على شعبها عكس إسرائيل التي بقدر ما سلبت ميزانياتها بشتى الطرق لتتوسع وكيانها المصطنع كما تشاء وترضى ، بقدر ما ورطتها في حروب جانبية ما كانت الولايات المتحدة في حاجة لخوضها بالمرة ، لذا وبالمقارنة الصادقة كان العرب نِعماً وسلاما على أمريكا بخلاف إسرائيل الناشرة ويلا ت الفتن المؤدية دوما إلى إحراجها كأكبر دولة تقدماً في العالم راعية الديمقراطية ، لتصبح أول ظالمة لشعوب متطلعة للعيش في مأمن من النزاعات والخوف والمرض وأحيانا الجوع . لقد فطنت أمريكا أن قوتها لا تساوي شيئا مقارنة لما أصابها في لوس أنجليس مدخلا لعقاب ألاهي قد يشملها جملة وتفصيلا أن لم تكف عن ما تدعيه من قدرتها على بسط الطغيان بإحراق الأبرياء من عباد الله أكانوا أطفالاً أو عجزة نساء حوامل أو رجالا عزلا كما فعلت من وراء الستار مرات وأخرى مباشرة في غزة وقبلها في العراق وبعدها في سوريا ، وقائمة مثل الاعتداء السافر المطلق على حقوق الضعفاء من البشر منشورة بين الأرض السماء ، مسلَّط عليها ريح لا تعبأ بطائرات إطفاء مهما بلغت أعدادها ، مسخرة بمقدار يلائم حجم تحذير في بساطته الشديدة يقارب أمريكا لحقيقة ما ملكت لن تملك قيد أقل من أقل ذرة من عظمة ما يمكن أن يُسلَّطَ عليها في رمشة عين لتصبح خبرا بعد يقين .
… الولايات المتحدة الأمريكية دولة عظمى وفي ذلك ليست الوحيدة فالصين تطل بثقلها الدولي من خلال سنوات قليلة قادمة لتكون في نقس المستوى ، وروسيا لو لم تعطلها الحرب مع أوكرانيا ، ودول أخرى فلي الطريق إذ المستقبل مفعم بالمتغيرات ، وليس منها من تطمع فيما حرمته الأعراف والمواثيق وبالتالي القوانين الدولية غير الولايات المتحدة الأمريكية ، من خلال ما عبر عنه رئيسها انطلاقا من العشرين في هذا الشهر ، بالرغبة في إلحاق كندا كولاية 51 عاصمتها واشنطن ، وهذا مسُّ صريح بسيادة كندا وتفسير غير ودي لبداية تفكير في تدَخُّل غير سليم في حياة واستقرار هذه الدولة الحاملة مشعل أمل ملايين الشباب عبر العالم للانتقال إليها (متى سُمِح لهم) بحثاً عن مستقبل أفضل ، في بلد خلقه الباري سبحانه ليكون جنة فوق الأرض . كان على الولايات المتحدة الأمريكية أن تقنع بما لديها وتبعد شعوب ولاياتها الخمسين من شوائب صراعات وتطاحن لا مبرر له سوى الانشغال بما قد يسبب الانحدار لمتاهات لا مفرَّ من نهايتها غير الايجابية ، مثل الاتجاه إن خاضت الإدارة الأمريكية معتركه غير المتوقَع لدى عقلاء الدول ستكون قد مست به التاج البريطاني من جهة ، وأيقظت ما حفره تاريخ العلاقات الأمريكية الفرنسية في مراحل لا زالت مسيطرة على حيز من ذاكرة الفرنسيين غير المتأثرة بالتقادم ، ما يفسر غضب أوربا بجناحيها المملكة المتحدة وفرنسا إحدى قادة الاتحاد الأوربي البارزين ، فالأفضل أن تهتم مثل الإدارة بما يزكيها رائدة للديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية عبر العالم وحق الدول في العيش بسلام وطمأنينة داخل حدود معترف بها وليس العكس .
مصطفى منيغ
مدير مكتب المغرب لمنظمة الضمير العالمي لحقوق الإنسان في سيدنس – أستراليا
سفير السلام العالمي