رحلة دون تدخل في كتاب سأخون بلدي لمحمد الماغوط – عبد الرضا حمد جاسم.

العقد الفريد /24
 منذ ان صوبت إسرائيل الى العرب بأنظمتهم اليمينية و اليسارية على حد سواء اول مدفع و اول كومبيوتر و اول طائرة بدون طيار، و صوب العرب اليها اول انقلاب و اول ميكرفون و اول انسان دون فك لأنه يميني و دون اضلاع لأنه يساري.
 و منذ ان استقلت الدول العربية عن الاستعمار وعن شعوبها في الوقت نفسه و احتكرت السلطة فيها الفكر و السياسة و الاقتصاد و العلم و المعرفة و الادب و الفن و الرياضة و الثروة المعدنية و البشرية و الحيوانية و جردت الانسان من أي قيمة أو فعالية أو حافز و تركته عارياً بثيابه الداخلية سياسياً و ثقافياً و تاريخياً و اقتصادياً ،بالطبع امام العالم اجمع و كل طرف يحمل الاخر ما جرى و يجري في المنطقة
اليمين يضع اللوم على اليسار، اليسار يضع اللوم على اليمين وأمريكا تضع اللوم على روسيا و روسيا تضع اللوم على أمريكا.
و الانسان العربي الذي يعيش مثل “الأطرش بالزفة” بالنسبة لكل ما جرى و يجري في المنطقة، يضع يده على خده و يتربع امام شاشة التلفزيون و امامه علبتا كلينكس واحدة على اليمين للأنظمة اليمينية وواحدة على اليسار للأنظمة اليسارية و يبدأ من النشيد الى النشيد:
أه من هذا المسلسل، و آه من هذه المسرحية.
 آه إذا هرب لص، و آه اذا قبض على قاتل.
آه من حرب حزيران ،وآه من حرب تشرين.
آه لزيارة السادات للقدس، و آه من عودته منها. آه لاستعادة سيناء، و آه لاحتلال لبنان.
آه لحريق المسجد الأقصى و آه إذا احترقت الطبخة.
و من قبل:
قيس يبكي ليلى و ليلى تبكي قيس.
عنترة يبكي عبله و عبلة تبكي عنترة.
و عبد الله الصغير يبكي الأندلس.
و أبو سلمى يبكي فلسطين و سعيد عقل يبكي لبنان.
و لبنان يبكي الجنوب والجنوب يبكي المقاومة.
و المقاومة تبكي العرب و العرب يبكون مصر.
و مصر تبكي الجميع.
آه كم ظلمنا فريد الأطرش و استهنا بآهاته و شهقاته و دموعه. انه الوحيد الذي سبق جميع الأحزاب و المفكرين و المستشرقين العرب و الأجانب في فهم النضال العربي سياسياً و اجتماعياً و تاريخياً و أيديولوجياً و ادرك موازين القوى التي تتحكم بنتائجه و مستقبله اكثر من جميع مراكز الدراسات الاستراتيجية في العالم و ذلك عندما قضى حياته آهةٍ آهه و دمعةٍ دمعه فقد كان بحق “كيسنجر العرب” طوال ربع قرن و نحن لا ندري
و لذلك علينا رد اعتباره و نعيد تقويم اغانيه و مواويله واهاته و نعلق صوره في مقر الجامعة العربية و مجلس الدفاع المشترك و خنادق المقاومة و قاعة مؤتمرات خلدة و منظمة اوبيك و مكاتب البعثات الدبلوماسية في الأمم المتحدة و ان نستفيد من خبرته و نستلهم أسلوبه في مواجهة الاحداث و التعامل معها فمن الان  فصاعدا على كل مذيع عربي ان يبدا نشرة الاخبار : بآهة و ينهيها بموال.
وكل سفير معين حديثا في دولة اجنبية فور الانتهاء من تقديم أوراق اعتماده و من تبادل الكلمات حول تطوير العلاقة بين البلدين و التعاون المشترك لإحلال السلام في المنطقة، عليه يشهق و ينخرط في البكاء
وكل عاشق فور ان يلتقي بحبيبته و يبثها ما عنده من اشواق و أحلام بتأسيس بيت وتكوين اسرة يرفرف عليها الحب و الهدوء و الاستقرار عليه ان ينخرط في البكاء.
و كل مدير مدرسة فور توزيع شهاداته على الخريجين و انتهائه من تقديم نصائحه و تمنياته لهم بالنجاح و التوفيق في حياتهم العملية لبناء وطن حر مستقل عليه ان ينخرط هو وبقية الأساتذة في البكاء
و كل رئيس وزراء جديد فور الانتهاء من تلاوة بيانه الوزاري و من تعهده بإرساء القواعد الديمقراطية و تمتين الجبهة الداخلية و الحفاظ على حقوق الشعب الفلسطيني و تحرير كافة الأراضي المحتلة و توجيه التحية لشهدائنا الابرار عليه ان ينخرط و أعضاء وزارته في البكاء.
ووسط البحر المتلاطم من الدموع ما زال الاعلام العربي يؤكد لنا يوماً بعد يوم ان المستقبل مشرق في المنطقة و لكنه لم يوضح ابدا اذا كان مشرقاً لنا ام لإسرائيل؟.
فلتتدفق الدموع من العيون و الدماء من الجراح حتى تصل الى ركب السائرين كالكشافة وراء فيليب حبيب و غيره. فلن يتوقفوا و لن يتراجعوا ولن يستقر لهم رصيد في بنك، أو فرو على كتف أو راقصة في ملهى أو كافيار على مائدة او سيكَار في فم أو شاليه في منتجع حتى تذاع اغنية “ختم الصبر بعدنا بالتلاقي” من إذاعة إسرائيل و اذاعات المنطقة في وقت واحد.
و مع ذلك لا شيء ينفجر حتى الان من المحيط الى الخليج سوى أسطوانات الغاز.
……………………
دون تدخل من كتاب سأخون وطني لمحمد الماغوط
التالية/25( ولكن الضفاف لا تجري)
عبد الرضا حمد جاسم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *